×

حوار اللاحياد مع المعارض الإيراني د. رضى طالبي.

حوار اللاحياد مع المعارض الإيراني د. رضى طالبي.

IMG-20250702-WA0030-757x1024 حوار اللاحياد مع المعارض الإيراني د. رضى طالبي.
د. رضى طالبي/ دكتوراة في العلوم الفلسفية، باحث اكاديمي وناشط سياسي – المانيا

خاصّ- مكتب مجلّة – إلا – بيروت


في عالمٍ تتشابك فيه السياسة بالقمع، وتُخنق فيه الأصوات المغايرة تحت ثقل الحديد والنار، يصبح الحوار مع صاحب التجربة شهادة توثّيق الواقع من فم المعاناة. في هذا اللقاء الخاص، نستضيف معارضًا إيرانيًا يعيش في أوروبا، لم يفرّ هاربًا ولم يكتسب صفة لاجيء بل جاء عبر دعوة رسمية، بتأشيرة صادرة عن وزارة الخارجية الألمانية، في إطار برنامج دولي يوفّر الحماية للملاحقين من هنا، لا نكتفي بنقل المواقف، بل نغوص في العمق: كيف تُصنع المعارضة؟ بأي ثمن؟ وما الذي تعنيه الحرية حين تصبح المنفى ثمنًا لها؟ حوار يضيء على المشهد من الداخل، ويكشف ما لا يُقال في البيانات.

في ختام هذا الحوار، تتجلّى صورة المعارض لا كندٍّ سياسي فحسب، بل كصوت حرّ يعبّر عن قضايا شعبه من موقع الوعي والمسؤولية. ما بين المنفى والحنين، وبين الواقع والحلم، تبقى الكلمة موقفًا، ويبقى الحوار الجادّ جسرًا مفتوحًا على إمكانيات التغيير، لا سيّما حين يصدر عن ضمير لم يُكبّل بالخوف، ولم يُساوم على الحق.

١. كيف بدأ تحولك من مواطن إيراني عادي إلى معارض سياسي؟!

هذا التحول لم يكن مفاجئًا أو لحظيًّا. في إيران، التحول إلى معارض سياسي هو مسار تدريجي ينبع من تراكم التجارب والأحداث التي لا يمكن أن تبقى حيالها محايدًا. عندما تشهد التمييز، القمع، الكذب المنهجي، والإهانة المتكررة لكرامة الإنسان، فإنك تبدأ تدريجيًا في إعادة النظر في موقعك وموقفك.

بالنسبة لي، لم يكن هذا المسار مفصولًا عن الظروف الشخصية والاجتماعية. ربما لو عدت إلى الوراء كنت سأتبنى أساليب مختلفة، لكنني لست نادمًا. اليوم، أحاول أن أكون فاعلًا مستقلًا ومتضررًا يحاول المساهمة في النضال المدني والأخلاقي من أجل التغيير.

أن تكون “معارضًا سياسيًا” ليس لقبًا ثابتًا، بل هو حالة سيالة ومتغيرة. أنا أتعامل مع مفهوم “المعارضة” كفكرة تتعلق بالضمير والكرامة، لا كهوية مغلقة. ربما تكون المعارضة اليوم أكثر حدة، وغدًا أكثر خفوتًا، لكن جوهرها يبقى ثابتًا: المسؤولية، والعدالة، والصدق في مواجهة سلطة غير عادلة.

٢. ما الذي جعلك تغادر إيران؟ وهل كان القرار سهلاً؟

ربما لو كان الأمر بيدي اليوم، لما غادرت. لكن حينها، وُضعت في ظروف جعلت البقاء في إيران أمرًا مستحيلًا من الناحية القانونية والسياسية، رغم رغبتي العميقة في البقاء. مغادرة الوطن ليست خيارًا سهلاً، بل جرحًا مفتوحًا.

الوطن ليس فقط جغرافيا؛ هو ذاكرة ولغة وشعور داخلي. لكن مع تفكك القيم والكرامة، يصبح مفهوم الوطن هشًّا ومؤلمًا. في الشرق الأوسط، سواء كنت عربيًا أو فارسيًا أو تركيًا أو كرديًا، لم يُمنح الإنسان يومًا تجربة حقيقية للكرامة أو الديمقراطية.

IMG-20250702-WA0036 حوار اللاحياد مع المعارض الإيراني د. رضى طالبي.

