Home إلّا الحركة الشّعرية في مصر بين الرصد والنقد

الحركة الشّعرية في مصر بين الرصد والنقد

by رئيس التحرير

ناصر رمضان عبد الحميد  / شاعر وكاتب مصري وعضو اتّحاد كتّاب مصر / القاهرة

في منتصف التسعنيات من القرن الماضي كنت في بداية طريقي الى عالم الندوات والأمسيات والصالونات الأدبيّة والثقافيّة والسياسيّة، وهالني ما رأيت من التفاعل والحضور والحراك والزخم الثقافي في القاهرة المحروسة، فلا يكاد يمرّ يومٌ إلا وتقام فيه ندوات صباحًا ومساءً، وأحيانًا في اليوم الواحد أكثر من ندوة ومؤتمر وفاعلية، من رابطة الأدب الحديث إلى ندوة شعراء العروبة إلى نقابة الصحفيين ودار الأدباء وهيئة خريجي الجامعات إلى مبنى الأهرام ونقابة المحامين وورشة الزيتون… إلخ.

ولأن ميولي أدبية ولضيق وقتي اقتصرت على الندوات الادبية واكتفيت بها، وكان للقصيدة وقع، والشاعر له حضور وجمهور، وهناك رأيت وسمعت وتعرفت على إبراهيم عيسى رائد ندوة شعراء العروبة وهو غير صديقي أبو يحيى الصحفي والإعلامي، ورأيت خفاجي الشاعر والموسوعي جاحظ العصر وهو يتكئ على عصاه تارة وتارة على الشاعر عبد العزيز شرف نائب رئيس تحرير الأهرام، وشاهدت التهامي ونور نافع وسامية عبد السلام وشريفة السيد ونجاة شاور ربيع والورداني ناصف وأحمد عبد المعطي حجازي وسميح القاسم والشباب المبدع ياسر أنور وعاطف الجندي والبيومي عوض ومحمد حافظ وأحمد بخيت ومن سوريا خديجة مكحلي وأحمد عبد الهادي واسماعيل بخيت ومحي الدين صالح وعبد المنعم يوسف عواد وكمال نشأت وحسن فتح الباب ومحمد عفيفي مطر والسيد حسن وزينهم البدوي وصلاح عفيفي وياسر قطامش وفاطمة ناعوت وشرقاوي حافظ وحسن طلب وحزين عمر والقائمة تطول.

وكنت وأنا أواظب على الحضور أقرأ وأحفظ للمتنبي وشوقي وحافظ وسعيد عقل وعمر أبو ريشة وبدوي الجبل والبردوني.. وفجأة، ومع ظهور العالم الافتراضي انفرط العقد وظهر على الساحة المتطفلون والباحثون عن الشهرة وهؤلاء معظمهم لا علاقة له بالشعر لا من قريب ولا من بعيد.

فقديمًا كان للشاعر قضيّة يدافع عنها ويؤمن بها ويقف ثابتًا شامخًا في الدفاع عنها وهذا هو السرّ في بقاء أمل دنقل والشابّي. أما الجيل الجديد فهو للأسف بلا قضيةّ ولا هويّة ولا ثقافة وطغت على ثقافته “الفهلوة ” والعلاقات المصلحية والتقليد دون وعي ولا ثقافة، وكثيرون منهم وقع في فخّ النَظم أو النَثر أو العاميّة دون وعي بطبيعة الشعر وأنه إدهاش وصورة وصوت الكادحين والمحرومين والعاشقين، هو إعلام بديل للسلطة والتطبيع والتخلّف والفرقة، هو قلم حرّ يكتب ما يشاء للبناء والحب .

إن من يتابع الحركة الشعرية في مصر يجد زخمًا في الطبع والنشر، لكن الجيد قليل كمٌّ بلا كيف زيف في زيف، وصار الجميع يبحث عن الشهرة والجوائز والتكريم وشغلته الميديا أكثر من القضية، فلا يعنيه ماذا يقول وإنما ماذا يقال عنه وكم من اللايكات والتعليقات سيحصد .

ودخلت على الخط المنتديات الالكترونية فأضاعت الوقت واهتمّت بالتعارف والعلاقات والنَصْب والسفر والمؤتمرات والزواج، وصارت المؤتمرات ينفق عليها ويرعاها عربجي وقهوجي وتاجر سيارات ومندوب عن شركة للبلاط، وصار الشعر مهنة من لا مهنة له، فلا ارتبط بواقع ولا تفاعل مع المستجدات بطريقة تفيده ولها يفيد.

قديمًا كنا جميعًا نتواجد في حضرة حجازي أو أحمد عبد الهادي أو عبد الغفّار الدلاش، الآن الجميع يريد أن يكون له صالونًا خاصًا به، ودخلت على خط النار صالونات المقاهي والنوادي والعوامات والبلاجات والرقص حتى ما بعد منتصف الليل، وصارت الحسناوات لهنّ نصيب، وسيدات الخليج صارت لهن صالونات ليأتي متشاعر يدير ندوة باسمها ويعلق صورتها في أمر لم يحدث في مصر على مدار تاريخها لا القديم ولا الحديث .

هذه هي الحركة الأدبية التي ارتضيناها لأنفسنا، ولا أحد يريد أن يكون آخر بجواره، فالكل صار يُحارب الكل ولا أعرف من أجل ماذا، والساحة تسع الجميع ولا يبقى إلا من يستحق البقاء فالجيد يفرض نفسه ويبقى، وفي النهاية لا يسعني إلا أن أقول:

أنا والصبحُ قافيتي وبيتُ الشِّعر مجدافي

وشمسُ سراجِنا زيتٌ ونورُ شعاعِنا صافي

كلانا قطفُهُ داني كلانا ظاهرٌ خافي..

 

خاصّ – إلّا – 

You may also like