Home أقلام إلّا التمويل أولاً.. وما أدراك ما غايات التمويل دائماً

التمويل أولاً.. وما أدراك ما غايات التمويل دائماً

by رئيس التحرير

 

نسيب شمس / كاتب وباحث لبناني – مركز دراسات الشرق الأوسط – بيروت

لقد سال الكثير من الحبر، وحُكيَ الكثير عن أزمة الإعلام في لبنان، تمّ عرض الكثير من المعلومات، كما تمّ تحليل كل الأسباب التي أدّت إلى ما نشهده في هذا القطاع. لكن رغم كل ذلك بقيت الصورة ناقصة ولم تكتمل، كما أنها لم تعط طرف خيط لأيّ حلّ، ولم يجرؤ أيّ كان على الحديث بكل شفافيّة وعلميّة.
قد يكون ما تمّ طرحه أو معالجته صحيح حول الأزمة الإعلامية، لكنه للأسف غير دقيق وغير علمي.
سنحاول الإضاءة على جوانب نعتقد بأهمّيتها، جوانب بقيت بعيدة عن ما تناوله الكثيرون، أو تمّ تناوله ولكن بصورة مغايرة، وبشكل آخر مجافي للواقع. لذلك قد تحمل هذه الإضاءة معطيات قاسية، ولكنها تساعد في تفسير أسباب الأزمة، وقد تعطي سبيلاً من سُبل الحل.
معظم من كتبوا أو تحدّثوا عن الأزمة، قالوا بالمال سبباً، إلى جانب الهجمة الألكترونية بفعل تطوّر تكنولوجيا المعلومات والإتّصال، وأخيراً أزمة القراء.
نبدأ بالموضوع المالي، نعم وبكل وضوح طالما كان هناك طموح شخصي وأستراتيجيات لدول، سيكون هناك تقاطع، ليولد صحيفة بتمويل. وتختلف مدخلات التمويل فتتنوع مخرجاته، وفق ما يقوم به الأفراد الطموحين.
لعل ما ميّز الصحافة اللبنانية بأنها قادرة على إستقطاب أنواع التمويل كافة، من دول عظمى لها استراتيجيات كبرى، وكذلك دول صغرى تتلمس طريقها.

نتيجة بحث الصور عن شارل الحلو

الرئيس اللبناني شارل الحلو مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر

وقفة قصيرة مع موقف رئيس الجمهورية اللبنانية شارل حلو (1964 – 1970) القادم من لدن الصحافة اللبنانية عندما إستقبل وفد نقابة الصحافة اللبنانية بعبارة:” أهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان”.
لا شكّ أن العصر الذهبي للصحافة اللبنانية كان مع بداية الستينيات والسبعينيات، زمن التحولات والإنقلابات والاستقلال والتحرّر، زمن وبلدان ناشئة بحاجة لمنابر إعلامية داعمة لأنظمتها الوليدة، فكانت الصحافة اللبنانية جاهزة وعزّ الطلب، كما أن نكسة العام 1967 أوجدت نقمة كما أوجدت مقاومة، أضف إلى تصاعد حدّة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي. كان هذا الزمن بحاجةٍ لأدواتٍ إعلاميّةٍ تخوض في غمار المعارك على استحواذ العقول، وتوجيهها، وبشكل أدقّ التلاعب بها، أو إيجاد وعي ما، أو بلورة تيارات واتّجاهات تتوافق مع أصحاب القرار بمستوياتهم كافة. لكل ذلك كانت الصحافة اللبنانية جاهزة لتحقيق كل المهام والغايات.
وفي نفس الفترة بدأت الدول العربية المنتجة للنفط بتلمّس طريقها، وهي بحاجة لمنابر إعلاميّة، فبدأ ما يسمى عصر ” البترودولار”.