كنت أملك خلفية عسكرية وتقنية، وعملت في الصحافة والكتابة، ومع ضغوط أمنية ونفسية واجتماعية، اضطُررت إلى المغادرة في سنّ مبكرة. لم يتغير شيء كثير في داخلي اليوم، لا زلت أشعر بالطرد. حتى هنا، حيث الطبيعة والحرية، كل شيء يبدو غريبًا. الحقيقة أنني لم أترك الوطن، بل الوطن هو من تركني. وأمنيتي في العودة هي ما يُبقي روحي حيّة.

٣. هل ترى نفسك منفياً أم مهاجراً بإرادتك؟

لم أغادر بإرادتي مثل كثير من المهاجرين. لم أذهب للدراسة أو لتحسين الوضع الاقتصادي، ولم أستغل وضعي السياسي. حاولت العودة مرارًا، لكن التهديدات الأمنية منعتني. حتى اليوم، لو علمت أن العودة ستكلفني عشر سنوات في السجن، فسأعود. هذه ليست فكرة، بل إحساس دائم.

المنفى مختلف عن الهجرة الطوعية. من نُفي من عمق إيران يدرك أنه لم يختَر الرحيل. لكن لا يمكن شرح ذلك للجميع، خاصة لمن لم يختبر السجن أو التمييز أو الحرب. في هذا المنفى، هناك حريّة نسبية، نعم، لكن الثمن باهظ. ما خسرته أكثر بكثير مما كسبته.

كما قال غسان كنفاني: “الوطن هو ألا تحدث كل هذه الأشياء، لكنها حدثت”. المنفى لا يزال مستمرًا، لأنني لم أجد “الحضور”. أنا كطائر خرج من قفصه، لكنه لا يزال يشتاق لذلك القفص، لأنه كان يشعر فيه بالانتماء.

IMG-20250702-WA0032 حوار اللاحياد مع المعارض الإيراني د. رضى طالبي.

٤. كيف تقرأ اليوم بنية النظام الإيراني من الداخل؟ هل ما زالت “الجمهورية الإسلامية” تمثّل ما وُعد به الشعب عام 1979؟

بكل صراحة، لم يعد هناك شيء اسمه “الجمهورية الإسلامية”. ما تبقّى هو اسم فقط، غطاء لشيء فارغ. يشبه ذلك المشروب الذي يُسمى “شاي أخضر”، لكنه يحتوي على ٢٪ فقط من الشاي، والباقي مواد كيميائية! هذا هو حال النظام الآن.

كما هو حال كثير من الثورات، النظام أكل أبناءه. أصبح آلة ضخمة تستهلك نفسها وتستهلك الناس معها. ما نراه اليوم ليس دولة ثورية أو دينية، بل سوبرماركت ضخم من الأكاذيب والانهيارات.

كنت آمل بالإصلاح، وربما لا يزال هناك شيء من هذا الأمل، لكنه ضعيف للغاية. ما يمنعني من قطع الأمل هو الخوف من الحرب الأهلية. النظام خلق انسدادًا سياسيًا عميقًا، ولا يبدو أن هناك عقلًا جمعيًا لإيجاد مخرج.

نحن نشهد نهاية “الشاي”، إذا صح التعبير. شايزار مشكوك فيه، بلا ماء، بلا أمل، بلا عقل.

٥. ما تقييمك لموقع المرشد الأعلى في منظومة الحكم؟ وهل ترى أن ولاية الفقيه قابلة للإصلاح أم يجب إسقاطها جذرياً؟

المرشد في إيران هو صاحب القرار النهائي في كل شيء. الاقتصاد، السياسة، الأمن، الإعلام—كلها تحت سلطته أو سلطة المقربين منه. ولاية الفقيه، كفكرة، ولدت من تصوّر خاطئ: أنها ترى الإنسان كمجرّد تابع، كعبد لسلطة مطلقة.

هي ليست نظامًا دينيًا، بل ملكية مستبدة مغطاة بالدين. رجال الدين، الذين كانوا يملكون سلطة اجتماعية واسعة قبل الثورة، أرادوا السلطة السياسية أيضًا، ولم يشبعوا.

