Home إلّا لغة الحوار في الثقافتين العربية والإيرانية “برسم أهل الاختصاص “

لغة الحوار في الثقافتين العربية والإيرانية “برسم أهل الاختصاص “

by رئيس التحرير

لغة الضاد / أبو الحسن أمين المقدسي – باحث وكاتب عراقي – دمشق

      يعود حديثي إلى الأزمنة الغابرة حيث كان العرب والإيرانيون يعيشون مستقلين دون أيّة علاقة مباشرة أعني عندما كان كسرى والساسانيون يتربّعون على الحكم في إيران والقياصرة والروم حينها كانوا يحكمون على باقي أجزاء العالم . والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل أن الشعبين العربي والإيراني كان كل منهم منعزلاَ عن الأخر دون أدنى علاقة فيما بينهما ولو جزئيّة ؟

ومن الطبيعي أنّ الثقافة الغالبيّة لها دور معطاة والثقافة المغلوبة على نفسها لها دور المتلقّي ويتجسّد هذا عمليّاَ في اللغة اْكانت عربيّة أو فارسيّة وبأدنى مراجعة إلى قواميس اللغات ، ومن هذا الخضمّ إذاَ نكون بصدد التوسيع من هذا المجال  وعلينا أن نوزّع المعرَبات إلى مجموعتين :

أولاً : المفردات الدخيلة من خلال العلماء والكتّاب والأفراد المتعلمين والترجمة والخط والكتابة .

ثانياً : المجموعة الثانية التي دخلت على يد جمهور الناس وسواهم التي لها علاقة بالأمور العاديّة المُعاشة والمهنيّة .

المجموعة الأولى هي المفردات الدخيلة التي دخلت إلى العربية مسبقة بعلم ومعرفة تطغى عليها القواعد اللغوية التي تقضيها اللغة وصياغتها ، أما المجموعة الثانية فلم يبقوا على مدرسة الأوّلين ولم يحذوا حذو الأوّلين وبادروا إلى نقل المفردات كما هي مسموعة عندهم رغم جميع التعثّرات الواردة عليها وبما أن مقياس الإستعمال الصحيح يقتصر عادة على سماع العرب وطريقة استخدامهم إياه لذلك دخلت المفردات إلى اللغة كما كانت تُستخدم من قبل العرب . وإليك نماذج منها :

كلمة ” يك بيك ” في هذا البيت : ” وقد أقاس صحبة الخصم الحك                      تحذي الرومي من يك ليك “

وأيضاً كلمتي : ” زنمرده ” و ” كشمش ” فب هذين البيتين :

            منيت بزنمردة كالعصا                              ألصّ وأخبث من كندش

           كان الثاليل من وجهها                                إذا أسفرت بدد الكشمش 1

هناك مصطلحات كثيرة في اللغة العربية مثل : أنبار ، إبزار ، الصط ، الصنّار ، الصرم ، جلّ ، جلناز ،

جلاب ، كنز و آذريّون ، تعود أصولها إلى ، أنبار ، افزار ، جك ، جناز ، جرم ، كل ، كلناز ، كلاب ، كنج وآذركون .

      ومن الضروري التنويه على أن هذه المصطلحات جُرّدت من معانيها الأصليّة ودخلت إلى العربيّة ممّا يدلّ على مرونة هذه اللغة التي استوعبت مفردات أجنبيّة بحيث إلتبست أصول هذه المفردات على أصحابها .

إذن لنا أن نقول أنّ إضافة مفردات جديدة للّغة تُترجِم مدى قوّتها لا ضعفها والآن لنا أن نعود إلى الأزمنة الغابرة

ونصل إلى صدر الإسلام إذ يتجاوز عندها التفاعل اللغوي بين هاتين اللغتين فعند ذاك استقبل الشعب الإيراني

بحفاوة وترحاب صوت العدالة الإسلامية التي نفرها البلاط إذ كان الشعب قد ضاق ذرعاً من التمييز القائم بينهم

من ناحية البلاط والحديث عن هذا جاء في الشاهنامة للفردوسي واضحاً جلياً : ” حُرم إبن اسكافي من الدراسة إذا كانت الدراسة مفتوحة فقط على طبقة خاصّة والقوانين كانت تقضي بأن يمتهن الإبن شغل الأب ” .

ومن الطبيعي أنّ هذا التعامل المزدوج جعل الناس يتضايقون إلى حدٍّ يلبّون دعوة التساوي بين العرب والعجم التي رفعها الإسلام متمحورة على أساس التقّوى والتوحيد فالدافع الأساسي للشعب الإيراني كانت العدالة وحسب

وبانطفائه تضمر دوافع الناس للدخول في هذا الدين وتنطفئ من خلالها جذوة الدين .