نتيجة بحث الصور عن البترودولار
بدأ إغداق الأموال على صحف موجودة، فيما فضّل آخرون تأسيس صحف ومجلات جديدة، علماً أن قانون المطبوعات اللبناني إغلاق نادي الصحافة بمنع منح المزيد من التراخيص لإصدار مطبوعات سياسية. لكن كان هناك العشرات من التراخيص السياسية المتوقفة أو المتعثّرة، فنشأت سوق ضخمة لهذه التراخيص.
ازدهر هذا السوق لوجود أفراد أو دول بحاجةٍ لترخيصٍ سياسي، فتمّ تأسيس الشركات التي كانت تشكل إطاراً مناسباً لقيام مشروع صحفي. ومع الوقت أصبح من يمتلك ترخيصاً سياسياً لصحيفة كمن يمتلك جوهرة باهظة الثمن سواء لمالكٍ أو وريثٍ.
وبرزت الصحافة اللبنانية، وقادت معارك الكلمات والأفكار ، وتنوّعت الجبهات المتصارعة بتنوّع مصادر التمويل…واشتعل نيران الحريق في لبنان، فأكلت الصحف ذات التمويل الفردي، ورويداً رويداً اختفى الكثير من الصحف والمجلات، وكذلك ظهر الكثير من الصحف والمجلات غير المرخّصة. فيما كان الممولين لبعض الصحف القديمة والجديدة قد تعب من تعدد “دكاكينه” الإعلامية. فكان أن تحدّدت الحصص المالية لعدد من الصحف، فأصبح هناك صحف أساسية، وصحف ثانوية، وصحف بمهام محددة.
وبفعل التحديد والتخصيص، بتنا غير قادرين على تمييز الخط السياسي لهذه الصحيفة أو تلك لكثرة التناقض أو التشابك و”الاصطراع ” على صفحات الصحيفة الواحدة، وأيضاً من كثرة نقل القلم/ البندقية من كتف إلى آخر لناشري هذه الصحف. ومع الوقت لم نعد نستطيع القول “هذه الصحيفة تابعة لهذا النظام أو ذاك”.
الجدير بالذكر، بأنه على الرغم أن المُمّول أقام مؤسسة صحفية لكنها لم ترتقِ إلى مستوى مؤسسة أو منشأة إنتاجية ذات بنية مؤسساتيّة تمتلك هيكلية واضحة وتوصيفات وظيفية وغيرها من الأمور التنظيمة والإدارية.
مع الوقت بدأت حدّة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط تهدأ، وفي نفس الوقت كانت التطوّرات التكنولوجية تسير بشكل سريع.
مع هدوء المنطقة، كان لا بدّ من التهدئة الإعلامية، وكان لا بدّ أن يستتبع ذلك خفض الميزانيات.
ومع التطورات التكنولوجية التي لم تواكبها هذه الصحف، كونها ليست مؤسسات بالمعنى الإداري والمؤسساتي.
أضف، إلى أن بعض الأنظمة المُموّلة كان قد بدأ بإنشاء مؤسساته الصحفية بالتعاون مع بعض الصحافيين اللبنانيين الهاربين من جحيم الحرب اللبنانية.
هذه التطورات، وخفض التمويل، جعلت أصحاب الصحف يلجأون إلى تنويع مصادر التمويل الذي يلوح على صفحات الجرائد، وفق شعار أطلقته فيما بعد قناة “الجزيرة” القطرية “الرأي والرأي الآخر”. وقدمه أصحاب الصحف على أنه حرية رأي وتعبير، بالتأكيد أنه شيء مضحك.

نتيجة بحث الصور عن الجزيرة الرأي والرأي الآخر

الجزيرة والاحتفاء بالآخر

نتيجة بحث الصور عن الجزيرة اشتباك مباشر بين الضيوف

شاشة الجزيرة إعلام مُغرض وبداية “الإحتدام ” العربي بحوارات الطرشان والزعرنات المتاحة على مرأى الجمهور

