Home أخبار طلال أبو غزالة العالمية إلّا .. وطني5 الحرب الأقتصاديّة.. الإهمال فيها سلاح أشدّ فتكًا

إلّا .. وطني5 الحرب الأقتصاديّة.. الإهمال فيها سلاح أشدّ فتكًا

by رئيس التحرير

د. طلال أبو غزالة مؤسس مجموعة أبو غزالة الدولية

التقلّبات والبَلْبَلات الأخيرة التي تشهدها أوروبا، بل يشهدها العالم أجمع، من مسرح الأحداث، وبصرف النظر عن تفنيد الأحداث السياسيّة، أو التطورات العسكريّة المتفاقمة، وكل هذه الحقول لها أربابها، في تقليب التربة الحاضنة، لزراعة الأفكار، وحصدها في المواسم والمناسبات المؤاتية، التي لا أريد الخوض في متاهاتها، والتي يكفيني منها أن أرصد انعكاساتها الراهنة والمتزامنة مع ارتدادات الحرب من أضرار على الأرض، ومن نتائج حتمية، يجب التفكير بها، أكثر من مشهد الحرب نفسه وما يحتويه من خراب ودمار ونزوح ولجوء لابدّ منه..

إذاً نحن أمام تموضع ديموغرافي جديد، وإعادة ترتيب لمكوّنات الحياة الإنسانية والتي يدخل فيها الغذاء كأولويّة جديّة، تحتاج إلى دراسة معمّقة للمتوفّر، مقابل النقص في الغذاء الذي دخل مرحلة الإرباك الحقيقي للمواطن في العديد من دول العالم الأوربي كما العربي تماماً، فالأسواق بدأت تعاني الشحّ في بعض السلع التجارية الضرورية وأهمّها “الطحين” و “الزيت” النباتي، بعدما ساءت الأحوال في أوكرانيا المصدّر الأساسي للمادتين المذكورتين، وهذا النقص لهاتين المادتين يستجرّ معه أزمات موازية لسلع أخرى، بحكم المخاوف التي تنتاب الناس في ظروف كهذه، وخاصة عندما تلمس لمس اليد في المتاجر على أنواعها نقص بعض المواد، فتسارع للتخزين والتهافت على المتاجر، لتكديس المشتريات، بدافع الهلع والوساوس؛ فلا شكّ أن هذه الحالة تسعد جميع التجّار وتتيح لهم فرص ذهبيّة لاستثمار خوف الناس، ولا ننسى أنّ السنتين من الحجر في زمن “الكورونا “، كشفوا الكثير من الفوضى الضمنيّة، لمصير الغذاء والدواء ومصادر الطاقة..

وأنا هنا أودّ أن أتوجّه للمواطن العربي الذي يشكّل هاجساً لمخاوفي من احتمالات وقوع الحرب العالمية الثالثة وهي حرب اقتصادية بالدرجة الأولى، ومحورها الأوجع نقص “الغذاء” لهذا سأعيد وأكرّر.. يجب على الحكومات العربية تنشيط الزراعة وتفعيل دور جميع مهندسي وخريجي كلّيات الزراعة في كل بلد عربي، وتأهيل جميع المناطق والنواحي وكل شبر متاح لغرس نواة من أي ثمرة كانت، وينبغي إعادة الاعتبار للريف والمزارع وذلك بتقديم الحوافز للشباب والدعم اللازم، بالتوجّه إلى أيّة تربة صالحة للزراعة، ومنحهم التسهيلات ما أمكن لاستثمار الأرض التي تعطي عادة بقدر ما تأخذ من اهتمام ورعاية وحبّ وقناعة وتفاني وإخلاص..

ثمّة كوادر كبيرة من طلاب الجامعات وخريجيها، باختصاص الزراعة دائما نراهم لا يعملون ضمن اختصاصهم، ويلجؤون لأي عمل للحصول على مصادرة رزقهم، في حين أن الطالب في “فرنسا” مثلًا يعمل في إعداد المواسم والتأهّب دائمًا للعمل في حقولها، كالعنب مثلاً حيث توجّه الدعوة للطلاب ولغير الطلاب حتى الأساتذة يشاركون في “قِطاف” العنب ويعتبرون الموسم فرصة هامة، لاكتساب الكثير من “اليورو” وذلك بتشجيع من الجهات الرسمية بوضع مبالغ جيدة جداَ للمكاسب الاستثنائية التي لا تشكّل أي حرج لأيّ شريحة من الشرائح الاجتماعية، لأن الحكومة تنبّهت باكراً لرصد مبالغ مغرية لكل يوم من أيام القِطاف، في حين أن في عالمنا العربي، نشهد تردّي هائل لحال المزارع، وثمّة إهمال متعمّد لأوضاعه، وتلبية متطلباته لتوفير ظروف أفضل، بل ثمّة استهتار واضح بكامل جهوده التي يبذلها لإنجاح دأبه ومواسمه، لا بدّ من وضع خطة عاجلة، ونحن في فصل الغِراس وماهي إلا أيام ويتفجّر الزهر في كل مكان مبشّراً بثمار طازجة تكفل استمرارية الحياة بشكل أفضل وأشمل وأكمل..