والآن نترك العصر الأموي الذي لم يلتزم بروح هذه الدعوة لنصل إلى العصر العباسي ، في هذا العصر أخذت المؤسسات الثقافية الإيرانية وعراقة ثقافتها وطريقة الحكم لديها تعيّن الخلفاء العبّاسيين حيث نرى أن كتباَ أمثال تاج الملوك تُترجم إلى العربية إلى جانب كثير من الكتب الأخرى التي جاءت على لسان ابن النديم ولم يبق منها أثر ملحوظ ،  والكلّ جاء لصالح الحكومة الإسلاميّة ، ولست في هذه الورقة بصدد تقويم ما انتهى إليه طه حسين إذ أنّه كان يذهب بأنّ الإسلام قد تأثّر أكثر ما تأثّر من الغرب مقارنة لتأثّرها من الثقافة الإيرانية وحقيقة الموقف يدعونا أن نقول أنّ الثقافتين قد تفاعلتا كثيراً بفعل التأثير الذي شهدته الثقافة العربية .

ويحدّثنا التاريخ بأنّ جملة عوامل قد تأثّر بها الإيرانيون إذ إشرأبّت نفوسهم بروح العدالة والتوحيد من خلال هذا التفاعل مما دفعهم ليفكّروا بأنّ الناس متساوون والفكرة هذه لا تقتصر على قومٍ دون قومٍ إذ أنّها تجاوزت الحدود الجغرافية والحقيقة هذه تجسّد اللبنة الأولى من حوار الحضارات وعلينا أن نُذعن بأنّ الناس متساوون مبدئيّاً حيث ينظر الله إليهم بنظرة واحدة وأنّ الإمام علي عندما يعهد حكومة مصر إلى مالك الأشتر يُشير إلى هذا :

” الناس صنفان : أما أخ لك في الدين وأما نظير لك في الخلق ” ، وإنطلاقاً من عقيدة الإمام عليّ الناس كلّهم متساوون ولهم دور في العالم المخلوق المهم أن يتعايشوا بسلام شريطة أن لا يخرجوا عن دائرة العدالة .

والنقطة الثانية التي استوعبت الإيرانيين هي سعة الصدر التي أكّد عليها الإمام علي ” آلة الرئاسة سعة الصدر “

هذا الأصل الأساسي الذي توّجَ حركةَ النبي بحيث القرآن يركّز عليه بقوله ” آلم نشرح لك صدرك “

وعندما يرى الإيرانيون أنفسهم متساوين إلى جانب العرب في ظلّ نظام إسلامي ولهم دور في تفعيل الجهاز الحكومي قد تعلّقوا بالإسلام فلذلك لا تخلو الروائع العربية الإسلامية من ذكر الإيرانيين ، فإبن سينا ينحدر من أصل إيراني وقد خلّف لنا كتب ” الشفا والقانون ” ، والغزالي صاحب ” أحياء العلوم ” سجّل نفسه على مرّ التاريخ ، نراه مدفوناً في طوس إيران والإمام فخر الرازي إذ اسمه يُفصح إلى أنّه منحدر من مدينة ريّ الإيرانيّة  وفي اللغة يظهر سيبوية على الساحة ليُرسي الأسس النحويّة هو من إيران لكلّ هؤلاء دور قيّم في النهوض العلمي والثقافي السائد آنذاك وانسياقاً من هذا يقول ابن خلدون :

“من الغريب الواقع أن حَمَلِة العلم في المِلّة الإسلامية أكثرهم العجم لا من العلوم الشرعيّة و لا من العلوم العقليّة إلا في القليل النادر وإن كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته و مرباه ومشيخته مع أن  الملّة عربيّة وصاحب شريعتها عربي والسبب في ذلك أن الملّة  في أوّلها لم يكن فيها عِلم ولا صناعة لمقتضى أحوال السذاجة والبداوة ،  وقد كنّا قدّمنا أنّ الصنائع من منتحل الحضر وأن العرب أبعد الناس عنها فصارت العلوم لذلك حضريّة وبَعُدَ عنها العرب وعن سوقها والحضر لذلك العهد هم العجم أو من هم في معناهم من الموالي وأهل الحواضر الذين هم يومئذٍ تبْعٌ للعجم في الحضارة وأحوالها من الصنائع والحِرف لأنّهم أقوم على ذلك للحضارة الراسخة فيهم منذ دولة الفرس فكان صاحب صناعة النحو سيبويه ، والفارسي من بعده ، والزجاج من بعدهما ، وكلّهم عجم في أنسابهم وإنّما رثبّوا في اللسان العربي فاكتسبوه بالمربى ، ومخالطة العرب  وصيّروه قوانين وفنّاً

لمن بعدهم ” .