من وجهة نظري، ولاية الفقيه فكرة فاشلة. لا يمكن إصلاحها، بل ربما يمكن فقط “تحييدها” مؤقتًا. لأنها قائمة على المطلق: يدّعي صاحبها أنه مفوّض في كل شيء. كيف تصلح نظامًا يعتبر نفسه مقدّسًا فوق الشعب والقانون؟ لا حل إلا بإزاحته أو تهميشه، بطريقة سلمية، عقلانية، وبالاعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها.

٦. ما هو الدور الحقيقي للحرس الثوري في السلطة؟

الحرس الثوري هو جوهر “الجمهورية الإسلامية” اليوم. لم يعد مجرّد مؤسسة عسكرية، بل تحوّل إلى إمبراطورية اقتصادية، أمنية، وأيديولوجية. في الثمانينات، كان فيه من يضحي ويقاتل بصدق، لكن الآن، وخصوصًا في القيادات، هو غارق في الفساد والاحتكار.

في بعض الملفات، أصبح الحرس يسبق حتى المرشد في التأثير: في قمع النساء، التمييز الطائفي، السياسات الإقليمية، وحتى في إدارة الاقتصاد. لقد دمّر الجيش النظامي، وأدخل المفهوم العسكري إلى حالة شبه عسكرية أيديولوجية.

الحرس الثوري لا يشبع، ولا يُحاسب. إحدى حلول الإنقاذ الممكنة هي دمجه في الجيش النظامي، لكن هذا شبه مستحيل، لأن الحرس لا يخضع لأحد. هو دولة داخل الدولة.

٧. كيف تنظر إلى الانتفاضات المتكررة داخل إيران؟ هل تمثّل بداية تحوّل أم مجرّد موجات غضب مؤقتة؟

الانتفاضات في إيران ليست موجات عابرة، لكنها أيضًا ليست ثورة مكتملة بعد. المجتمع كائن حيّ ومتفاعل، لا يمكن التنبؤ به بدقة. الأجيال تغيّرت، الاحتياجات تغيّرت، والعالم تغيّر.

نحن أمام جيل جديد لا يشبه آباءه، جيل يرفض الصمت ويحتج. وكلما استمر النظام في القمع، زادت هذه المقاومة. نعم، أحيانًا يفرّغ النظام الضغط من خلال السماح بمساحات مؤقتة من الغضب، لكن هذا لن يستمر.

في النهاية، مع انهيار البنية، ستتحول هذه الموجات إلى طوفان. الأمر مسألة وقت فقط، والوقود جاهز: الفساد، الفقر، الغضب، وانعدام الأمل.

٨. إلى أي مدى ترى القوميات غير الفارسية (العرب، الأكراد، البلوش…) مُهمّشة في النظام؟

التهميش في إيران ليس فقط عرقيًا، بل ممنهج ومؤسساتي. نحن لا نعاني فقط من “العنصرية”، بل من “كراهية الآخر” المُمنهجة. العرب، الأكراد، البلوش، الأتراك، اللر، السنة، البهائيون، الزردشتيون—كل هؤلاء مهمّشون بدرجات مختلفة.

IMG-20250702-WA0035 حوار اللاحياد مع المعارض الإيراني د. رضى طالبي.

الخطاب الرسمي والليبرالي على السواء يتعامل مع هذه القضايا بشكل سطحي وعاطفي. لم تتعامل لا الدولة ولا النخب مع هذه المسائل بجديّة. مادامت المواطنة ليست أساس الحكم، سنبقى في هذا التمزّق.

طالما لم تُعترف هذه الجماعات كمواطنين متساوين، سيستمر الهروب من المركز، وسيزيد الاستقطاب. والمشكلة ليست فقط إثنية، بل أيديولوجية أيضًا. علينا أن نُعيد تعريف “المواطنة”، وإلا سيتحوّل النزاع إلى حرب سرديات مدمّرة بين قوميات وطوائف.

٩. كيف تفسّر الصراع المزمن بين الدين والدولة في إيران؟

هذا سؤال صعب، ربما لأنه بسيط في ظاهره. الدين في إيران، كما في كثير من المجتمعات، هو عنصر ثقافي وتاريخي دائم الحضور. حتى في الغرب، للدين دور كبير. لكن الفرق هناك أن الدين لا يفرض نفسه على الدولة.