لا يجب تجاوز الزراعة، بل لا يجوز، كما يجب الحرص على التوعية العامة لترشيد المياه، فالحروب القادمة أيضا هي حروب المياه، “إسرائيل ” تغترف من نهري الأردن والليطاني في الجنوب اللبناني، وتركيا تحتكر عبر “سدودها” خزانات مذهلة من مياه دجلة العراقية والفرات السورية، كذلك أثيوبيا وضعت أكبر “سد” لحفظ مصالها ضاربة عرض الحائط كل المصالح المصرية، والحديث عن الأمثلة في هذه الثنائيات “المائيّة ” كثيرة جداً، لهذا يجب على لبنان أن يسعى لإيجاد طريقة لتخزين مياه الأمطار والثلوج، وهي تهطل بوفرة تحسد عليها إلّا أنها سرعان ما تعاني الجفاف ونقص التروية في مؤسسة المياه، ويغرق المواطن في دوامة البحث عن البديل، وهنا وكما أسمع من الجميع يستعر أصحاب “الصهاريج”، مثلهم مثل أصحاب المولّدات الكهربائية، والأزمة تتفاقم، ونسبة هدر الطاقة لا يُحصى، ونسبة هجرة الشباب تتزايد طرداً مع ضيق الهوامش، وانعدام الفرص، وانقراض الحوافز، لذا أكرّر الزراعة ولابد من الزراعة التي بوسعها أن تدير عجلة الإنتاج، فمعظم المنتجات الزراعية ينجم عنها إنتاجات صناعية مرغوبة ورائجة ومستهلكة عموماً في مجتمعاتنا العربيّة التي أهملت الزراعة بسبب نصيحة البنك الدولي الذي أقنع الحكومات العربية بالإقلاع عن الزراعة واعتماد الإستيراد للحصول على كامل السلع المطلوبة، ربما نظريّة البنك الدولي كانت منطقية فيما مضى قياساً للعملة المحلية مقابل الدولار، ولكن اليوم في لبنان وسوريا والعراق وحتى تركيا ثمّة فوارق مرهقة جداً لخزينة الدول المُشار إليها وخاصة في لبنان التي تعاني أصلاً من أزمات حقيقية في الحصول على الدولار بسبب سياسة المصرف المركزي الغامضة وغياب الشفافية والتخطيط ودراسات الجدوى الإقتصادية..

لذا يجب البحث عن سُبُل الاكتفاء الذاتي، ففي الهند وسيريلانكا مثلاً لن يستشعروا أزمة الزيت كما في البلاد العربية والأوربية معاً، إذ يعتمدون اعتماداً كليّاً على استهلاك زيت جوز الهند في تفاصيل غذائهم، وزيت جوز الهند لديهم نِتاج ثمرة محليّة غير مستوردة، ومتوفرة بوفرة لدى الجميع لأنها تزرع في كل حقل وكل فناء لمنزل ريفي..

وأحبّ أن أذكّر أن أزمة القمح بدأت الأسواق العربية تشهدها فعلياً، ولو أنّ كل مزارع توفّر لدية حفنة من القمح استطاع أن يستنبت حقلاً وافراً بزمن قياسي وخاصة أن بلادنا العربية غنية جداً بالتربة الخصبة والشمس المعتدلة والمياه الصالحة للزراعة، لكنها فقيرة جداً بالتخطيط والمبادرات ضمن النطاقات الفردية، أو الجماعية، سواء على صعيد الحكومة أو على صعيد المجتمع المدني، الذي آن الأوان لتفعيل دوره وتنشيط وعيه على أوسع نطاق وأشمل فئات مجتمعية، بوسعها أن تتلافى الكثير من الأزمات، بأقل جهد ممكن..

أعلم أن قد استفضت ببعض الشرح واسترسلت أكثر مما ينبغي ربما وكل ذلك من باب الحرص على تجنّب المزيد من الشقاء للمنطقة الصالحة للكثير الكثير، إلّا أنّ إداراتها للأسف لا تصلح حتى للقليل القليل.

خاصّ – إلّا – 

You may also like