      ويتجاوز ابن خلدون هذا ليقول بأنّ قاطبة الفقهاء والرُواة والمحدثين كانوا من الإيرانيين مُشيرا إلى الحديث النبوي ( ص ) : ” وكذا حَمَلَةُ الحديث الذين حفظوه عن أهل الإسلام أكثرهم عجم أو مستعجمون باللّغة والمربى وكان علماء أصول الفقه كلّهم عجم كما يعرف ، وكذا حَمَلَةُ الكلام وكذا أكثر المفسّرين ولم يقم بحفظ العلم إلاّ الأعاجم وظهر مصداق قوله “ص ” لو تلّق العلم بأكناف السماء لناله قوم من أهل فارس ” .

      إنّ ما أوردّته كان تمهيدا لأبيّن ماللإسلام ولعدالته من الأحكام وعقلنة القضايا الخاصّة بها من دورٍ لاستقطاب الإيرانيين للدين المبين . ويبدو ضروريّا التركيز على الأخير ، إذ أنّ لغة الحوار لدى الإسلام والعرب لن تتعارض والفطرة الطبيعيّة والعقل السليم ، وإنّ منهج الرسول العقلاني لن يمسّ أبدا مبادىء التسليم والعبوديّة حيث قبول الرأي الآخر ، ولا الكراهية من الدين من الأصول الثابة في هذا الدين ، والكلّ منبثق من أصل واحد وهو أنّ النهوض العقلي كامن في هذه الثقافة لذلك اندفع الغزالي ليقول : ” كلّ ما حكم به الشرع حكم به العقل ” ،

وإنّ القصص الغراميّة للشعراء خصوصا المتصوّفة منهم ، فالضمور العقلي لاينطوي على فكرة سليمة لذلك يُمكن استساغتها فقط عند تأويلها ولن يتبلور الأخير إلاّ في نظام عقلي متكامل يتجاوز المصالح الضيّقة ، منطويا إيّاه ليتوّج أصالة المجتمع ، ممّا لاريب فيه تأسيسا على المبادىء الثلاثة المُنبثة من التوحيد والعدالة والتساهل والتسامح ، وأخيرا العقلانيّة وتأثيرها فعلت فعلتها إذ مشى دين الإسلام بين الإيرانيين بقوّة حيث تراجعت 50%

من الكلمات الفارسيّة وباتت عربيّة تحريرا وشفويّا ، ومن الواضح أنّ جميع الشعراء والأدباء والمؤرخين والمفكّرين الإيرانيين جسّدوا إنتاجهم بفضل الإسلام ، واندمجت الثقافتان العربيّة والإيرانيّة منها إلى حدٍّ بات فرز الثقافتين لرموز إيرانيّة كسعدي الشيرازي ، وحافظ الشيرازي والمولوي ،والفردوسي والنظامي ، أمرا عسيرا

واشرأبّت ثقافتهم من معين الإسلام والعرب حتّى لايقوى أحد أن يفصل بين الثقافتين العريقتين وأنّ الحضارة الإسلاميّة بفضل مرونتها والتساهل والتسامح كانت تستوعب مايصلها من ثقافة خارجيّة ، بعبارة أخرى استطاعت بفضل هذه المرونة أن توسّع من نطاق استيعابها ، فقضيّة من لوّن التراث والمعاصرة غابت من القرون الأولى للهجرة .

وهذه الورقة تسعى لتحقيق فرضيتين :

 الأولى –  أنّ الثقافة الإيرانيّة تعتمد على أصولها دون الإعتماد على الثقافات الأخرى كالعربيّة وإسلام الشعوب

              العربيّة  .

الثانية  –   ينطوي على أنّ للثقافتين صِلات حميمة ، فعليه تبدو من الفرضيّة الأولى الثقافة وبالنظر إليها جوّانية ،

             وفي الثانية تكون النظرة إليها نظرة برّانيّة .

كما إنّ مواطن الضعف والقوّة من العلاقات الثقافيّة القائمة بين العرب الإيرنيين تتجسّد في النقاط التالية :

      إنّ الخلاف التاريخي الذي ساد في فترة زمنيّة بين العرب والإيرانيين يعدّ من النقاط السلبيّة لاسيّما عندما طغى التمييز العنصري بين العرب والإيرانيين على يد الأمويين لكنّ التساهل العبّاسي ضيّقَ هوّة الخلاف إلى حدّ كبير ، وفعلا يجب أن ننشّط هذا الدور أكثر فأكثر .

