×

مخاض الشرق الاوسط للنظام الجديد

مخاض الشرق الاوسط للنظام الجديد

IMG-20250615-WA0026 مخاض الشرق الاوسط للنظام الجديد
خليل عجمي/ كاتب وصحافي لبناني – بيروت

الانفجارات التي هزت إيران مجرد ضربة عسكرية إسرائيلية؛ بل كانت بمثابة الزلزال الأحدث والأعنف الذي يضرب أسس النظام الإقليمي للشرق الأوسط. 

فالعملية التي أطلقت عليها إسرائيل اسم “أسد صاعد” واستهدفت مواقع حيوية، ليست مجرد رد فعل أو تصعيد تكتيكي، بل هي تتويج لمسار طويل من التآكل بدأ منذ عقود، وتسارعت وتيرته بشكل دراماتيكي منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023.

الانتقال إلى مرحلة جديدة

تدفع هذه الضربة الإسرائيلية، ورد الفعل الإيراني المنطقة نحو مرحلة جديدة من التوتر والتصعيد. قد يغيّر هذا المشهد بشكل جذري موازين القوى والتحالفات، مما يؤدي فعلاً إلى “نظام إقليمي جديد”. وتشير هذه التطورات إلى أن العملية ليست حدثًا عابرًا، وأن تداعيات هذه الضربة ستتواصل وتتفاعل لتشكيل مستقبل المنطقة.

فاستهداف المنشآت النووية وشخصيات قيادية إيرانية يشير إلى أبعاد استراتيجية عميقة لهذه الضربة، تتجاوز مجرد تبادل لإطلاق النار، وتضع أسسًا جديدة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني والنفوذ الإقليمي.

إذاً، يقف الشرق الأوسط اليوم على حافة لحظة تاريخية، ليُطرح سؤال حول ما إذا كانت صفحة اتفاقية سايكس – بيكو (1916)، التي رسمت حدوده لقرن من الزمان، قد طُويت بالفعل لتُفتح صفحة جديدة تُكتب سطورها بالنار.

إرث سايكس – بيكو: قرن من التقسيم الهش

لأكثر من مئة عام، عاشت المنطقة ضمن حدود مصطنعة رسمتها القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية على أنقاض الإمبراطورية العثمانية. وعلى الرغم مما شهدته هذه الدول من حروب وانقلابات، بقيت هياكلها الأساسية ثابتة نسبيًا، مدعومة بتوازنات الحرب الباردة ثم الهيمنة الأميركية.

لكن هذا الهيكل كان هشًا، وتجاهل خطوط الصدع الديموغرافية والطائفية الكامنة التي انفجرت في مناسبات عدة، كان أبرزها صعود تنظيم “داعش” الذي ألغى الحدود بين العراق وسوريا لفترة من الزمن.

7 أكتوبر: الشرارة التي أشعلت الهشيم

وجاءت أحداث السابع من أكتوبر التي كانت تهدف لإعادة احياء روحية القضية الفلسطينية، والتي كشف عن هشاشة نظرية الأمن الإسرائيلية، وزعزعت مسار التطبيع الهادئ الذي مثلته “اتفاقيات أبراهام”، فكانت في الوقت نفسه بداية تمزيق الصفحة القديمة.

وإذا كان 7 أكتوبر هو بداية تمزيق الصفحة، فإن الضربة الإسرائيلية المباشرة على إيران ,والرد الايراني على تل أبيب قد تكون الشرارة التي ستحرق ما تبقى منها. هذا التصعيد ينقل الصراع من ساحاته التقليدية إلى مواجهة مباشرة بين القوتين الإقليميتين الأبرز، مما يضع المنطقة على شفا سيناريوهين أحلاهما مر: إما حرب إقليمية شاملة قد تنجر إليها الولايات المتحدة، أو ولادة توازن ردع جديد وغير مستقر على الإطلاق.

وعلى الرغم من أن منطق “العقل البارد” يشير إلى أن أيًا من الأطراف الرئيسية: إيران، إسرائيل، والولايات المتحدة، لا ترغب بحرب شاملة ومدمرة، فإن خطر الخطأ في الحسابات أو الانجرار خلف “المشاعر الساخنة” يبقى قائمًا، مما يجعل المنطقة تعيش مرحلة “اللايقين الكبير” على حافة الحرب.

ملامح النظام الجديد: شرق أوسط بقوتين متنازعتين

بغض النظر عن نتيجة هذه الجولة، فإن المنطقة لن تعود إلى ما كانت عليه، بل ستشهد تفككًا لما تبقى من النظام القديم (سايكس – بيكو، كامب ديفيد، أوسلو) وولادة نظام إقليمي جديد، لا ترسم حدوده القوى الغربية، بل القوى المحلية المتصارعة.

فهل دخل الشرق الأوسط مرحلة مخاض عنيفة ومؤلمة؟ إن الضربة الإسرائيلية لإيران ليست نهاية التاريخ، بل قد تكون فصلاً جديدًا دمويًا في كتاب إعادة تشكيل المنطقة، وولادة نظام ما بعد سايكس – بيكو. هذا النظام ليس بالضرورة أكثر استقرارًا، بل هو أكثر تعددية في مراكز القوة، وأكثر اعتمادًا على لغة النار لتحديد موازين القوى.

وبالتالي، فإن الخرائط الجديدة للشرق الأوسط لن تُرسَم بالحبر في عواصم بعيدة، بل يبدو أنها تُرسَم الآن بالدم والحديد على أرض الواقع. فالضربة المباشرة التي استهدفت مواقع عسكرية وحيوية إيرانية، توحي بأن التغييرات الجارية في المنطقة ليست مجرد تحولات سياسية، بل هي صراعات عنيفة تُكتب نتائجها وتُرسى أسسها عبر القوة العسكرية.

المصدر : الانباء اللبنانيّة

https://anbaaonline.com/news/290329

Share this content:

مجلّة - إلّا - الألكترونية/ مجلة هادفة ذات مستوى ومحتوى سواء بما يساهم به أقلام الكتاب العرب المعروفه والمنتشرة بأهم المنابر العربية، أو بما يتمّ اختياره أحياناً من الصحف الزميلة بتدقيق وعناية فائقة، وحرصاً من مجلّة - إلّا - بإسهام المزيد من الأقلام الواعدة يُرجى مراسلتها على البريد الألكتروني / ghada2samman@gmail.com

إرسال التعليق

You May Have Missed