Home إلّا فى ذكرى وفاتي الأولى.. نظرة غير عميقة في الموت وفي الحياة !

فى ذكرى وفاتي الأولى.. نظرة غير عميقة في الموت وفي الحياة !

by رئيس التحرير

محمد حسن الألفي / كاتب وروائي مصري – القاهرة

لا أهدف والله الى كآبة ولا إثارة دموع، ولا أقصد والله إلى الزج بسحاب رمادى عكر في صدوركم، سحاب رمادى متراكم مهول يركض في آفاق حياتنا، من صباحية ربنا حتى نلقى بالرؤوس المتعبة مما فيها من رمال واحجار، على وسائد من الشوك. فنخوض في موت مؤقت أو مستديم.

صورة ذات صلة

لماذا اخترت أن أفرّ هذا الأسبوع من قضايا السياسة والاجتماع السياسي إلى قضية تثير الأسى والشجون، وتكدّر الذات ؟ ليس في مواجهة الحقيقة الدامغة الوحيدة المؤكده في هذه الحياة ما يثير الشجن ولا الدموع، نحن.. في كل خطوة، وكل نفس، وكل لحظة  نفر من قضاء الله في الدنيا إلى قضاء الله فى الآخرة.

 

ما نحن فيه من انقباض هو انتاج شرعى طبيعى من عمل السياسة والساسة، وما نحن فيه من وجع وطنى عام وندرة في القدرة، هو أثر من آثار الإقتصاد الذى تلقّى ضربات قاصمة، بفعل رغبة عاتية غير محكومة بعقل ولا علم ولا خطّة في تغيير نظام الحكم عن طريق هدم الدولة !

المأزق السياسي والمأزق الاقتصادي.. كلاهما دفع بنا إلى زهد وإلى انسحاب وإلى قرف ! وقد يجوز لي الاعتراف في هذا المقام بأن العنوان أعلاه ” في ذكرى وفاتي الأولى ” كان موضوعاً لمقال حصلت عنه، على جائزة المقال الأدبي، بكلية الأداب عام ١٩٧٠ ” ثلاثة جنيهات “.

فهل كان الظرف الذي يمرّ بالوطن وقتها أشبه بالظرف الحالي، مأزق سياسي ومأزق اقتصادي؟!

نتيجة بحث الصور عن جمال عبد الناصر

الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر

كان الظرف مأزقا وطنيا بحتا، وفيه وجع اقتصادي قابض عاصر وفقر مقبول، ورضا عام، لأن العدو كان معروفا، وكان الرئيس عبد الناصر قد رحل الى رحاب الله، والسادات لم يكن مستقرّاً بعد، ولدى الناس شكّ في قدرته على ملء الفراغ من بعد زعيم بقامة ناصر، ولعلّ الإحساس الذي سكنني أيامها هو إحساس كان يليق بطالب في السنة الاولى الجامعية من العام ٧٠، رأى وطنه في مهب الريح إزاء عدوّ غادر وأمّة انكسر جيشها في حرب ظالمة لم يخضها ولم يختبر الظرف الحالي، الذي نعيشه مقبوضين منذ ست سنوات، كل سنة منها بعقد كامل، عشر سنوات كاملات، هو أشدّ وطأة على النفس وأدعى إلى استجلاب الموت، أو طلبه، أو وقوع موت الفجأة الذى صار شائعاً وصادماً ومفجعاً هذه الأيام !

من عجب أن بعض صفات الأوطان هي ذاتها بعض صفات الأفراد، لأنّ الفرد بعضٌ من الوطن، ومن عجب أن نوازع بعض الأفراد هي نوازع بعض الأوطان، في وقت من الأوقات لأنّ الوطن هو مجموع أداء وعطاء الأفراد. ولا يجوز وصفي بالمتحامل إذا ذهبتُ إلى أنّ النزوع إلى الانتحار، النزوع إلى الرحيل، واستدعاء مبرّراته حتى الديني منها زيفاً، كان الحالة التى استبدت بالناس قبل ستة أعوام ، تحت دعاوى تطهير الوطن بتحطيمه وتجزئته ثم بدفنه حيّاً !

نتيجة بحث الصور عن السادات

الرئيس المصري الراحل السادات

نزوع الفرد إلى التخلّص من الحياة، يتصاعد مع اليأس وسيطرة المشاعر العدميّة، وانقطاع سبل العون أو الخروج من المحنة، ولم يكن الوطن أبداً في تلك الحال من اليأس، ولا سيطرت عليه مشاعر عدميّة، بل كان الفيروس هو الفساد الضارب، وهو مالم ينتهِ للآن ولن ينتهِ لا في مصر ولا في العالم.

فلماذا إذن ذهب الوطن إلى انتحار لم تكتمل أسبابه، وموجباته ودواعيه، بل كان إلى الحياة أقرب !؟ هذا السؤال وحده هو ما يسبّب حالة المراجعة والملامة والمؤاخذة العامة.

جلد الذات : لماذا فعلنا بأنفسنا ما فعلناه وكانت النتيجة هى خراب وضباب؟! . هذا السؤال المنطوي على إجابته، هو ذاته سرّ حزن الناس، وصدمتهم وأوجاعهم وسقوطهم تحت سطوة المرض النفسي. لقد ذهبنا إلى الموت وفينا معظم أسباب الحياة والقوّة. ومع شيوع اليأس والهموم تتداعى المناعة. ينطبق ذلك على الفرد وعلى الجماعة.

هذا ما حدث لنا، وهذا ما يدفع بالناس إلى الرحيل الذاتي طوعا، بالطبع وبالقطع أن الأعمار بيد الله، لكن ما يقع لنا وفينا هو أيضا مسطور في كتاب الحياة والموت. الشواهد موجودة ومنذ الأزل، لكنها تكاثرت وسطعت منذرة، سطعت في السنوات بعد ٢٠١١، وبرزت وأنذرت في العامين الأخيرين.

نتيجة بحث الصور عن مصر

مصر التاريخ والحضارة

رحيل بعد رحيل بعد رحيل. لنجوم وعوام، فوق السن، وتحت السن، وفي منتصف العمر، ومن بين كل شواهد الرحيل ترى الشباب يرحل بغتةً. يرحل في غضب، في زهق، في قرف، في رفض، كمن لمَّ هدومه، وحشرها في حقيبة ألقى بها على ظهره وغادر الحياة إلى غير رجعة. إذ لم يعد لها طعم.. فاترة هي العيشة.. بلا بهجة، بلا فرحة، يُحْدِق بالنفوس إحساس بعدم الأمان. ليس فقط من الإرهاب، ولا من الغلاء، بل من القضاء العاجل المحتوم.

نؤمن طبعا بأنه فعل الله، لكن السياق خانق متضاغط، يشي بأن كلمة الله الأخيرة وشيكة. الوطن رفض الموت. هو مختلف عن البشر. مخلوق ليعيش. البشر مخلوقون ليموتوا .

مناعة مصر أعتى وأمنع من مناعة الرومانسيين، والوطنيين المتألمين الرافضين أن يروا خونة وعملاء وسفلة وتافهين ومنافقين وراقصين وراقصات من الرجال، باعوا ويبيعون الأم بدون أن تطرف لهم عين.

لم تكن أمّهم مصر إذن، لهم أم زانية. أما مصر فطاهرة شامخة فوق الموت، سامقة شاهقة، فوق الحتم. خلقها الله لتعيش، وليموت كل من عشقها كمدا ولايبقي على المزاود إلا شرّ البقر من البشر المصريين !

 

المصدر : فيتو / موقع مصري إخباري منوّع

You may also like