      مايبعث على الأسف أن أقول أنّ موقف العرب من الإيرانيين سابقا كان مخيّما بظلال السلبيّة ، وكانوا يطردون إخوانهم الإيرانيين بأسباب واهية مجوسيّة كانت أو مذهبيّة من حظيرة الإسلام .

      ويتعين من خلال هذا على وسائل الإعلام أن تُضاعف من جهودها لإرساء المودّة والإخاء بينم الشعبين العريقين ، الأمر الذي لمسناه في الآونة الأخيرة أكثر فأكثر .

      ومن المؤسف أيضا هو أنّ الإيرانيين أيضا بدورهم كانوا سابقا يرون أنّ للعرب جذور جاهليّة تعود إلى قبل الإسلام ، وكانوا يؤكّدون عليها ويضخمون من فعلها ، طبعا كِلا النظرتين تقوم على نظرة غير موضوعيّة ، كما تعرفون أنّ الإستعمار لن يدّخر في هذا الصدد من جهة ، إذ راحج يدعم الأصل المعتمد لديهم ” فرّق تسد ” وممّا لاشكّ فيه أنّ التعاضد والتكاتف بين العرب والمسلمين لم يكن من صالح الإستعمار ، والمطلوب من المثقفين العرب والإيرانيين أن يكرّسوا اهتمامهم في هذا المجال .

ولايخفى مانواجهه نحن في إيران من مشكلة تعليم اللغة العربيّة ، وعلى الرغم من تتويج دور تعليم اللغة هذه في إيران بفضل الثورة الإسلاميّة التني أكّدت على أنّ تعليم العربيّة والرآنيّة في دستور البلاد يَقْضي بتعلمها من الإبتدائيّة وحتّى الجامعات ، ولكن دون مردود إيجابي ملحوظ ، إذ أنّ تعليم العربيّة لغير الناطقين بها لاسيّما الإيرانيين غير ناجعة ، ومن الطريف أن يتعلّم المرء اللغة الإنجليزيّة خلال 24 ساعة ، ولكن مع بالغ الأسف لم تقم الدول العربيّة بخطوة جادّة لعليم العربيّة لغير الناطقين . أضف إلى ذلك عدم القيام بتيسير القواعد العربيّة إذ تصبّ الجهود أيضا لترسيخ ما أرساه سيبويه والخليل الفراهيدي .

ورغم هذه العثرات هناك كثير من القواسم المشتركة التي تضمّ الشعبين العربي والإيراني ، وأنّ أهمّ قاسم مشترك يجمعهما هو القرآن والصلاة والدين والحجّ الذي يوحّد بين صفوف الشعبين ويجعل من ساسة البلاد ومثقفيها أن يستغلّوا هذه الظروف وينظرون إليها من خلال نافذة جديدة وبنظرة ثاقبة بالعودة إلى الذات ، حريّ بنا أن ننوّه إلى العودة للذات التي لاتعني الإنقطاع عن مواكبة التطوّرات العالميّة بل النهوض لغعتناق القضايا الجديدة على الساحة العالميّة .

      وإنّ القصيّة الفلسطينيّة من القضايا الحساسة التي من شأنها أن تجمعنا تحت لواء واحد ، لأن نتحاور حولها داخليّا رغم الخلافات الطفيفة التي لاتمسّ من التماسك الكبير الذي نحظى به ، ومن المعلوم أنّ هذه القضيّة بدل أن تضمّ صفوف الحكومات باتت وسيلة تشقّ صفوفهن خلال الخلاف الهيّن القائم بينهم ز

تحدّيات العالم الإسلامي والعرب وحوار الثقافات :

      انطلاقا من المفروض الثاني لنا أن نقول أنّ الإيرانيين والعرب بما أنّ لهم مشتركات جمّة ، فمشكلاتهم أيضا

مشتركة رغم الخلاف الطفيف العالق بينهم والآن أشير إلى جلّ ما تتعرض له هذه الطريق الثقافيّة من الناحيتين التاليتين : الجوانيّة منها والبرانيّة .