المهم أنّه مع التحولات السياسية والاقتصادية تناقص التمويل، ودخلت وسائل أخرى أقل كلفة بكثير، وهي أن يكون هناك كاتب أو عدّة كتاب، معتمدين لدى هذا النظام أو ذاك، أو لهذه الاستراتيجية أو تلك السياسة. فولد ما يُعرف بـ “الكاتب أو الصحفي المأجور”.”، بحيث أصبحنا نقول ” هذا الصحافي تابع لهذا النظام”.
أما السبب الثاني كما حدّده البعض، وهو ولادة الإعلام الإلكتروني بفعل تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال، أضف إلى انتشار وسائل الاعلام المرئي والمسموع التي أخذت حيّزاً كبيراً، هذه الهجمة الإلكترونية كما سماها البعض لم تكن قاتلة وقاضية للصحافة الورقية، حتى في عقر دار أهل هذه التكنولوجيا ويستطيع أيّ باحث محايد وفهيم أن يتأكّد. ولعلّ أبلغ ردّ هو صحيفة “السفير” ففي لحظة إنهاء الاستاذ طلال سلمان نحر وليدته بعد اهتزاز المنطقة ونحر مُزوده، تصاعد الحديث عن تحضّر صحيفة جديدة للإنطلاق.

نتيجة بحث الصور عن السفير وطلال سلمان

طلال سلمان صاحب جريدة السفير ورئيس تحريرها في وداع العدد الأخير منها

المفارقة أن الصحيفة المُزمع إطلاقها ورثتْ بعضاً من فريق الصحيفة المنحورة، كما أنها تعاقدت مع المنحُورة على الحصول على بعض الخدمات واستئجار بعض الطوابق كما يُقال في الوسط الإعلامي. إذا لا هجمة إلكترونية ولا هجمة – نانو – …

أما السبب الثالث، وحكي الكثير عنه، وهو أزمة القراء، قد يكون صحيحاً لا وجود قراء، لكن السؤال الذي تكمن في طياته المعضلة: هل المحتوى والمضمون الذي تقدمه الصحف يتلاءم مع حاجات القراء؟
أترك الجواب معلّقاً ومفتوحاً لكل قارئ أو من حاول أن يقرأ…وأيضاً لمن إمتشق قلماً.

صورة ذات صلة

الكتاب وحيداً

في المحصلة، تحوّلنا من الصحافة المأجورة إلى الصحفي المأجور، ودخلت التكنولوجيا التي لم يتنبّه لها أصحاب الصحف لكونهم لا يملكون رؤية استراتيجية وإدارة علمية، في وقت كان القارئ لا يجد محتوى يجيب على تساؤلاته أو يلبي حاجاته المعرفية، أو يتلاءم مع ما يعيشه. صحافة تقدّم أفكار معلّبة، ومعلومات مُوجّهة ومُقنّنة لا فائدة منها سوى أنها تدرّ المال على كاتبها أو لناشرها.
أصبحت معادلة الإعلام:
المُرسل — الوسيلة— المتلقي—مضافاً إليه عنصر الرسالة.
على الشكل التالي:
المُرسل: مأجور أو غير مهني.
الرسالة: غير واضحة ومبهمة وغير مُفيدة.
الوسيلة: تفتقر إلى خطّة استراتيجية وإدارة علمية.
أما المتلقّي ..يبحث ولا يجد ما يريد، وغارق في همومه البعيدة عن التداول..
كلمة أخيرة عندما تعود الصحافة إلى كونها ” مهنة البحث عن المتاعب” لا أن تكون “مهنة الإرتزاق والتربّح وتكوين الثروات”، وعندما نقوم ببناء مؤسسات صحفية تمتلك خطّة استراتيجية واضحة الرؤية والأهداف والسياسات وإدارة علمية تعتمد الأساليب الإدارية والعلمية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر “استطلاع الحاجات المعرفية للقراء، مما يقود إلى تقديم محتوى ومضمون بأقلام ذات كفاءة ومهنية وبكل أخلاق إعلامية مهنية، قد نستطيع الوصول إلى صحافة قادرة على جذب اهتمام الناس، فيتكوّن جمهور واسع من القراء دون أدنى شكّ”.
وخلاصة الكلام، الصحافة رسالة وليست مهنة من لا مهنة له …وبكل أسف في لبنان باتت الصحافة مجرد سخافة تعيش وهم حريّة الرأي والتعبير…

 

خاصّ – إلّا –

You may also like