في إيران، الأفراد أصبحوا مؤدلجين، والمؤسسات كذلك. حتى الدين نفسه فُرغ من معناه. الدولة الدينية استبدلت الدولة الوطنية، وهذا التوجه “الأممي” أضرّ بالدولة والمجتمع على السواء.

الدين يجب أن يُحترم ويُنظّم، لا أن يتحكّم بالسلطة. وإلا، أي دين؟ وبأي تفسير؟ هذا الغموض ولّد مجتمعًا يزداد عداؤه للدين، في ظل حكم ديني! اليوم، لم يعد هناك توازن. كل شيء خارج السيطرة، حتى الإصلاح غير ممكن.

١٠. ما مدى تأثير المعارضين الإيرانيين في أوروبا على الداخل الإيراني؟ وهل هناك تنسيق فعلي؟

المعارضون في الخارج غير متجانسين، مثل المؤيدين في الداخل. هم طيف متنوّع: يساريون، ليبراليون، قوميون، إسلاميون سابقون، علمانيون. هذا التنوّع لم يتحول حتى الآن إلى قوّة تمثيلية حقيقية.

المعارضة، في جوهرها، يجب أن تكون تنويرًا، وضميرًا، لا صدى للغضب فقط. لكن عندما تتحول إلى ساحة للصراعات الشخصية والإعلامية، تصبح بلا تأثير. كما قال هوبز: لا يجب أن نتحوّل إلى الوحش الذي نقاتله.

١١. كيف ترى موقف الغرب من النظام الإيراني؟ أهو ازدواجي؟

نعم، الغرب منافق إلى حد كبير. يتحدث عن حقوق الإنسان، لكنه يفاوض ويُساوم مع نظام قمعي مثل النظام الإيراني. مصالحه أولًا، لا القيم. الغرب ينظر من منظور استعماري قديم—يعتقد أنه يعرف الشرق، لكنه لا يعرف شيئًا.

أنا لا أتبنى أيديولوجية اليسار أو اليمين، لكنني أقدّر الديمقراطية الغربية. يجب أن نتعلّم منها، لا لنُقلّد، بل لنفهم. ومع ذلك، الغرب اليوم لا يهتم بالشعوب، بل بالنفط والأمن والممرات المائية.

التغيير يجب أن يأتي من الناس أنفسهم، لا من الخارج. التعويل على الغرب سراب.

١٢. هل ترى في التطبيع العربي الإيراني مؤشراً إيجابياً أم تواطؤاً سياسياً؟

قد يبتسم البعض، لكنني أؤمن أن إنسان الشرق الأوسط واحد. لا فرق بين عربي وفارسي وتركي وكردي إلا ما صنعته السياسات الخاطئة. كلنا حُرمنا من الحرية والعدالة والاستقلال.

الجمهورية الإسلامية ودول عربية أخرى استغلّت القضية الفلسطينية لصراعات مذهبية بدل أن توحّد جهودها من أجل فلسطين. النتيجة: ضياع فلسطين، وتبادل الاتهامات الطائفية.

أنا أؤيد تقارب الدول—تركيا، إيران، والعرب—بشرط أن يكون لصالح الديمقراطية، لا باسم “الأمة” والشعارات الفارغة. نعم، هناك من يكره إيران (أو النظام الإيراني)، وهناك عربوفوبيا داخل إيران. لكن هذه ردود فعل مؤقتة، وليست حلولًا.

التغيير يحتاج إلى بناء داخلي: احترام سيادة الدول، تقوية الديمقراطية، تمكين لبنان، إنهاء التدخلات. فلسطين قضية عالمية، نعم، لكنها تحتاج إلى أمم حرّة، لا أنظمة فاسدة. عليك أولًا أن تصلح بيتك، وأن تر

١٣. هل يمكن الحديث عن هوية إيرانية جامعة؟ أم أن إيران تتآكل من الداخل؟
مسألة الهوية الإيرانية لا يمكن اختزالها في سؤال واحد. إنها هوية متعددة الطبقات، متغيرة، تتأثر بتغيّر “الدال المركزي” الذي يتحكم في النظام السياسي. هذا الدال لا يمكن أن يحقق جامعيتَه ما لم يبنَ على أساس “الحق في المواطنة”. لدينا جراح كثيرة: قومية، دينية، طبقية، فكرية—ومعالجتها لا تكون بالحذف بل بالاعتراف والاحتواء.

