Home لـوثـة إلّاأدب زراقط يعبر “بلا ضوء” صوب قصيدة النثر فيخرج بنتائج غثّة يظنّها نقداً

زراقط يعبر “بلا ضوء” صوب قصيدة النثر فيخرج بنتائج غثّة يظنّها نقداً

by رئيس التحرير

د. عبد الله السمطي / ناقد أدبي وكاتب مصري – الرياض

 

قراءة عابرة في مقالة الدكتور عبدالمجيد زراقط النقدية..

” الكتابات الجديدة : قراءة في أحد نماذجها “ كتب الناقد الأدبي الدكتور عبدالمجيد زراقط مقالة نقدية متناولا الديوان الخامس للشاعرة دارين حوماني :” العبور بلا ضوء” وذلك خلال مشاركته في منتدى شهرياد الثقافي في ليلته الثمانين بعد المئة، ( الخامس من أبريل 2018) حيث خصّص المنتدى أمسيته الثقافية للنقد الأدبيّ والشعريّ، مع الدكتور عبد المجيد زراقط، الذي قدّم دراسة عن الكتابات الجديدة، ديوان «العبور بلا ضوء» للشاعرة دارين حوماني نموذجاً، وذلك بحضور نخبة من الأدباء والمثقّفين.

وفي مستهل مقالته عرّفَ الدكتور زراقط الكتابات الجديدة بأنها :” ما يكتبه الشباب والشابات في هذه الأيام في غير قطر عربي من كتابات متحرّرة من الوزن والقافية والإيقاع، أي وزن وإيقاع، وليس العروضي فحسب” ويبدو أن الدكتور زراقط لم يعرّج على الدراسات التي تتناول مسألة الإيقاع في قصيدة النثر، كما يبدو أن ” الكتابات الجديدة ” منذ “هتاف الأودية ” لأمين الريحاني (1912م) حتى اليوم، مرورا بإبداعات مجلة شعر، والماغوط وأنسي الحاج وأدونيس، وشوقي أبي شقرا، وجماعة كركوك ومئات الشعراء والشاعرات في النصف الثاني من القرن العشرين لم تعبر بمخيلته النقدية، فقصر تسمية : “الكتابات الجديدة ” على “ما يكتبه الشباب والشابات في هذه الأيام ” .

د. عبد المجيد زراقط / ناقد أكاديمي – لبناني

وعلى الرغم من مرور أكثر من مائة عام على صدور أول ديوان نثري لأمين الريحاني وصدور آلاف الدواوين الأخرى، لا يعترف د. زراقط بما اتّفقت عليه أجيال شعرية كاملة على المنتج الإبداعي لقصيدة النثر، ويريد أن يعود لنقطة الصفر ثانية.

لا تثريب على الدكتور عبدالمجيد زراقط في تلك العودة، لكن هل هي عودة نقدية مظفّرة؟

يقف الدكتور عبدالمجيد زراقط موقف المعارض لقصيدة النثر، وللمنتج الشعري النثري بعامة، وهو يقدم لنا مغالطة جلية في مقالته، حين يذكر أن “النقد الموضوعي “، المواكب لقصيدة النثر غائب، فما باله بعشرات الدراسات والمقالات التي نشرت عن قصيدة النثر على الأقل في الخمسين عاما الماضية. نذكر مثلا ما كتبه أدونيس، ود. عبد العزيز شرف، ود. عبد العزيز المقالح، وخالدة سعيد، وسامي مهدي، وحاتم الصكر، وأحمد بزون، ومحمد عبدالمطلب، وعبدالناصر هلال، وشريف رزق، وكاتب هذه السطور..

واتجه الناقد زراقط في قراءته إلى مقدمة الشاعر عباس بيضون للديوان، وهي على الأغلب في مثل هذه المقدمات تكون تقريظية تشير إلى فضاءات الشاعرة ولا تقدّم قراءة نقدية، تثير حسّ القارئ لممارسة المزيد من الوعي والإحساس بالكلمات، لا تنهج طريقا نقديا وعرًا في قراءة الديوان أو تمحيصه، مع ذلك ركّز الدكتور زراقط على قراءة ما كتبه بيضون لا على ما تكتبه الشاعرة وما تقوله في نصوصها، وما تقدمه من متن شعري.

والأمر نفسه ينطبق على تركيزه على كلمة الناشر، الشاعر نعيم تلحوق، وهي على الأغلب  كلمة لبعث حيويّة القراءة في القارئ، وترغيبه بالديوان وبما تكتبه الشاعرة، وليست كلمته بالضرورة كلمة نقدية تفجّر النصوص وتبحث عن دلالاتها الجلية أو المستترة.

