الجسد.. فضاءٌ مكانيّ للتعبير عن الهويّة
الإشارة إلى الجسد، هي بالضرورة، إشارة إلى الوجود.. والجسم، بطريقة أو بأخرى، هو الدليل الحاسم على الكينونة، وفقاً للتعريف الفيزيائي للمادة، الذي يعرِّفها على أنها “كل ما له كتلة وحجم”.
بالتمعن في هذا التعريف المقتضب يبدو كأنه يحاول القول، بطريقة ما، إن المادة هي التي تعطي الوجود نفسه معناه كحقيقة.
لكن ليست الفيزياء وحدها ما يعطي الجسد ما له من حضور بارز، وإنما الأديان الإبراهيمية أيضاً تفعل ذلك، بخلقها لثنائية الروح والجسد، ثم افتراضها أن كليهما في صراع؛ حيث تذهب المسيحية، في بعض طوائفها، إلى افتراض أن الجسد يمثل شرور الأرض الزائلة، التي تحاول المساس بالروح، حيث الطهارة والنقاء، وبالتالي، ليس غريباً البتّة كثرة الحديث عن “شهوة الجسد” في الكتب المسيحية، بدءاً من العهد الجديد للكتاب المقدس، وصولاً إلى كتب آباء الكنيسة، وذلك رغم الإقرار في أكثر من مناسبة في تلك الأسفار بوجود “الأرواح الشريرة”، التي تحارب الخير، الذي هو الرب نفسه.
رغم ذلك لا تجد الأديان، على إطلاقها، من وسيلة لتعبّر بها عن نفسها، ومن أجل خلاص الروح نفسها سوى الجسد، وغنيّ عن القول إن الشعائر والعبادات إذ تتجسّد كطقوس في جميع الأديان، إنما تكيّف الجسد وتسخِّره ليقوم بكل تلك الأمور الجسام، بل هو الذي يصير مسرحاً يستدلّ به على اتباع الدين المعين، عندما يصبح فضاءً للتعبير عن الهوية في أكثر من ركن من أركانها الكثيرة، التي يمكن الأخذ بأيّ من زواياها حسب تعريفاتها الكثيرة والشائكة، لكننا نميل منها إلى تلك التي تعرفها بـ”ماهيّة الشخص والشيء”، مما يتّسم به من مجموعة الصفات التي تميّزه عن الآخرين، وتجعله “متفرّداً بها” كما جاء في (الموسوعة العالمية الحرّة).
لا شكّ أنّ واحدة من العلامات التي تميّز شخص بذاته عن الآخرين هو جسده نفسه، وهنا تظهر ما تُسمى بـ “الهوية الجسدية”، التي هي، بحسب الموسوعة الحرّة: “السمات الفيزيائية من حيث البنيان الجسماني، وما يتميّز به من الطول والقصر، البدانة أو النحافة، لون جلده وشعره… الخ”.
ومن التعريفين السابقين نلاحظ كيف أن الجسد كان عبر التاريخ مكاناً ومسرحاً للتعبير عن الهوية، سواء أكان ذلك عبر استخدام معطياته الأولية، كاللون مثلاً، بكل ما ترتب عليه عبر الحقب من الصراعات بين البشر، أو عبر التدخّل في الجسد نفسه للتعبير عن هوية يُعتقد في وجودها، كما هي الحال في الأديان كما سنرى لاحقاً، أو من أجل إعطاء هوية خاصة لفئة ما، ضمن الهوية الكبيرة التي تشمل مجموعة واحدة، كما هي الحال في المجتمعات البدائية التي تستخدم تشويه الجسد وسيلةً للتمييز بين الأجيال المختلفة، أو لتمييز نفسها عما سواها من المجموعات، أو التدخل بهدف تغيير المكونات الأولية، التي تهدف إلى الحصول على هوية جديدة يُعتقد معها أن حظوظ الفرد ستتعاظم بمطابقة المعايير التي كانت تعمل على ترسيخها بيوتات التجميل في الغرب، ومضرب المثل على ذلك موجة تغيير لون البشرة التي تفشّت في أفريقيا، ابتداءً من العقود المتأخّرة من النصف الثاني للقرن الماضي، قبل أن تعود تلك البيوتات نفسها على أعقابها وتحدّد السُمرة كمعيار جديد للجمال، وكعادتها، مسخِّرة ما بين يديها من وسائل تأثير جبّارة، كالسينما ومجلات الموضة، ولتطلق بأَثَرٍ رجعي حُمّى جديدة لتغيير البشرة، لكن هذه المرة في الاتجاه العكسي.
