×

سوريا بحاجة لجميع السوريين للبناء والنهضة.

سوريا بحاجة لجميع السوريين للبناء والنهضة.

download-2 سوريا بحاجة لجميع السوريين للبناء والنهضة.
أ. سركيس أبو زيد/كاتب وباحث سياسي لبناني- إهدن

أيها المثقفون السوريون اتحدوا
من أجل دولة وطنية وبناء نهضة جديدة


الأزمة السورية مستمرة منذ سنوات، وما زالت النيران تحصد يومياً العشرات من السوريين، وتهدم البُنى التحتية، وتدّمر تاريخ شعب عريق وتهدد مستقبله المجهول. وفي ظل انسداد الآفاق السياسية التقليدية لحلول تحقن دماء الشعب السوري، كان لا بدّ من البحث عن رؤى جديدة تعمل على توحيد القوى الحيّة من أجل تكوين كتلة تاريخية شعبية فاعلة تؤسس مستقبل سوريا.
مما لا شك فيه أن المثقفين السوريين هم الجزء المبادر والطليعي في معادلة الصراع، وعليهم يقع الدور الأكبر في لمّ الشمل، وجمع الشتات السوري تحت سقف سورية جديدة. الثقافة اليوم – بما هي فعل تغيير في داخل المجتمع والسلطة والإنسان – هي المخرج الأسلم لكل السوريين من أجل البناء وإعادة الإعمار. من هنا لا بدّ من توحيد الرؤى، والالتزام بالثوابت الوطنية لتأسيس دولة وطنية تقوم على نظام ديمقراطي ركيزته الأساسية الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، نظام يضمن المواطنية ويحفظ كرامة الإنسان السوري.
المثقف السوري الذي دفع جزءاً من حياته في السجون، أو قضاها في بلدان الشتات هو الوحيد الذي يملك القدرة على إعادة ترتيب المعادلة وترجيح الكفة لصالح الشعب في ظل عجز السياسيين عن ذلك، وبإمكانه إحداث التغيير حتى لو كان معتكفاً بعيداً في صومعته عبر رسالته السامية التي يجب أن تُعلن وتكسر حواجز سنوات القهر والخوف، وتُناهض العنف والتطرف. ذلك لن يتم إلا وفق ثوابت ومعطيات يلتزم بها المثقف قبل غيره. خاصة أن داخل الطوائف والمذاهب والإتنيات والطبقات الاجتماعية والجماعات على أنواعها خلافات وتناقضات تحول من وحدتها مما يعيق قدرتها على توحيد ذاتها حتى تتمكن من توحيد المجتمع.
ان القوى الحية التي تمتلك المعرفة العميقة والشاملة، وتهتدي بوعي عقلاني وعلمي وجذري، وتعمل من أجل نهضة متعددة الأبعاد، هي الأقدر على أن تكون النموذج والقدوة في العمل من أجل بناء وحدة المجتمع وفق ثوابت تلتزم بها القوى الحيّة وتعمل بموجبها كميثاق وطني من أجل وحدة المجتمع وتغيير بناه، وأبرزها:
ـ مقاومة مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يهدد وجود سوريا والمشرق خاصة والعالم العربي بشكل عام.
ـ رفض أي محاولة للتدخل الخارجي والتصدي لها.
ـ الحفاظ على وحدة سوريا وتماسكها ورفض أي مشروع أو محاولة لتقسيمها.
ـ رفض الاستبداد والعنف بكل أنواعه وأشكاله من أي طرف كان.
ـ رفض كل منطق يرسخ التكفير ويمنع التفكير ويلغي الآخر لأنه يتعارض مع تاريخ سوريا الحضارة التي هي خير نموذج يُحتذى عن الحضارة المنفتحة المتفاعلة والعقلانية.
ـ احترام الاختلاف ورفض منطق الإلغاء والصنمية الظلامية.
ـ العمل على بناء نظام وطني مدني ديمقراطي يضمن حرية الرأي والتعبير ويصون المواطنية والديمقراطية.
أظهرت الأحداث التي تشهدها سوريا ارتفاع منسوب العنف والكراهية وتنامي الاحتقان والحقد والضغينة، ومحاولة ترسيخ الانقسام والطائفية والمناطقية والعشائرية عبر تداخل عوامل عدة داخلية وإقليمية ودولية. وقد أدى ذلك إلى تعميم ثقافة الموت المجاني وتدمير الحضارة والتاريخ واستهداف الأوابد الأثرية.