كما انشغل الدكتور زراقط بالبحث عن عنوان الديوان:”العبور بلا ضوء ” وأخذ يمحّص النصوص هنا وهناك باحثا عن ماهيّة العنوان ودلالته، وأنفق عددا من الفقرات والأسطر في سبيل هذا البحث، حتى يتساءل:” هل هو الوقت/ الزمن/ العمر … ما يتم عبوره؟

وهل الحديقة التي ملأناها خرابًا هي الحياة؟

وهل الضوء هو القضية، التي تجعل العمر ذا جدوى؟

وتملأ الحديقة التي ملأناها خرابًا عمرانًا؟ ”

د. زراقط و الشاعرة دارين حوماني

مهملا في ذلك كله قراءة المتن الشعري الذي ينطوي عليه الديوان، في مقالة تقع في سبع صفحات من المؤمل فيها أن يركّز على المتن لا على الهوامش.

مع أن الديوان الواقع في 128 صفحة يضم (40) قصيدة متنوعة الرؤى والأشكال والموضوعات الشعرية على المستويين الذاتي والواقعي، وبهذا تعرّضت النصوص نفسها للتجاهل النقدي من لُدن الناقد الذي انشغل بأمور هامشيّة، ولم يقف مع المتن النصي نفسه قراءة وتحليلا ورصدا لكلماته وجمله، وصوره الشعرية، وأخيلته، وأموره التقنيّة والفنيّة والدلاليّة بل والتأويليّة، حتى لو كان ذلك في مقالة قصيرة.

وهو بعد ذلك يعود لطرح أسئلة مثيرة للشفقة النقدية والمفارقة الأدبية أكثر من إثارتها للبحث المنهجي النقدي، حيث يتساءل: “ما هو نوع هذه الكتابة؟ هل هو شعر؟ هل هو قصيدة نثر؟ ” وكأننا بالناقد يعيش في خمسينيات القرن العشرين ولا يعيش بيننا اليوم.

د. زراقط يتوسط الشاعرة دائرين حوماني والشاعر محمد ناصر الدين

ومع إشارته إلى أن “ما كتبه محمود الماغوط لا ينتمي إلى قصيدة النثر لأنه يفتقر إلى البناء المُحكم الممثّل تجربة حياة كاملة”، سواء كانت العبارة له أم لغيره إلا أنها تؤكد على عدم معرفة الناقد بأشكال قصيدة النثر واتجاهاتها وتياراتها، وعدم معرفته بالتحولات النسقيّة والجماليّة لهذه القصيدة، وانتقالها من النثر الفني للشعري، إلى أن سُميت ب:” قصيدة النثر” لتتّخذ عناصر بنيويّة وفنيّة وجماليّة لتعبيراتها شكلت قسماتها على مدار العقود السبعة الأخيرة.

ويخلص الدكتور عبدالمجيد زراقط في قراءته ديوان تلك إلى جملة من الآراء يمكن إيجازها في نقطتين:

  • الأولى: إن نصوص هذا الكتاب تخلو من أي نظام موسيقي من أي إيقاع وزني أو نغمي.
  • الثانية: إن الشاعرة تعبّر من خلال تجربتين معيشيّة وذهنيّة، وأنّ ما قدّمته هو “النصّ الأدبي المنثور الذي يمكن أن تصنع منه قصيدة نثر ” .

وفي إيجاز شديد يبدو أن الناقد الدكتور عبدالمجيد زراقط، كان غائبا تماما، عن مسيرة قصيدة النثر وتحوّلاتها، كما أنه لم يتعرّف أشكال هذه القصيدة الفنيّة، ولم يتعرّف على أسئلتها، وهواجسها وقضاياها المطروحة في طريق النقد منذ عقود طويلة، ولهذا جاءت قراءته “بسيطة سطحية ” لا تعبّر عن أيّ وعي نقدي حتى لقارئ، ولا عن أي منهج حصيف، بل حفلت بأسئلة تعبّر عن “سذاجة ” الرؤية وابتعاد الناقد الأكاديمي عمّا يدور حقيقة بالمشهد الشعري وقضاياه وقسماته الفنية والإبداعية.

وهذا نموذج للأسف منتشر بكثرة في زمننا الراهن ويدعى من باب التحايل ربّما ب”الحياة النقديّة الأكاديميّة ” الشائعة التي لا تلامس على الأغلب ما يدور في مشهد الحياة الأدبية شعراً أو قصّاً أو روايةً أو إبداعاً جديداً بوجه عام، ويبقى الجهد الفردي من بعض النقاد الأكاديميين هو المحرك لقراءة وجه الإبداع، وملامح الحالة الشعرية العربية اليوم.

 

خاصّ – إلّا –

 

 

You may also like