لكن كل ما سقناه من أمثلة لا يجب أن يجعلنا نغفل عن حقيقة مهمة، وهي أن الجسد في أحايين كثيرة يكون مسرحاً لإلصاق هوية مخالفة للفرد به، والأمثلة على ذلك كثيرة، تبدأ من التشويه الذي يحدث في أجسام الحيوانات بهدف تثبيت ملكيتها لجماعة أو لأفراد بعينهم، كما هي الحال مع ممارسة تحوير قرون الثيران حسب ما يعن لمالكيها من أشكال تصوِّر التفاخر والتباهي، مثلما جرت العادة عند القبائل النيلية في السودان الجنوبي.
لكن الممارسة الأبشع التي شهدتها الإنسانية في هذا السياق، تظل هي الأوشام والأختام التي كانت توضع على أجساد العبيد، إمعاناً في إذلالهم وتأكيداً على أن لا سلطة لهم على الإطلاق؛ فالسلطة الأولى التي يمارسها الفرد، كإنسان، إنما هي سلطة تحكُّمه في جسده.
الجسد والهوية الدينية تسخير الأديان للجسد ووضعه في خدمة مقاصدها، هو أمر لا جدال حوله، بل في بعضها يكاد يكون دور الجسد حاسماً كواحد من الأعمدة التي يقوم عليها بنيان الدين نفسه وركائزه، وذلك كما هي الحال مع الديانة اليهودية، التي تلزم بختن جميع الذكور كشرط يجب عليهم جميعاً استيفاؤه حتى يكونوا ضمن أتباع الديانة، بل هو نفسه ختم العهد بين الرب وشعبه على أجسادهم حسب نصوص ديانتهم، إذ يرد ذلك بوضوح يغلق الباب أمام كل فرصة للتأويل في العهد القديم من الكتاب المقدس: “يُخْتَنُ خِتَانًا وَلِيدُ بَيْتِكَ وَالْمُبْتَاعُ بِفِضَّتِكَ، فَيَكُونُ عَهْدِي فِي لَحْمِكُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا” (سفر التكوين13:17).
هنا نلاحظ كيف أن الجسد قد تحوّل إلى مساحة وفضاء للتعبير عن الهوية الدينية لليهود، تجعلهم مفارقين ومغايرين لمَنْ حولهم من أجناس، وذلك عندما نستصحب حقيقة أن اليهودية ليست ديانة تبشيرية كما هي الحال مع المسيحية والإسلام، ما يعزز ممارسة ختان الذكور كشكل من أشكال استخدام الجسد كفضاء للتعبير عن الهوية، وإذا كانت اليهودية تتدخل في الجسد بالتحوير؛ فإن ديانات أخرى تفعل العكس، حيث تعمد إلى الإبقاء على الجسد في مراحله الأولى من البراءة، بعيداً عن التدخل الآدمي قدر الإمكان، كما هي الحال لدى “السيخ”، حيث إن “الكافات الخمسة” لديهم ومنها “الكيسا” تطالب “جميع الرجال بإطالة شعر الرأس واللحى وعدم حلقهما” (الموسوعة الحرة).
هنا نلاحظ استخدام الجسد كما هو دون التدخّل فيه أبداً، لكنه مع ذلك يظلّ وافياً بالغرض الذي هو تسخير الجسد في خدمة الهوية الدينية، والشاهد أن السيخ واليهود قد ظلوا وسط الشعوب التي عاشوا بين ظهرانيها في القارة الهندية أو أوروبا، بسبب ذلك الاستخدام للجسد؛ مغايرين لمن سواهم، وإن كان ذلك قد جرّ إليهم ويلات الاضطهاد نسبة لسهولة التعرّف عليهم، سيما في زمن كانت البشرية فيه لم تسلِّم بعد، ولو جزئياً، بحقّ الجميع في الاختلاف.
ولا أفتي بشكل حاسم ما إذا كان يمكن إدراج ما يحدث في الغرب من جدل يخصّ ارتداء الحجاب، ضمن صراعات الهويةّ التي يدخل الجسد فيها كساحة للجدال والأخذ والرد.
الجسد والتعبير عن أكثر من هوية في المجتمعات البدائية، التي لم تعرف الكتابة والقراءة بعد، أو لنقل لم تتمكن منها الأبجدية تماماً، يظل الرسم في أغلب الأحيان هو الأبجدية التي يُعبَّر بها عن كل ما يختلج في النفوس من مشاعر ومخاوف وآمال.
