Home إلّا قطر مع غزّة تتحدّى الحصار

قطر مع غزّة تتحدّى الحصار

by رئيس التحرير

غادا فؤاد السمّان/ شاعرة وكاتبة سورية – بيروت

على محدوديتها أرضاً وشعباً، لم تكتف “قطر ” أن تكون من الدول الأغنى في العالم، من حيث دخل الفرد القطري السنوي، والتي استطاعت أن توفّر للمواطن أفضل سُبل للعيش على صعيدي الرغد والترفيه، وهذا لم يقتصر على المواطن فيها بل شمل المقيم على أراضيها، حين فتحت الأبواب بقدرٍ واسع لاستيعاب أكبر نسبة من الوافدين إليها، بحثاً عن ظروف عمل ورواتب أحسن مما تفتقد إليه بلادهم من فرص ورواتب تكاد تنعدم في معظم الدوائر والمؤسسات، وما أكثر الجنسيات الموجودة على أراضيها وتختلف بين لبنانية وهي الأوفر حظاً كونها معفية من تأشيرة الدخول والإجراءات الروتينية المشدّدة، وربما المصرية أقلّ حظاً بسبب سياسة مصر التي تضامنت مع دول الخليج الإمارات والسعودية والبحرينية بمقاطعة قطر وحصارها القائم منذ قرابة السنتين حتى اليوم، والجنسية السورية التي ساهمت الأزمة في منح البعض من المحظيين بحكم العلاقات مع الجهات القطرية لدخول أراضيها..

المهم في هذا كلّه طموحات قطر التي تفوق كل ما ذكرنا، وسعيها الدائم بإيجاد سبيل للزعامة في المنطقة العربية من أي نوع، ووجدت ضالتها مع “الإخوان المسلمين ” الذين يجنحون إلى العنف بجميع أشكاله، وقد عانى منه الشعب المصري، ومن ثمّ ذاق الشعب السوري الويلات بحكم تفشّي الحركات الأصولية على أراضيها، والتي عاثت في أرجاء سوريا الخراب والدمار والإنشقاقات المريعة في الصفّ السوري الواحد، بتعزيز مفهوم المذهبيّة، وتحويله إلى جبهة حقيقيّة لم يسلم منها حيّ أو شارع أو منطقة أو محافظة أو مدينة في سوريا التي لم تعرف قبل التفجّر الإسلامي فوق أراضيها في يوم من الأيام قبل الأزمة معنى الطائفية أو المذهبية أو أي شيء من هذا القبيل.

وإذا كانت قطر قد انطلقت من حسن النيّة بدعم الإخوان، ومن تضخّم الطموح بلعب دور على مستوى المنطقة والرأي العام العربي والغربي والعالمي أيضاً يؤهّلها للصدارة الإعلامية والوجاهية، وهي التي امتلكت أول وسيلة إخبارية كانت فيما مضى وقبل انتشار الأزمات المفتعلة في العالم العربي مشهود لها في المهنية العالية وإمكانية التنافس مع أهم المحطات الإخبارية في العالم كال CNN و BBC إلّا أن الطموح شيء والواقع شيء آخر تماماً، الأمر الذي أوقعها في لعبة الإنزلاقات الإعلامية الكبيرة، وخاصّة أن معظم العاملين في إدارة المحطة كانوا بانتماءات وميول معروفه تابعة للإخوان المسلمين، ولاغتنام فرصة التكريس والفعل والإنتشار لم يعدموا أيّة حيلة وأيّة وسيلة لصنع الأحداث صناعة في الغرف المغلقة، بتزييف الوقائع وتشويه الحقائق وتزوير الأحداث، مستغلين كل الإستغلال الثقة التي وضعتها بهم القيادة في حينه، وبعدما تكشّفت الحائق أمام الإعلام العالمي بدأت الإنقلابات على الإعلام القطري تنهال تباعاً وصلت حدّ المقاطعة، وأكثر المتضررين من القرار العالمي كان الشيخ حمد والذي دفع الثمن باهظاً باضطراره للتنازل إلى ابنه “تميم بن حمد ” ليتسلّم عنه زمام القيادة، كدم جديد مفعم بالحيوية والطموح والرؤية الجديدة إلا أنه بدوره انزلق رغماً عنه ذات الإنزلاقات التي أودت بوالده إلى التنحّي، ليس حبّاً أو إمعاناً بالفشل، بل رغبة منه في مواصلة مراعاة تحقيق الطموح وتزعّم المنطقة بحكم توفّر “رأس المال ” وهو اللاعب الأساسي هنا، فدفعت ثمن دورها بسخاء بالغ ومنقطع النظير، عجزت معظم دول التعاون الخليجي من مجاراته ونؤكد ثانية أنّها إن دفعت للأشخاص الخطأ، لم يكن سعياً للخطأ أو انطلاقاً من نيّة خطأ، بل من طموح لا يحدّ، رغم إخراجها من دول التعاون، ورغم إقامة الحدّ الخليجي عليها، وتضييق الحصار، الذي وجدت سلواها مع إيران وتركيا، كحليفين وداعمين لسياستها وقطيعتها المؤلمة.