التفكك الداخلي ليس أمرًا ثابتًا، لكنه يتسارع مع استمرار القمع، التمييز، وغياب العدالة. ومع انعدام الفكر الإصلاحي الجاد والدولة الديمقراطية، يصبح خطر التآكل أكبر. ومع ذلك، كما قال دريدا، هناك دومًا إمكانية لـ”الحدث”، لحظة قد تعيد تشكيل التشتت نحو المعنى. لكن في ظل نظام أمني يغتال الحوار، تصبح المفاهيم عاجزة عن تفسير الواقع. فالمشكلة في إيران ليست فقط تفكك، بل فقدان الفهم المتبادل، وانعدام الأمل.

١٤. ما الرسالة التي توجهها للشعب الإيراني في الداخل، وهل لديك الثقة أنه ثمّة من يكترث لما تقوله المعارضة؟
لا أوجه رسالة. لست نبيًا ولا مصلحًا. لا أحمل رسالة خلاص أو تفوق. إن كنت أحاول أن أكون مفكرًا، فمهمتي ليست إطلاق الشعارات بل فهم الظواهر، والحدث. إن استطعت أن أُظهر شيئًا من الصدق في وجودي، فذلك هو الرسالة بحد ذاته. لا يحتاج الكاتب أو الصحفي إلى إصدار بيانات، بل إلى أن يكون صادقًا في كلمته، وهذا في زمن الشعبوية أكثر أهمية من أي وقت مضى.

هل الناس يهتمون؟ نعم، بالتأكيد. الناس يبحثون عن صوت. لكن حين تفشل المعارضة في أن تكون صادقة، يصابون بالخدر. ويتحوّل الظلم إلى عادة، والخوف إلى طبيعة. نحن في حالة غياب المعنى، واللامبالاة الجماعية. هذا هو أخطر ما نواجهه—not القمع فقط، بل تحوّلنا إلى متفرجين صامتين.

IMG-20250702-WA0037-1024x524 حوار اللاحياد مع المعارض الإيراني د. رضى طالبي.

١٥. لو سقط النظام غدًا، ما النموذج الذي تدعو إليه كبديل؟
النموذج ليس هو الأساس. سواء كان جمهوريًا، ملكيًا، فيدراليًا أو لا مركزيًا، المهم هو القانون، العدالة، والحقوق. يمكن ترويض النظام مهما كان شكله، إذا كان خاضعًا للقانون والرقابة. الأهم من الشكل هو الطريق الذي نصل به إليه. إن جاء هذا النظام عبر الدم والخوف والقمع، فلن يكون أفضل من سابقه.

ولا يجب أن نقع في فخ الشعبوية. وظيفة المثقف ليست أن يردد ما يريده الجمهور، بل أن يقول الحقيقة، حتى إن لم تكن شعبية. الطريق هو المهم، لا فقط النتيجة. فبدون وعي ومسؤولية، ستُكرر نفس الكارثة بأسماء جديدة.

١٦. كيف تابعت الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة؟
النظام الإيراني للأسف فتح المجال لهذا العدوان. إسرائيل استغلت التناقضات، وتجاوزت الحدود، لكنها ليست وحدها. إيران أيضًا استمرت في القمع، وانفصالها عن شعبها جعلها هشّة. المشهد يُشبه ما فعله فرانكو حين قصف غرنيكا بالنازيين ثم دخلها كمنقذ. لا يجب أن نقف مع المعتدي الإسرائيلي، ولا مع نظام قمعي؛ الحل في المقاومة المدنية، ولو كانت ضعيفة.

إسرائيل ليست حليفة لشعب إيران. لا ننتقل من الأفعى إلى العقرب بحجّة الخلاص. الحرب لم تنتهِ، وأخشى من تكرارها. القضية تجاوزت النووي؛ نحن أمام احتمال حرب داخلية، أمام نظام يجب أن يعود لشعبه—لكن لا مؤشرات على ذلك.

١٧. هل كنت تتمنى إسقاط النظام الإيراني على يد أميركا كما فعلت في العراق؟ أم تفضل أن تسقطه المعارضة؟
لا، لا أقف مع أي قوة أجنبية. قد يكون رأيي مختلفًا عن الآخرين، لكني لا أؤمن بأن الدم يُمحى بالدم. كثيرون لم يروا الحرب. أنا رأيتها. رأيت والدي يتدمر بالسلاح الكيميائي، رأيت التهجير. كنت في سلاح الجو. أعرف ما معنى أن تدمّر بلدك باسم الديمقراطية.

