Home إلّا جدّ مسكينة “هيفا “.. !

جدّ مسكينة “هيفا “.. !

by رئيس التحرير

 

غادا فؤاد السمّان / شاعرة وكاتبة رأي سورية – بيروت

في لقائها الميمون الذي استَنْفَر شاشة الLBC  لأيام من التمهيد والتجييش والتهييج الإعلامي التنافسي الشديد، الذي جعل من اللقاء “المدوّي ” كلّ شيء “حيّ ” بعدما أعاد الطمأنينة، والهدوء، والسكينة، والإستقرار، والتوازن، إلى كافة شرائح المجتمع، ووحّد الطوائف، والمذاهب، والأحزاب، وتساوى كل المواطنين في الدهشة مع النواب، واستقرّت في قلوب كل السُرّاق والمَسرُوقين وحوّلتهم إلى طوباويّين وأحباب.

بعدما رمّمت البنية التحتيّة والفوقيّة ومتّنت الجسور، ودعّمَتْ التِلال والجبال، وخففت عن كاهل الناس الأثقال والأحمال، وبعدما أوقفت المنحدرات عن الإنزلاق والجبال عن الكسارات، وبعدما رفعت المخدرات عن التعاطي بين الشباب والشابات، وبعدما فتحت كامل الطرقات والمنعطفات، وبعدما زاحمت الثلج وثبّتت الأرصفة وزاحت من دربها جميع المعوّقات والعوالق والعالقات من أتربة متراكمة، وأبنية مهترئة ونفايات، وبعدما جعلت من لقائها الحدث اللبناني “المهول ” الذي سبق التشكيل الحكومي وغطّى عليه، وسبق القمّة العربية الإقتصادية ونافس في الحضور الجمهورية العربية السورية والجماهيرية الليبية، وبعدما طغت على نورما وأخواتها من العواصف العاتية والفيضانات.

تسنّى لنا وبحمد الله متابعة الحلقة بدون قطع التيار بجميع ألوانه، وطاقاته، وقواه، وقد التصقنا بالشاشة الصغيرة التصاق الطابع البريدي القديم،على ظهر ظرف طارىء.

أكثر ما يلفت الانتباه هو هذا ال “كمّ ” الهائل من الرعاية لحلقة “هيفا وبس “، علماً أنك لو توجّهت بالسؤال لكل شركة راعية على حده وطالبتها “دعم ” صحيفة ورقية، أو رعاية مجلّة على الشبكة العنكبوتية بوسعها أن تنشىء أجيال أكثر انتماءأً وموضوعية، سيكون الجواب واحد لدى الجميع أن الوضع الإقتصادي منهار، والبلد يعج بالفساد والإفلاس، ويعزّ إخراج دولار واحد لمساعدة طفل يحتضر بين ذراعي أبيه على باب مشفى، وخاصّة إذا كان واحداً ممن كُتب عليهم النزوح كما كتب على الذين من قبلهم الشتات واللجوء لسبعة عقود متتالية يعيشون على الوعد يا “كمّون ” منذ 70 عام.

المهم في هذه الاستطرادات وتداعياتها، هو ما لمسناه في هيفا من جوانب إنسانيّة خفيّه تتبدّى للمرّة الأولى ربّما، ولا أستطيع الجزم، أهو النضج لدينا، في المتابعة.؟! أم النضج لدى هيفا في المفاتحة..؟!

فعلاً هيفا إنسانة وحقيقيّة جدّاً دون ريب، لكنها “حبيسة ” داخل قالب اجتماعي مخادع وممل لها قبل أن يكون لنا، أدخلها فيه “مافيات ” الصحافة والإعلام بكل أشكاله ورجاله الأبطال الأشاوس الميامين الذي يلعبون بالحقائق وبالأذهان وبالجمهور وبالمستقبل والمصير.. الذين يتداولون الشائعات على غرار تجّار المخدرات تماماً، جرعة من هذه الكذبة وجرعة من هذه المهزلة تكفي لإدمان الشعب على الإسفاف والسحطية والسذاجة والسماجة والتفاهة، في المخدرات يضيع العقل ويحتضر التركيز ويصعق الفعل، وفي الشائعات تُقتل الهمم والعزائم والقضايا الكبرى ويصير الزحف الجماعي خلف الشائعة في صفحة للتواصل الإجتماعي، أو صحيفة للتداول الفني أهم من حقّ تقرير مصير العودة على شاشات تروّج للعدم وتكرس اللانتماء، وعدم الإكتراث لاستنكار تهويد القدس أو ضياع العالم العربي المتخم بالثروات المسلوبة أصلاً من قياداتها، شاشات تظهر كرامة شعب يغرق في المخيمات أخفض من كعب هيفا ومايا ونانسي ونايا، وسيأتيك الجواب الصاعق من حيث لا تدري من حقّ الناس أن تستمتع بوقتها، أن تمتّع نظرها.. وهيفا نموذج للمرأة التي لا تَهرم ولا تُهزم ولو أنها في منتصف العقد الخامس من العمر..