وبما أنّ اللعب الخليجي مع إسرائيل بات واضحاً وصريحاً وعلى المكشوف، اعتباراً من بوابة مسقط العاصمة العمانية مع السلطان قابوس، مروراً ب “أبو ظبي ” الذي استقبل نتنياهو ووزير الحربية ووزيرة الثقافة والشباب وغيرهم من الوفد المرافق على رأس السطح، وبما أنّ السعودية قد عهدت إلى الشركات الإسرائيلية بمجمل مشاريعها في أهم محور من محاور الإسلام في العالم فوق أراضيها والذي يتمثّل في الكعبة المشرفة.

فقد ارتأت قطر أن تواصل ما بدأته منذ سنوات بتنشيط العلاقة مع إسرائيل وتوطيدها، وتبادل وجهات النظر على خطّ الأزمة الغزاوية، وتقديم الإقتراحات والعروض، بربط غزّة مع قطر مباشرة، بإنشاء مطار مشترك بين غزة وقطر، يساهم في تحرير غزّة من الحصار، وربما في تحرير قطر من حصارها أيضاً، وكاد الإقتراح أن يجد ترحيباً إسرائيلياً بشرط قبول الإقتراح الموازي، بإنشار مطار قطري في “تل أبيب ” ومثله مطار إسرائيلي في الدوحة، وجاء الرد الإعلامي الظاهر بالرفض لحفظ ماء الوجه العربي، وربما تمّت الموافقة تماماً في الباطن، لكنّ المسألة كلّها مسألة وقت، ريثما ينضج ما ينضح عن “صفقة القرن ” بانهاء القضية الفلسطينية، جملة وتفصيلاً، وتحقيق الحلم الإسرائيلي بتعزيز حدوده من الفرات إلى النيل من البوابات الخليجية السخيّة الواسعة.

أول المعترضين عربياً كانت من طرف القيادة الفلسطينية المتمثلة بحركة فتح، حين طالب الجاكوب قطر، بفتح الأنفاق بين غزّة والضفة بدلاً من إعلاء الجدار وزيادة الشرخ في الصف الفلسطيني بفتح المطار لتعزيز استقلالية قطاع غزّة وخروجه من الانتماء الوطني الكامل، وبصرف النظر عن سياسة القيادة الفلسطينية وأخطائها الفادحة في الكثير من المحطات إلا أنّ الملاحظة التي جاءت على لسان الناطق فيها، هي وجهة حقّ يراد بها إبطال الإنقسام القائم بين الضفة والقطاع، بل العودة إلى طاولة التفاهم والتنسيق والوطن.

بجميع الأحوال لم يبق لنا إلا أن نلتفت فعلياً للدور القطري، الذي لا يكلّ التحدّي ولم يعدم الإصرار.    

 

خاصّ – إلّا  –

 

You may also like