Home أخبار طلال أبو غزالة العالمية إلّا.. وطني 4- السياسة العربيّة حقل ألغام..

إلّا.. وطني 4- السياسة العربيّة حقل ألغام..

by رئيس التحرير

د. طلال أبو غزالة/ مؤسس مجموعة أبو غزالة الدولية – عمّان

في قرارة تفكيري، وفي خلفيات كل منطلقٍ أو رؤية، لا يزال حلم الوحدة العربية أملاً شامخاً وراسخاً وحاضراً بقوّة يراودني بكل ما أوتيتُ من قناعةٍ، وتسليم، ليس لأنّ “حلم الوحدة العربية” مجرد شعار بائت يذكّرني بشبابي، أو مجرّد أضغاث أحلامٍ أهجس بها في أوقات الفراغ، التي لا أعرفها حتى في عزّ العِطَلِ الرسميّة، وكل من يعرفني يعلم ما أقصد بكلامي هذا تمام العلم…

لهذا المسألة ببساطة بالغة، هي مسألة إحياء فكر التعاون العربي من زوايا مختلفة بعض الشيء، والتعاون المقصود هو التبادل العلمي والفكري والمعرفي والثقافي والاقتصادي والصناعي والزراعي والتجاري وفي هذا التبادل تكامل لجميع الجهات المشتركة والمساهمة معاً، كونه السبيل الأوحد لتمتين وتمكين الصف العربي من مواجهة جميع الأخطار المتربّصة في هذه المنطقة العامرة بالخيرات والثروات ومكامن الطاقة ليس من نفط وغاز وقمح وقطن وشمس ومياه ومعادن وزيتون وحمضيات وأشجار مثمرة وحسب، بل هناك الثروة الأهم والطاقة الأغلى التي لا تُقدّر بثمن هي الطاقة الشبابيّةالتي يخسرها العالم العربي تباعاً، فأوربا لقبها الأوحد منذ عقدين من الزمن بالقارّة “العجوز” وهاهي منطقتنا العربية وخاصّة بلاد الشام، يتمّ تفريغها بطريقةٍ ممنهجةٍ مدروسة، فأطفال اليوم هنا الذين يغادرون دون عودة هم شباب الغد هناك، وشباب اليوم هنا، هم “دينامو” لتحريك عجلة الحياة الراكدة هناك، وخاصّة أنّ المُتاح هناك، لا يمكن مقارنته بالمتوفّر هنا بشيء، ولا بأي شكلٍ من الأشكال، فالشباب التوّاق للعلم، وجد نفسه وجهًا لوجه أمام تقنين الكهرباء، وشح وسائل الاتصال بشبكات من الانترنيت، فنظرية التعليم عن بعد التي تسري هناك، لا يمكن إدراجها هنا، فالتعليم الذكي لا يمكن تأمينه في وسائل وأساليب منظوماتنا التعليمية.

قطعاً، فالآلة تبقى قطعة خردةعندما تفتقر إلى الطاقة، حتى أن أواصر الحياة بكامل تفاصيلها تقوم على الطاقة، فكيف ونحن في زمن تعزيز جميع نظريات الطاقة نترك جيلاً بأكمله من دون طاقة، ونطالبه بالإبداع والتحصيل العلمي، وكأننا نكبّل جميع أطرافه ونغلق عينيه ونكمّ فاهه ونقول له تفضل وأبهرنا..

من هذه الزاوية القاتمة المؤلمة، تولّدت النظرة المُلحّة لإيجاد سُبل تعزيز التعاون العربي، وهي بتقديري ليست بالأمر العسير، بل هي المُرتجى بكل ما أوتيتُ من إيمان ويقين، لهذا أجدني أعيش الماضي بعين المُستَقبَل، وكلّي ثقة أنّ هذا الحلم هو المُنطلق الأساس لتعزيز الواقع، وعلاج كافّة الأزمات التي تعصفُ، في كيان هذه الأمّة التي لم تعرف الهدوء منذ النكبة الفلسطينية سنة  1948 إلى يومنا هذا، ولم يكتبْ لها الاستقرار الذي يؤهّلها لاستعادة صفحات التاريخ المشرق، وإضافة هوامش جديدة من سجلّها الحضاري الحافل بالإشراقات العلمية، والمحطات البطولية الخالدة؛ فكم احتلال كان لهذه الأمّة، وكم مستعمر عَبَرَ أرض هذه البلاد العربيّة، وصادر خيراتها، وحاول السيطرة على إرادتها طويلاً..

لكنّ النضال لم يتوقفْ في الجزائر بلد المليون شهيد حتى اندحر المستعمر الفرنسي عن أرضها، ولم ينتهِ بإعدام المناضل الليبي الكبير عمر المختار خالد الذِكر والسيرة، ولم يتضاءل في مصر العروبة ولم يهدأ حتى استعادت أرض سيناء، ولم تستكن سورية للحكم العثماني رغم أربعة قرون من محاولة “التتريك” لشعبها إلا أن إرادة الحرية والاستقلال استمرّت عبر الأجيال، وهكذا فلسطين لن يطول بها الزمن حتى تَستَعِدَ استقلالها وحرّيتها هي الأخرى وإن غداً لناظره قريب..

هذا الحلم لم يراودني بمفردي، بل يراود الكثير والكثير من هم مثلي، لاشكّ أنّ القوميين العرب شغلتهم متاهات الأزمات المتلاحقة، والوافدة تباعاً التي بدأت بما سُمّيَ ب “الربيع العربي” ولم تنتهِ بعد بمتاهة “الكورونا وأخواتها”، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية التي غيّرت ملامح العالم أجمع، وليس المجتمع العربي فقط، هذا المجتمع المُتعبُ المُنهك الباحث عن الاستقرار منذ القرن الماضي حتى يومنا هذا..

وصحيح أنّ الحديث في طرح رؤية التعاون العربي اليوم، تبدو فكرّة فجّة وثقيلة الوقع بدرجةٍ سَمِجَةٍ بامتياز، فالشرخ العربي لا يخفى على أحد، والسير بين الأطراف العربية المترامية على امتداد الأطماع الغربيّة، و”الصهيواميركية”، هي كمن ينوي الرقص في حقل ألغام، لكنّ علمتني تجاربي التي خضتها بثباتٍ وثقةٍ أنه لا شيء مستحيل على الإطلاق، فكما استطاع الشيخ زايد أن يوحّد الإمارات السبع وينقلها من الصحراء إلى الفردوس، وكما استطاعت المصلحة العامة أن تخلق دول التعاون الخليجي بعلاقات ذكيّة واعية بين المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات، سيكون هناك تعاون عربي عربي ولن يعيقه أيّ خلاف، ولن يفكّكه أيّ قرار دوليّ.

الأمة العربيّة اليوم في وقفةٍ ذاتيّةٍ بل في كبوةٍ طالَ أمدها، ومهمّتنا أن نواصل تسليط الضوء على المآل الذي يليق بنا وبمستقبل أبنائنا وأبنائهم، وهذه يدي ممدودة لكلّ القوميين العرب في كلّ قطرٍ عربيّ شقيق، للمّ شملَنا أولاً بلقاءٍ جامعٍ، أقترحهُ وأدعو إليه ليكونَ النواة، التي تعيد لتربةِ الحاضر خِصبُها لتُنْبِتَ ثمارَ التقارب والتعاون والتعاضد، التي طال انتظارها لتنضج، ولا بأس بمزيد من الانتظار طالما لا يزال فينا العزم والعزيمة، والإرادة، والتصميْم..

 

خاصّ – إلّا –

You may also like