جميل جداً هذا الكلام، ولكن هذا النموذج الذي استُنْسِخ منه عشرات الدمى أقصد عشرات النساء، كيف سيوفرون الجدّات لأحفادهن، أليس المجتمع قائم على تعدّد الأجيال وتنوّعهم، فما الذي جعل من ثقافة إعدام الجيل الثالث أو الرابع في العائلة أمر حتميّ..!

حتّى هيفا هي شخصيّاً تحلم أكثر مما تحيا، وهذا ما أثار دهشة “هشام حداد ” بضراوة، فهل يعقل لهيفا أن “تهرب ” لأحلامها لتترك واقعها المترف الثري..؟!

لعلّه غاب عن هشام حداد أن الإنسان مجرّد طاقة، ومكمن الطاقة وسرّها ليس العضلات، فالعضلات مع الوقت تضمر، والرشاقة مع الزمن تذوي، مهما كان نوع الرعاية والعناية والرفاهية والثراء.. فكما المعدة تتخم من تنوّع الطعام، أيضاً القلب يملّ من تلوّن الحياة، وكما الشهوة تنطفىء بعد ليلة حمراء أيضاً الرغبة تبهت مع العمر ومع الوقت من جميع الماديات، ويبقى قلق الروح وحاجاتها اللامعدودة، إلى النور، وإلى الصفاء، وإلى النقاء، وإلى النسيان، وإلى الهدوء، وإلى الصدق وهذا الأهم، والفن وعلاقاته المتشعّبة كالسرطان لا نجاح له بالصدق.. لهذا هيفا تهرب بالنوم لأنها تدرك أنّ الصحو غرق في مجتمع موبوء بالنفاق والزيف، ولم يَئِنْ بعدُ الأوان لتصرخ في وجه مستثمريها لتقول بأعلى صوتها “سئمتكم “، وتضرب بجميع طموحاتهم من تصنيعها وشدّها ومطّها وتعديلها وتخصيبها المتواصل بالبوتكس وتوابعه كمفاعل لل “يورانيوم ” عرض الحائط .

نعم هيفا مسكينة لأنها أسيرة الحذاء الضيق وهي في العقد الذي يحتاج أن يستريح من الأحذية ومن كعوبها المتطاولة على خريطة الجسد، مسيكنة لأنها أسيرة الفستان القصير الذي يلزمها طبيعة الخطوة ومقدار الدعسة لإظهار مفاتنها المدروسة باجتهاد باهظ، مسكينة لأنها حبيسة الأقنعة التي فرضتها المساحيق وتّجارها، حبيسة الضحكة المصطنعة التي تلزمها الحياد عن مشاعرها الدفينة وتخرجها من عفويتها وتلقائيتها، مسكينة لأنها ممنوعة من التعبير والتداعيات والربط والإسقاطات على طريقة “مريم البسام ” ونشراتها الإبداعية للأخبار “الهزلية “.

مسكينة هيفا لأنها أسيرة التنافس بين محطَتَيْن LBC  و MTV، وبين مُعِدَيْن ومُقَدِمَيْن كهشام حداد وعادل كرم، وجمهور “فايت ” بالحيط الذي تنتصب فوقه إحصائيات “الريتينغ ” الدامغة للمستثمرين الكرام.

الكلام كثير وهيفا وأنا مسكينتان لأننا دخلنا هنا فعلاً دوامة يمكن ألا تنتهي لكنّ المساحة أَزِفَتْ لإغلاق السياق وخاصّة أننا في زمن الصورة التي تستقطب الجميع للمشاهدة أكثر بكثير من الكلمة التي لم تعد تستقطب أحداً لأنّ المخيلة معطوبة والتفكير معطّل تماماً.

 

خاصّ – إلّا –

 

 

You may also like