وإذا أخذنا الرقص سنجده كذلك نوعاً من الرسم الذي يكثر استخدامه أيضاً، وبغض النظر عن التعريفات الأكاديمية التي تحاول تقديمه وسبر كنهه؛ سنجده نوعاً من الرسم المتحرك على فضاء أكبر، وهذا هو الفرق الحاسم بينه والرسم الذي يتخذ من الجسد فضاءً ومساحة له، لكن نقطة الاتفاق التي يلتقي فيها الاثنان هي أنهما يتضافران معاً ليعبرا عن الهوية المختلفة بطريقتين مختلفتين؛ فالأول يعرب عنها من خلال استخدام الجسد نفسه كمساحة للتعبير، في الوقت الذي يعمل الثاني على استخدام الجسد ككتلة فيزيائية للرسم به في الفضاء الكوني للوجود.
عودةً إلى الرسم؛ نجده الأداة الأكثر استخداماً في ما يتعلق بتسخير الجسد كوسيط ليعبّر عن الهويّة، حيث نجد أن القبائل تستخدم الوشم الذي هو “شكل من أشكال التعديل الجسدي الذي يتم بوضع علامة ثابتة في الجسم”، كعلامة بارزة لتأكيد، أولاً، هوية الفرد كإنسان راشد، ما يعني تمتعه بكل الحقوق، كما هي الحال مع القبائل النيلية في السودان الجنوبي (الدينكا، النوير، والشلك)
إذ كانت هذه القبائل تمارس، حتى وقت متأخر من القرن الماضي، عادة الفصد على الجباه، ضمن طقوس ما يُعرف بمراحل التتويج، سيما للذكور، وعبرها يدخل الصبيان عالم الكبار، الأمر الثاني هو أنها ترمز إلى الهوية التي تميّز المجموعة عن غيرها من المجموعات المجاورة، وعندما تكون العلاقة التي تحكم المجموعة مع غيرها هي التنافس والاحتراب، يصبح استخدام الجسد ذا قدر كبير من الأهمية، سواء أكان ذلك بالسلب أو الإيجاب، بمعنى أن حياة الفرد نفسه هنا تصبح رهينة لما على جسده من رموز أو أوشام،
أخذاً في الاعتبار أن الفرد نفسه في الكثير من الصراعات يتحوّل إلى نوعٍ من الرمز عن كلّ ما تمثّله جماعته من خطر في نظر منافسيها، وهنا نلاحظ، أيضاً، كيف أن الجسد، ودون إرادة من صاحبه، تحوّل إلى هويّة ترمز إلى الشر الذي يجب القضاء عليه.
جسد الآخر المختلف بوصفه مساحة للتعبير عن الهويّة ثمّة حقيقة مؤلمة ومستبشعة، وإنْ كانت البشرية تجد نفسها في مرحلة من مراحل تاريخها دائماً تمرّ بها، وهي أن أجسادَ الآخرين المختلفين عن الذات، من الأعداء، عبر التاريخ؛ كانت في الكثير من الأحيان عرضة للتشويه والتمثيل،
وذلك بتسخير كل الأساليب الممكنة لتكون مساحة يُعبر من خلالها الفاعلين عن الكره، كأشخاص امتلأت نفوسهم بالبغضاء ضد ضحاياهم من الآخر، المختلف، العدو، أياً كان خطره؛ وهماً أم حقيقة.
لكن الأمر الذي يدعو إلى التأمل حقاً، هو ملاحظة أن مثل هذا النوع من الاستخدام المنحرف للجسد كمساحة للتعبير عن الهوية، قد عاد لينتشر في الألفية الثالثة، رغم كل ما يحمل بلوغ هذه المرحلة للبشرية من افتراض تقدمها ونضجها على مستوى الفكر والوجدان، وعلى رقعة واسعة جداً من العالم،
ابتداءً من كارتيلات المخدرات المتنافسة في أمريكا اللاتينية في حربها مع السلطات بكل أشكالها، سواء أكانت حكومية أم أخلاقية من جهة، وحروباتها التي لا تنتهي في ما بينها من أجل السلطة والنفوذ، وصولاً إلى حروب الحركات السياسية المتطرفة، التي تحلم بتغيير العالم والعودة به إلى عصور تجاوزتها الإنسانية بالدموع والدماء، مثل العصور الوسطى في أوروبا، والحقبة الاستعمارية في دول العالم الثالث، ولعل آخر مثال على تلك البشاعة في التعبير عن الهوية عبر استخدام جسد الآخر، ما شهدته الحرب السورية في الأشهر الأخيرة، وقد شاهد الناس هذه البشاعة في مقطع فيديو قصير انتشر على التلفونات مثل النار في الهشيم، وصدم كل مَنْ رآه، نظراً لبشاعته الموغلة في إذلال الكرامة الإنسانية وتحقيرها، حيث يظهر الفيديو جثة مقاتلة كردية سورية تم تعريفها باسم “بارين كوباني”،
وقد تم قطع ثدييها بفرح عارم من قبل جماعة مناوئة أخرى، وكانوا يرقصون حول الجسد الهامد، (صحيفة الشرق الأوسط، العدد 14312).