الناس يائسون، نعم، لكن الدولة يجب أن تسأل نفسها لماذا يقول بعض المواطنين “دعهم يقصفوننا ونرتاح؟” هذا ليس طبيعيًا. لكنه نتاج الظلم المتراكم.

لا أحد يجلب الديمقراطية من الخارج. الديمقراطية لا تأتي مع الطائرات، بل من الداخل، بالوعي، بالصبر، وبالشجاعة.

١٨. هل شعرت بالحزن أم بالفرح وأنت تتابع الحرب على إيران؟
بصراحة؟ لم أعد أشعر بشيء. حين تتعذّب، تُنفى، تفقد أصدقاءك، تبكي كثيرًا، تتبلّد. تصبح مثل مريض سكّري لا يشعر بوخز الإبر. الألم موجود، لكنه صامت. تريد أن تكون قويًا، لكنك تتفكك من الداخل.

عندما ترى الدم يوميًا على التلفاز، يصبح شيئًا عاديًا. وهذا أخطر ما وصلنا إليه. السياسة بلا إحساس. كل شيء تحوّل إلى محتوى على السوشال ميديا.

لكنني أدركت شيئًا: ما زال قلبي ينبض. شعرت بحاجة إلى الشعر، لا إلى التحليل السياسي. ربما لو قرأ قادتنا شيئًا من أبو العلاء المعرّي، أو استمعوا لفيروز بدل ضجيج القنابل، لما كنّا هنا. لكن للأسف، نحن محاطون بالخراب، ونحاول فقط ألا نفقد ما تبقى من إنسانيتنا.

١٩. كيف ترى تراجع نفوذ إيران في سوريا ولبنان؟ وهل تعتبر أن الشعب السوري أو اللبناني جاحد؟
سوريا كانت مستنقعًا لإيران، وإسرائيل هي من دفعتها إليه. جرّتها إلى سباق تسلّح دمّرها اقتصاديًا. في سوريا، كان يمكن لإيران أن تضغط على بشار نحو إصلاحات، لكنها دعمته في قمعه، وفقدت كل مصداقية. بدلًا من أن تدعم سوريا حرة، دعمت دكتاتورًا، وساهمت في تدمير بلد.

IMG-20250702-WA0040-1024x572 حوار اللاحياد مع المعارض الإيراني د. رضى طالبي.

لبنان أيضًا لم يتحوّل إلى دولة. النظام الطائفي قتل الدولة. لا يجب أن يقرّر مصيره أحد سوى اللبنانيين، لا إيران، ولا أميركا، ولا إسرائيل.

لا أرى أن الشعب السوري أو اللبناني ناكرو جميل. لكن حين تزرع الكراهية، ستحتاج سنوات طويلة لاقتلاعها. الراديكالية، الطائفية، والحقد—كلها عوامل فتكت بالمنطقة، وإيران ساهمت، نعم، لكن إسرائيل لا يجب أن تُنسى. هي أصل هذا الخراب.

الناس يُذبحون، والعالم صامت. كما قال أدونيس: “الإنسان العربي بلا قيمة”. فقط نُقتل، نُنفى، نُسجن. سواء كنت إيرانيًا، سوريًا، لبنانيًا، أفغانيًا، أو تركمانيًا، فمصيرك واحد: موت، سجن، وتمييز.

طالما لم نمتلك مصيرنا، سيبقى كل شيء كما هو. فقط مقابلات وتحليلات، أما الواقع، فلا يتغيّر. أنا شخصيًا فقدت الأمل، لكن أتمنى أن تحتفظوا أنتم به. لأنه آخر ما بقي.

خاصّ – إلّا

Share this content:

مجلّة - إلّا - الألكترونية/ مجلة هادفة ذات مستوى ومحتوى سواء بما يساهم به أقلام الكتاب العرب المعروفه والمنتشرة بأهم المنابر العربية، أو بما يتمّ اختياره أحياناً من الصحف الزميلة بتدقيق وعناية فائقة، وحرصاً من مجلّة - إلّا - بإسهام المزيد من الأقلام الواعدة يُرجى مراسلتها على البريد الألكتروني / ghada2samman@gmail.com

إرسال التعليق