د. جاكلين قبيسي حورية الأزرقين..

إلا – مكتب بيروت
د. جاكلين قبيسي الطبيبة. و الفنانة التشكيليّة الفرنسيّة العريقة القادمة من بلاد الفن والجمال والحضارة، ومقيمة في لبنان، بلد لا يقلّ شأناً في الفن والجمال والحضارة وهي زوجة طبيب لبناني كان ناجحاً ومميّزاً وودوداً رحمه الله، وكان أوّل مشجّع لتعيش جاكلين طقوسها الفنيّة التي تهوى، دون خلق أي عوائق أو عقبات، لتكون هي نفسها وفنّها، وأجواؤها الحالمة التي تجسّدت في عالمها الواسع القائم بين الأزرقين، والذي أطلّت به على جمهورها الراقي في معرضها الأول الذي احتضنته بيروت بمنطقة “قريطم ” حيث تظلل أشجار قصر “الرئيس سعد الحريري ” الخارج بقناعة من المهام السياسة،

والمتنصّل بعفّة عن جشع السياسيين ومتاهاتهم الغارقة في الفساد، وقد اختار الإمارات بلد الصعود إلى القمم، ومدينة تحقيق الأحلام المستحيلة، مخلّفاً وراءه قصراً بلا أمير، وحديقة بلا حكايا، وأسواراً بلا سطوع مهما تعدّدت الإضاءات…

لكنّ محترف الفنانة التشكيليّة والاديبة “خيرات الزين” تكفّل بما غاب من السطوع وزاد، وأضاف على المنطقة الوادعة ألواناً زاهية، وأجواءاً وادعة، ورواداً تصطفيهم المناسبة تلو المناسبة، ليجعلوا من محفل خيرات الزين الفنّي محجّاً لأهل الثقافة والفن والإبداع والذوّاقة لكل ما هو خلّاب، حيث يتنوّع بين الشعر والرسم والحوارات المفتوحة، والجلسات الحميمة التي لم تقطّع اوصالها التكنولوجيا بعد،
تلك اللقاءات المتواصلة التي جعلتْ من مساحة خيرات الزين الفنيّة، واحة اجتماعيّة تليق بخصوصيتها المُبهرة، وركناً خاصّاً وخصباً وادعاً وواعداً للقاصي والداني من داخل لبنان وخارجه، ومن أرجاء بيروت وأصقاع لبنان الحافل والمكتظّ بالدرر والنفائس الأدبيّة والفكرية والإبداعيّة..

ولا أنفي أنني من المتأخرين جداً باكتشاف واحة خيرات الزين الخصبة المميّزة الغنّاء، والتي جعلت من تلك الواحة عالما للكلمّة وهندساتها المختلفة بين الشعر والنثر والقصة والرواية، والأهم بتقديري من كل الأصناف المذكورة هو الجملة المفيدة بحدّ ذاتها التي تحاكي الإحساس فتجذبه، أو تحثّه، أو تنفّره، أو تستفزّه، أو تساجله، أو تماحكه، أو تقارعه، أو تشاغله، المهم في الجملة أن تكون فاعلة بشكل أو بآخر، وبعيده عن الجمود، وبعيدة عن الحياد ايضاً، كذلك هو عالم اللوحة، وخلاف ذلك كل التجارب هباء وسماجة وتراكم غث لا يرتقي لرتبة الغبار في أحسن التجمّعات التي كثُرت مؤخّراً، واستقطبت الكثير ممن لا شأن لهم، غير الكثير من الروابط والعلاقات والمصافحات والمصالح المتداخلة.

المهم في هذه السطور هو متابعتي لمعرض الفنانة التشكيليّة د. جاكلين قبيسي التي فتحت مسارب هذه الصفحة لأكتب رغماً عن عزوفي عن الكتابة، لأن القارئ أصبح باهتمامات مختلفة، وذائقة مكتظّة، وذهن متداخل، بعدما أصبح التركيز في شأن واحد هذه الأيام أمراً بالغ الصعوبة، فالحارات الألكترونية المفتوحة على بعضعها البعض، والأمم الافتراضيّة التي نتابعها محتشدة بعدد لمحات النظر التي لا تحصى، عودتنا الصخب في التفكير، والضوضاء في النص، والازدحام في الأفكار والتدافع في الرؤى، غير أن جاكلين قبيسي لم تقع في تلك التخمة البصريّة، بل آثرت الركن الهادىء من هذا العالم، حيث جنحت إلى عمق الأزرقين كعوالم للتأمّل، والهروب من فوضى الحياة المزدحمة في لبنان عموماً وبيروت خصوصاً..
البحر بالنسبة لجاكلين قبيسي ليس مساحة جعرافية تختلف بتضاريسها عن اليابسة، البحر بالنسبة لجاكلين قبيسي مرآة تعكس صورة السماء بكل ما تمثّله من خصوصيّة العالم العلوي، بروحانيته، ونقائه، وصفائه، وغيومه، وغموضه، وغيبيّاته..

البحر أيضاً صديقاً حميماً لجاكلين قبيسي تودعه حكاياها البسيطة والمركّبة، تودعه أسئلتها ونضجها وطفولتها ووداعتها وسعادتها ومشاعرها وأحاسيسها وأحزانها الطفيفة، التي تختلف بدرجة الزرقه حين تفتر تارة وتشتد في لوحة أخرى، لكنها دائماً متّزنة ورصينة ومتوازنة، ولم تختل حركة الريشه ولم تهتز لتعلن غضباً أو تعبئة أو نفيراً في أيّة لوحة قدمتها على امتداد المعرض الذي احتلّ معظم جدران محترف خيرات الزين الثقافي..
جاكلين لا تحبّ الثرثرة لهذا تأتي لغتها الفنية مقتضبة في معظم اللوحات حيث الوضوح في الخطاب الذاتي، الذي لا يخلُ من هوامش لبحث البعض من تفاصيل الحيثيات الحياتيّة، بلونيّة باهته بعض الشيء، وكأنها تبلّغ كل من حولها باختصار شديد أنها لا تأبه للإسهاب والشرح الممل.

جاكلين امرأة منظّمة تُحسن ترتيب أولوياتها، فلا خط يتعارض مع خط آخر في اللوحة، ولا مجال للعبثيّة في مساحاتها، الكونيّة واللونيّة، تجاربها الشخصيّة حكراً عليها، باستقراءاتها واستنتاجاتها وقواعدها وخلاصاتها، التطفّل غير مسموح في حياتها، وكأنها توثّق عالمها التأمّلي في لوحاتٍ انطباعيّةٍ، لا تركن إلى الكلاسيكيّة القديمة، بقدر ما تُحاكي البصيرة المشهديّة، حيث يتحوّل كل مشهد إلى لحظة صفاء أو تفكير أو بحث أو تدقيق ذهني تخاطب بشكل غير قسري أو إلزامي وجدان المتلقّي قبل إدراكه الواعي الاختياري.
هذا التوازن بين التقنية والروح، والتلاؤم بين المزاج واللوحة لدى جاكلين قبيسي يمنح اللون أبعاد المعنى، ودلالات القراءة والترجمة البصريّة، التي تنمّ عن نضج في الرؤية الفنيّة، رغم بداية المشروع أو المشوار الفني.
خاصّ – إلّا
Share this content:
 
								 
							


 
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                    
إرسال التعليق