يجب على القوى الحيّة والمثقفين السوريين بشكل خاص أن يوحدوا موقفهم، وأن يتحزبوا للوطن دون انحياز لفريق ضد الآخر، وأن يحثوا الخطى لبناء نظام جديد يضمن حق المواطن السوري ويحفظ كرامته، وعليهم أن يتكتلوا من أجل سوريا، والمحافظة على وحدتها وتماسكها، وحمايتها من العودة إلى مراحل ما قبل الدولة، وهذا ما نراه جلياً في بعض المناطق.
إن الحفاظ على المجتمع السوري متلاحماً منسجماً متضامناً، ومنعه من العودة إلى مكوناته البدائية، يُعد واجباً وطنياً، لأن خسارة وحدة المجتمع تعني الفشل في بناء الدولة والعودة بالمجتمع إلى مكوناته البدائية الأولى وبالتالي يصبح بناء الدولة مستحيلاً.
إن الثوابت القومية والمبادئ الثورية للتغيير لا قيمة لها إن لم تكن ضمن مجتمع موحد متماسك متوحد حول الحق في الحياة والكرامة، ويحترم التعددية التي هي جزء لا يتجزأ من تاريخه وهويته حتى يتمكن من بناء الدولة الجديدة مؤمناً بأن الحق في الحياة والكرامة إذا فقدتا لا يبقى معنى لأي قيم أو ثوابت.
في هذه الوقفة التاريخية علينا جميعاً أن نسلط الضوء على العوامل الثقافية والفكرية والأخلاقية التي تجمع وتستنهض في زمن المخاض العسير الذي تعيشه سوريا، ولأن المساحة التي يشغلها الأدباء والفنانين والمثقفين والإعلاميين والعلمانيين السوريين للتعبير عن خلجات أرواحهم ووجعهم الإنساني، قادرة أن تكون النبراس لتجاوز آلام الواقع من خلال طرح رؤى مختلفة ومغايرة عما هو سائد للوصول في نهاية المطاف إلى حالة ثقافية إنسانية توحد الصف في وجه التكفيروالجهل والاستبداد مهما كان مصدره.
هذه المقالة هي نداء إلى مثقفي سوريا وقواها الحيّة، ودعوة للاتحاد ضمن أهداف واحدة وروح واحدة لنبذ العنف والطائفية ومواجهة الاستبداد والدفاع عن حياة الإنسان وصون كرامته، والحفاظ على ما بقي من الحضارة الإنسانية في سوريا من أجل بناء غد واعد. هي دعوة للحوار وإبداع برنامج للخلاص وقيام ثورة جديدة لتغيير الإنسان والمجتمع والدولة في سبيل حياة جديدة من دونها لا معنى لأي مبادئ أو ثوابت.
قدر السوريين، وهم عل مشارف مرحلة جديدة من تاريخهم، أن يناضلوا على جبهتين: ضد التكفير والإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى مقاومة لكل استبداد وفساد واحتلال وهيمنة، من أجل بناء دولة وطنية مقاومة تؤسس لنهضة جديدة في سوريا والمشرق العربي.
من أين ننطلق؟ البداية أولاً من تنظيم حوارات وورش عمل من أجل إجراء نقد ذاتي معمق يشمل تجارب السلطات المتعاقبة، فضلاً عن المعارضات والأحزاب والنقابات وحركات المجتمع المدني، بالإضافة الى الطوائف والمذاهب والجماعات الإتنية وكل ذلك من أجل فهم الماضي القريب والحاضر الآني، بهدف وضع رؤية للمستقبل تتجاوز الواقع الراهن المأزوم ومآسيه وتحدياته، على قاعدة المصارحة والمصالحة والتسامح وتجاوز التناقضات والفتن قي سبيل وحدة المجتمع والدولة وبناء إنسان جديد حر علمي سيد مستقل قادر على إعطاء معنى إنساني قيمي أخلاقي للحياة الجديدة.

المصدر: النهار اللبنانية

Share this content:

مجلّة - إلّا - الألكترونية/ مجلة هادفة ذات مستوى ومحتوى سواء بما يساهم به أقلام الكتاب العرب المعروفه والمنتشرة بأهم المنابر العربية، أو بما يتمّ اختياره أحياناً من الصحف الزميلة بتدقيق وعناية فائقة، وحرصاً من مجلّة - إلّا - بإسهام المزيد من الأقلام الواعدة يُرجى مراسلتها على البريد الألكتروني / ghada2samman@gmail.com

إرسال التعليق

You May Have Missed