×

واقع “الحَلَبَات ” العربيّة الثقافيّة..

واقع “الحَلَبَات ” العربيّة الثقافيّة..

IMG-20250920-WA0040 واقع "الحَلَبَات " العربيّة الثقافيّة..
د.ريم الكمالي/ روائيّةكانبة باحثة إماراتيّة – دبيّ

كلمة حرّة في مواجهة (الشللية)

لم تعد الثقافة في فضائنا العربي ساحةً مفتوحة للأفكار كما يتخيلها القارئ المتابع، بل تحوّلت في كثير من الأحيان إلى فضاءٍ ضيق تهيمن عليه شللية مثقفين أو مدّعين للثقافة، في مؤسسات يعيشون فيها طويلاً، وهم يظهرون في الواجهة الإعلامية كأباطرة لا يُمسّون.. يقدَّمون للجمهور باعتبارهم رموزاً وحراساً للمعرفة، والحقيقة أن هذه المؤسسات الثقافية التي تدار عادة بعقلياتهم البيروقراطية، ترى الثقافة «موارد» يجب ضبطها، لنتفاجأ بأنها تُستثمر غالباً لتثبيت حضورهم الشخصي، يلجؤون لتضخيم أنفسهم وحماية دوائرهم الشللية، كي لا يفقدوا سلطتهم الرمزية، أكثر مما تُستثمر تلك الموارد في فتح الأبواب أمام أصوات جديدة من المبدعين المنتجين، فإن حدث فهو الحدث اليتيم سنوياً، أمّا إن تواصل مبدع مع مؤسسة ثقافية يرغب في لقاء مسؤول من أجل مشروع أدبي أو فني أو ثقافي، تتم مساءلته، وكأنه شخص دخيل وغريب، فمن ينتمي إلى مجموعة يضمن دعوات، ومنحاً، ونشراً، وترجمة، ومقاعد في اللجان، ومن يبقى خارجها، يُقصى تدريجياً، وهذا يخلق نظاماً مغلقاً، يصعب اختراقه، إلا بالولاء للمثقفين الواجهة، أيّ العلاقات، لا بالكفاءة وحدها.

المشهد الثقافي العربي بمؤسساته اليوم (أغلبه) يُنتج احتكاراً ناعماً، لا يقوم على المنع المباشر بقدر ما يقوم على الإقصاء غير المرئي: الدعوات لا تصل إلا إلى دائرة الأصدقاء، الجوائز تتكرر فيها الأسماء ذاتها، والمناصب الانتخابية تدور في حلقة مغلقة، ومن لا يدخل الشلة المعروفة يجد نفسه خارج المعادلة مهما كانت كفاءته أو قيمة عمله الإبداعي، ولعلهم يقومون بدعوته كواجب مرئي، ثم يُنسى مجدداً.

ما ذكرته ليس تشاؤماً ولا سَلباً، فالإعلام بدوره يُكرّس هذه الصورة؛ إذ يبحث عن الوجوه الجاهزة بدل أن يغامر بتقديم أصوات ناشئة، لتبدو الثقافة وكأنها ملكية خاصة لمجموعة محدودة، بينما يفترض أن تكون فضاءً عاماً يتيح التعدد والاختلاف.. والنتيجة: يعتقد البعض أن الثقافة هي هكذا، نخبويّة منغلقة، بينما الحقيقة أنها تخسر تنوعها وتتحول إلى صدى متكرر للأسماء ذاتها.

هذا الواقع، على سلبيته، ليس قَدَراً محتوماً، فالفضاء الرقمي اليوم عموماً، يتيح للكاتب المستقل والمفكر الحر أن يكسر احتكار المنابر المؤسسية، ويجد جمهوراً مباشراً يتجاوز هذه الحلقات المغلقة، ففي كل مرة يفرض صوت جديد نفسه عبر الجهد والصدق، يهتزّ أمامه وَهْم الأبطرية الزائفة التي صنعتها الشللية كوسيلة للبقاء.

Share this content:

مجلّة - إلّا - الألكترونية/ مجلة هادفة ذات مستوى ومحتوى سواء بما يساهم به أقلام الكتاب العرب المعروفه والمنتشرة بأهم المنابر العربية، أو بما يتمّ اختياره أحياناً من الصحف الزميلة بتدقيق وعناية فائقة، وحرصاً من مجلّة - إلّا - بإسهام المزيد من الأقلام الواعدة يُرجى مراسلتها على البريد الألكتروني / ghada2samman@gmail.com

إرسال التعليق