×

مشاهد من ذاكرتي التي تزدحم بأبي..

مشاهد من ذاكرتي التي تزدحم بأبي..

FB_IMG_1739828970738 مشاهد من ذاكرتي التي تزدحم بأبي..
محمد الشمّاع/ كاتب وصحافي سوري، وناشط اجتماعي وعضو مؤسس في تيار الوعي – الزبداني

على عتبة الموت: حين يُضاء العقل بالحقيقة

لم أكن أظن أن الحقيقة قد تنكشف في لحظة احتضار.
ولا أن العقل، الذي لطالما خنقته الضوضاء والأسئلة، يمكن أن يُضاء بنور داخلي لا يأتي من معرفة بل من وجع.

كان والدي يلفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي، جسده يهدأ، لكن شيئًا آخر كان يستيقظ في داخلي.
لحظة صامتة، لا صرخة فيها ولا معنى واضح، ومع ذلك كانت تحمل من الوضوح ما لم تحمله سنوات من القراءة والتفكير.
كأنها اللحظة التي يتوقّف فيها الخارج، فيتكشّف الداخل.

بدأتُ منذ ذلك اليوم أطرح أسئلتي القديمة بصيغة مختلفة:
من أنا؟
لماذا أنا هنا؟
ما المغزى من البداية؟
هل للموت نهاية، أم أنه بداية الإدراك؟

لم أعد أبحث عن الحقيقة في العالم، بل في العقل نفسه.
ليس العقل كآلة جدل أو أداة تحليل، بل كمستودع مهيب للأسئلة التي لم نجد لها لغة بعد.
كل ما نحتاجه هو أن نتعلم كيف نُصغي له، لا كيف نستخدمه.
أن نتأمل، لا أن نستنتج. أن نصمت، لا أن نفسّر.

في تلك الثواني التي تسبق الفناء، أحسست أن العقل يشهد، لا يُفكر.
أن الحقيقة ليست فكرة، بل حالة.
حالة من الصفاء الذي يأتي حين ينزاح الخوف، ويتوقف الجسد، ويصفو الوعي كما لم يصفُ من قبل.

ربما لهذا قال أفلاطون إن المعرفة الحقة ليست اكتسابًا، بل تذكّر.
وربما كان أفلوطين أكثر صدقًا حين اعتبر أن الحقيقة لا تُبلغ إلا عبر ارتقاء داخلي يمرّ بالصمت، بالحزن، بالفناء.
أما هايدغر، فقد لمس شيئًا قريبًا حين قال إن الإنسان لا يكون نفسه حقًا إلا حين يعي موته، لأن في الموت يسقط كل وهم ويُرفع كل قناع، فتتجلى الحقيقة كـ”انكشاف”.

والآن، بعدما رأيت الرحيل بعينيّ، لا أستطيع أن أعود إلى سابق تصوري عن العقل.
لقد صار بالنسبة لي نافذة، لا حاسبة.
صار مرآة نادرة، لا تُلمع إلا بشدة الألم، ولا تنعكس فيها الحقيقة إلا حين نكفّ عن اللهاث خلفها.

قد يتأخر الإنسان في إدراك هذه المسألة، وقد لا يدركها إلا في الثانية الأخيرة قبل رحيله هو أيضًا.
لكنني، في لحظة فَقْد، رأيت شيئًا سيبقى.
وما تبقى، لا يُسمى “حقيقة”، بل شعور بأننا اقتربنا،
ولو للحظة…
من فهمٍ نقيّ لا يحتاج إلى بيان.

خاصّ – إلا

Share this content:

مجلّة - إلّا - الألكترونية/ مجلة هادفة ذات مستوى ومحتوى سواء بما يساهم به أقلام الكتاب العرب المعروفه والمنتشرة بأهم المنابر العربية، أو بما يتمّ اختياره أحياناً من الصحف الزميلة بتدقيق وعناية فائقة، وحرصاً من مجلّة - إلّا - بإسهام المزيد من الأقلام الواعدة يُرجى مراسلتها على البريد الألكتروني / ghada2samman@gmail.com

إرسال التعليق

You May Have Missed