      إنّ المجتمعات الإسلاميّة تُعاني معرفيّا وفكريّا قضايا عدّة وأساس القضيّة يكمن في أنّهم لحدّ الآن لم ينفتحوا على لغة مشتركة فيما بينم فكيف بهم إلى مستوى ثقافي معيّن منطلقين منها راسخين إلى جانب فكرة موحّدة ومنسّقة لينفتحوا على العالم الخارجي ، لعلّ هناك قضايا متواضعة باتت عسيرة على الحلّ لبعض الدول العربيّة الإسلاميّة ، ومن جملة هذه القضايا هو دور المرأة ، تُرى كيف يمكن أن نضيّق الهوّة بين الفكر اللإسلامي الراقي

والرجعي ، الفكر الذي يقول عنه أحمد شوقي :

                                 العلم كان شريعة                       للنساء المتفقّهات

                                 رِضن التجارة والسيا                 سة والشؤون الأخريات

                                 كانت سكينة تملاْ ال                  دّنيا وتهزأ بالرواة

وهناك من يَحرم المرأة من قيادة السيّارة .

      لذلك إنّ قبول الرأي في المجتمع والإذعان من شأنه أن يوفّر التعايش السلمي في المكجتمع في حين رفضَ

هذا الأصل جرّ الويلات والمشكل للمجتمعات العربيّة والإسلاميّة ودفع الحكومات لتفرض عليهم سُلطان الرقابة وتستبدّ برأيها ، وإنّ المجتمع الذي لن يعبّر عن آرائه ويفتقر إلى الحوار والمثاقفة ، يغرب فيه النمو والإزدهار ويُطفأ فيه نور العقل وينبجس .

      إن نظرتنا إلى الغرب إمّا يسودها الإفراط والتنفريط ، وإمّا يأتي الرفض دامغا نبحث وراء كلّ شيء من تُراثنا في حين أكّد الدين لنا ” اطلبوا العلم ولو بالصين ” ومن المؤكّد العلم هذا لايقتصر على العلوم الطبيعيّة بل يتجاوزه ليضمّ كل مايُعالج قضايا المجتمع ، ومقابل هذا الرأي هناك رأي آخر تنمحي فيه النظرة السوداويّة للإستعمار ، ونطوي ستار النسيان على مساوئهم متناسين ثقافتنا ، ومنسلخين عنها إذ نرى النجاة في هذا وحسب

      ولاشكّ أن التفريط بثقافتنا كان له حصيلة مرّة إذ سُلبت منا فلسطين العزيزة على كل المسلمين .

ويعود النزاع حول التراث والمعاصرة إلى هذا الأصل ، في الحقيقة المُعاصرة تعني طمر ونسيان جميع القِيَم الثقافيّة ، في حين التُراث يعني التمسّك بكل ماكنّا عليه ، متجاهلين ضرورة تغييرها وإن غدا غير مناسب للظروف الراهنة .

ومن المطمئن تجاوز هذه المرحلة والآن ونحن بصدد انتقاء واختيار جديد ، وعلى مشارف حياة جديدة ، لذلك حريّ بنا أن نتحاور داخليّا حتّى نتوصّل إلى لغة حوار وفَهمٍ مشترك .

أليست الأراضي العربيّة الإسلاميّة غنيّة بالثروات والخيرات ؟ فلماذا العيش يكون بينهم هابط لهذه الدرجة ، وجدير بنا كي نتخلّص من هذه الإزدواجيّة أن نصِل إلى فهم دقيق للوقوف على مواهبنا إذ من خلالها نستطيع

أن نغطّي قسطا من مَواطن الضعف ونقلّص من شأنها ، وممّا لاريب فيه أن نستمدّ لهذا من تجربة الآخرين .

      إنّ القضيّة الفلسطينيّة لها دور حاسم في القضايا البرّانيّة للمسلمين والعرب ، وإنّ إرساء مفهوم أنّ ” البيت لصاحبه ” ينبغي أن يكرّس وجده بلغة علميّة وثقافيّة للرأي العالمي .

      كما لايمكن أن نقول الجميع  لايسمعون ، بلى هم يسمعون وعلى الأقلّ أكثرهم يسمعون ، لكن لانقوى نحن أن نُسمعهم كما نُريد ، فالضعف يعود لنا وفضّلا عن هذا ، في كثير من الأحيان نبطل مفعول سعينا غير الموحّد حول محور القضيّة الفلسطينيّة ، إذ يجب أن تخرج عن إطار بحث الحكومات ، ولتصبح موضوعا ثقافيّا يحاور الحضارات . ولابدّ من التأكيد على الثقافة الذاتيّة  ويجب أن نكون على إيمان بأنّ العلم الفلسطيني سيرفرف خفّاقا في سماء فلسطين ، وبتحقيق ذلك سوف يلتفّ مليار إنسان حول ثقافة واحدة ، والتاريخ يؤكّد هذا كما سطّره الكتاب العزيز بالأمس : ” إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم .

  المصدر : مجلّة الآداب العالميّة

للردّ على المقال يرجى الإرسال على الإيميل / ghada2samman@gmail.com

 

You may also like