الغازية “تتوّج ” سيرة ومسيرة أبوغزاله
لم تغبْ “الغازيّة” عن باله يوماً، حملها لأكثر من سبعة عقود ونيّف، في كل لقاء متلفز أو مسموع أو
مقروء وهو صاحب الحضور الأكثر حضوراً على مستوى اللقاءات والمناسبات والمؤتمرات والمحاضرات
والإعلام..
ما من كتابٍ ألّفه في مكتبته الخاصّة الكثيفة بالإصدرات والتي تعجّ جميعاً بالذاكرة والذكريات إلا وكان
للغازيّة من صوت وجدانه نصيب موثّق، بالخبر الموجز مرّة، وبالتداعيات أخرى..
ولا أعلم إن كان ثمّة ضرورة أن أبدأ الكلام بالحديث عن مركزيّة “الغازية ” في ذهن د. طلال أبوغزاله
كبلدةٍ استقبلته وأهله إبّان العدوان على فلسطين في نكبة 1948 وخروجه وأسرته من يافا إلى الغازية،
حيث أصدقاء والد طلال أبوغزاله الذي حفظ له مختار الغازية وأهلها خاطراً كبيراً لما كان له من شأن
عظيم كإنسان محترم، وصديق كريم ومعطاء، ورجل أعمال وقور ومقتدر، لكن “الغدر ” كما نعلم يقلب
الأحوال مهما كانت رأساً على عقب، ومن عادة الناس أن تتغيّر مع تغيّر الأحوال، لكنّ أهالي الغازية
اهالي ودّ ووفاء، لهذا أَوْلُوا العائلة، عناية خاصّة من الإحتفاء والإحتواء، مراعاة للود القديم والصداقة
المتواصلة..
وباختصار وبعيداً عن الإستغراق في الوقائع التي تستحقّ أن تُحكى وتُعاد لكل الأجيال، صار طلال
أبوغزاله، الرقم الصعب في عوالم مختلفة، ففي الفكر هو المفكّر، وفي العلم هو الأستاذ، وفي الخبرة هو
المعلّم، وفي الأعمال هو الرائد، وفي التطوير هو السبّاق، وفي الإطّلاع هو التلميذ، وفي المتابعة هو
الدؤوب، وفي الإنجاز هو البطل، وفي الذكاء هو المنبع، وفي الحيويّة هو الفَتِيّ، وفي النشاط هو البطل،
وفي العزيمة هو الفولاذ، وفي المجتمع هو المحور، وفي العالم هو الإسم، وجميعنا يعلم أنه ليس من
السهل صناعة اسم محلّياً فكيف على صعيد العالم والعالميّة..
لهذا وبتقديري كانت لفتتة ذكيّة جداً من معالي وزير التربية اللبنانية بل ونبيلة جدّاً جدّاً وهو يعلم تاريخ
أبوغزاله الحافل، أن يردّ إلى الغازيّة وهج الوفاء بتقدير جميل، لرجل يكتظّ بالتقدير من كلّ حدبٍ وصوبٍ..
أقرأ الخبر ببطءٍ أوّلاً، ثمّ بتأنٍّ شديد، مدرسة “الغازيّة ” الرسمية ترفع اسم طلال أبوغزاله بكل اعتزاز
واعتداد ووفاء واعتراف وتوثيق.. يا له من خبر، يستجرّ خلفه سيل من التداعيات، فأتذكّر أسم مدرستي
الابتدائية “نائلة الوفيّة”، ومدرستي الإعداديّة “الشهبندر ” و مدرستي الثانويّة “الأرسوزي “، كنّا
نرددها دون دراية كاسم، ولكن ليس أيّ اسم، هذا الاسم حتى يُرفع على صرح تربوي كم يحتاج صاحبه
من جهاد وكفاح ونضال وإصرار واستمرار ومتابعة ومصاعب ومتاعب وعقبات ونجاحات وتميُّز ثم تميُّز
ثمّ تميُّز حتى تخلع البلدة اسمها وتهبه لمن يستحقّها بكلّ تلك الجدارة..
ربّما لو كنتُ لا أزال على مقاعد الدراسة لكان هذا الحدث الاستثنائي الجميل، الأصيل، الكريم، الوفي،
دافعاً ملهماً لحثّ الخطى والتفوّق، لعلّ وعسى أستطيع أن أرفع اسمي ذات يوم في سجلّ الشرف لمجال
ما..
لكنّي قد بلغتُ من العمر عتيّاً وقد تبيّتُ معالم الدرب كاملاً وأنا على أبواب النهاية لا أملك سوى سطر
صغير بالكاد أقف فوقه، فكيف باسم يقف فوق جدار صرح تربوي شاهق!!..
لهذا سأكتفي أن أكون شاهدَ عصرٍ لمسؤول كبير قد اتّخذ القرار الصائب وقد فعل الكثير بهذا القرار، في
حكومة لم تفعل حتى القليل، وذلك لأنه برتْبةِ وعي عميق وتفكير سديد هو الوزير عباس سليم الحلبي،
ولأنه يحترم جهد سواه، ويقرّ.. به، ويكرّمه، ويوطّده، ويكرّسه، ويخلّده فوق صرح تربوي أرجو من
الأجيال التي تتعاقب أن تسأل عمّن هو “طلال أبوغزاله ” لترسم خريطة تفوّقها منذ البداية، وفي عمر
مبكّر، كما فعلت “وديعة عبد الغفار المرزوقي ، وصرّحت من أقاصي الجغرافيا، أنّ طلال أبوغزاله هو
قدوتها ومِثال طموحاتها الأعلى، لا أن تكون مثلي تردد اسم مدرستها دون أن تعي الدور العميق لصاحب
الإسم، فتنجح وتتخرّج من الصفوف، وتقف على رصيف الحياة تراوح وتراوح دون أن تفتح مسارب
التجارب والمحاولات خوفاً من النتائج وتحسّباً من الأثمان، على الأجيال التي ستحظى بشرف التعلّم في
مدرسة طلال أبوغزاله أن تنتهج منهاجه من الألف إلى الياء، وهنا أقترح على مكاتب أبوغزاله في لبنان،
أن تتكفّل بتزويد المدرسة بكامل مؤلفات أبوغزاله الشخصية والإنسانية والاجتماعية ليكون له جداراً
كاملة في مكتبة المدرسة وبنسخ عديدة من كل مؤلف، يكون استِلافَه من المكتبة ميسّر وفي متناول
الجميع، مع لوحة واسعة ترفع عالياً وتحمل عبارة “من اسم لاجئ إلى اسم طلال أبوغزاله العالمي حكاية
كفاح ونجاح واستثناءات لا تحصى الغازيّة إحداها..” “.. كلّ التحيّة لكل من يصنع الضوء في حياة تزداد فيها العتمة بشكل رهيب.
خاصّ – إلّا –
Share this content: