“المبدول” عوالم – محمد حسن الألفي- المتداخلة بين التأمّل والتوقّع والبحث والتخمين.
رواية “المبدول” لمحمد حسن الألفي هي رحلة تأملية تتوغل في أعماق النفس البشرية، حيث تمتزج الحقيقة بالوهم حتى يصبح من المستحيل التفريق بينهما. إنها حكاية يتقاطع فيها الواقع مع الخيال، ليصير العالم ساحة رمزية مترامية الأطراف، مليئة بالأسئلة التي تبحث عن إجابة. من خلال بطلها، سليم ياسين، تنفتح الرواية على فضاءات شاسعة من القلق الإنساني والبحث عن الذات. هذه الشخصية ليست مجرد بطل تقليدي، بل هي مرآة تنعكس فيها هواجس البشر ومخاوفهم، شخصية مأخوذة بجاذبية الغيب والقوى الخفية، تسير وسط دهاليز مليئة بالجن والرموز والأساطير التي تنبض بالحياة، وكأن الواقع نفسه صار امتدادًا لعالم غير مرئي.
لغة الرواية ليست أداة عادية للسرد، بل هي روح نابضة تحيي النص وتضفي عليه عمقًا وموسيقى داخلية. الكلمات هنا ليست حيادية، بل تسري كتيار ناعم يحمل القارئ بين أمواجها. بعض المقاطع تتسم بنبرة شعرية خافتة، كأنها همسات تنقل أحوال البطل وأعماق مشاعره، بينما الحوار ينبض بالحياة الواقعية التي تضع القارئ في قلب الأحداث. الوصف الدقيق والعميق ينسج صورًا حية، يلتقط التفاصيل بعين حساسة ثم يتركها تنمو في خيال القارئ، ليتحول النص إلى مشهد بصري ممتد في الأذهان. كل كلمة تبدو وكأنها مغلفة بمعنى دفين، تهز خيال القارئ وتحفزه على إعادة قراءة ما وراء السطور.
أما العنوان، “المبدول”، فيحمل في ذاته حملاً رمزيًا ثقيلًا؛ التبديل في الرواية ليس مجرد انتقال أو تغيير ظاهر، بل هو سؤال عميق حول الذات والهوية. تطرح الرواية تساؤلات ملحّة: هل نحن ما نظنه عن أنفسنا، أم أن في داخلنا نسخًا أخرى تتبدل وتتغير؟ هل الإنسان قادر على أن يكون جزءًا من عالمين، أحدهما فوق الأرض والآخر تحتها؟ الرواية تجعلنا نعيد التفكير في مفهوم الهوية، لنجد أن التبديل ليس فعلًا خارجيًا، بل هو حركة داخلية تنعكس في أعماق الروح.
رواية “المبدول” ليست فقط عن الجن والأساطير الشعبية، بل هي تأمل وجودي في الطبيعة البشرية، صراعها مع المجهول، ومحاولتها المستمرة لفهم العالم من حولها. من خلال بناء رمزي غني ولغة موسيقية أخاذة، يدعو محمد حسن الألفي القارئ إلى رحلة داخلية، رحلة تفتح أبواب الأسئلة الكبرى دون تقديم إجابات جاهزة، ليبقى القارئ معلقًا بين الشك واليقين. هذا العمل ليس مجرد رواية تقرأ، بل تجربة تعاش، تتسلل إلى أعماق القلوب وتعيد صياغة الوعي.
خاصّ – إلّا –
Share this content:
إرسال التعليق