“بارين كوباني” ليست، بالتأكيد، أول مَنْ يُمثّل بجسدها بغية أن تصبح ملعباً لحروبات الهوية التي لا تنتهي، كما أنها لن تكون، بطبيعة الحال كذلك، آخر مَنْ يقع ضحية الوحشيّة التي تسكن أعماق النفس البشرية، وتجد لها منفذاً للخروج عندما يتملّكها الخوف: الخوف من المجهول أو الفناء أو كليهما معاً، لكنها، بكل تأكيد، تقدّم نموذجاً على أنّ الجسد الذي يمثّل الدليل القاطع على وجود الفرد، وبالتالي، الجماعة نفسها، سوف يظلّ ساحة لحروبات الهوية بعبثيّتها التي تفوق كل تصوّر، وبشاعتها التي لا يرتفع فوقها سقف.
الجسد والروح.. عود على بدء لا يمكن أن نختم هذه المقالة دون أن نتطرّق إلى الحركة الجدليّة بين الروح والجسد، وقد أشرنا في مكان متقدّم إلى الأولى كرمز للطهارة والبراءة فيما يحمل الثاني وزر الخطيئة والنجاسة، مع ذلك فالأولى لا تجد مناصاً من أن تتوسّل الثاني كفضاء لتتجلّى فيه تلك القداسة، مثلاً في حالة اختيار ملك الشلك “الرث” تشترط عادات وأعراف التنصيب أن يكون المرشح سليم الجسد لا يعاني عاهة مهما صغرت “لا يشكو من عاهة جسدية أو أي تشويه، وليس به أي عيب في بنائه الجسماني، فإن أيّ تشويه كقطع أصبع أو خلع سن، أو عرج، يفقد الشخص فرصة اختياره كرث؛
ذلك أنهم يعتقدون أن روح (نيكانق) يجب أن تجد جسداً قادراً ومكتملاً لتحل فيه، وحتى يكون ذلك الجسد قادراً على احتوائها، يجب أن يكون نظيفاً من كل عيب.
ولهذا فإنهم إذا مرض الرث أو ضعف ولم يعد قادراً على تحمل أعبائه، أو إذا أشرف على الموت، ساعدوه على الموت ولم يتركوه ليموت موتاً طبيعياً؛
لأنهم يعتقدن أن الرث لو قدر له أن يموت موتاً طبيعياً، فإن ذلك يضعف روح نيكانق الثاوية في جسده” (قبيلة الشلك وطقوس تنصيب الرث؛ بكري أبوبكر، موقع سودانيز أونلاين، العام 2003).
الاقتباس كيف أن الروح التي تعتبر هنا طاهرة وكاملة عن كل النواقص بالضرورة، لا يمكن لها إلا أن تحلّ في جسد على القدر نفسه من الطهارة والكمال، وهنا نلاحظ أن الجسد كيما يضطلع بالدور المراد منه كرمز للطهارة والسمو، يميل إلى اجتناب كل ما قد يمسّ من فطرته وبراءته الأولى.
خاصّ – إلّا –
play youtube
xnxx
xhamster
xvideos
porn
hentai
porn
xxx
sex việt
henti
free brazzer
youpor
brazzer
xvideos
play youtube
play youtube
Brazzer
xhamster
xvideos
xvideos
porn
porn
xnxx
xxx
sex việt
Phim sex
mp3 download
Nike Compression Sleeve
American porn
Download Mp3
henti
Holiday Lyrics Madonna
play youtube,
play youtube,
xvideos,
Brazzer,
xnxx,
xhamster,
xvideos,
xvideos,
porn,
sex việt,
mp3 download,
Find Mac Address Of Mac,
porn,
Aruba Tripadvisor,
phim xxx,
Mp3 Download,
Share this content: