Home أقلام إلّا الثقافة المغاربية بين هوية الانتماء وهِواية الفرانكفونية

الثقافة المغاربية بين هوية الانتماء وهِواية الفرانكفونية

by admin
د. سعيد يفلح العمرني  شاعر وأكاديمي / المملكة المغربية

د. سعيد يفلح العمرني
شاعر وأكاديمي / المملكة المغربية

قد لا يتجادل عارفان في كون المخطط الاستعماري الفرنسي قد سعى بكل الدراسات والنيات المبيتة إلى تكريس الاستعمار الثقافي والفكري بالمستعمرات الإفريقية خصوصا بلدان المغرب العربي، بعد انسحاب الاستعمار العسكري من مستعمراتها السابقة تحت ضربات المقاومة المسلحة و تم تحويل الخطة، من استعمار عسكري إلى استعمار ثقافي يمر عبر الاختراق اللغوي. لتبقى الإستراتيجية هي الخروج من الباب والدخول من النافذة.

لقد كانت فرنسا واعية تمام الوعي، بأن تحقيق الاستمرارية، في بسط الهيمنة على مستعمراتها، لا يمر بالضرورة عبر التواجد العسكري، و لكن قد يكون الأمر أقل تكلفة وأكثر ربحا، من منظور الاستعمار الثقافي، و ما دامت اللغة هي المدخل الرئيس في أي استعمار بهذا الشكل، فإن الأمر كان يتطلب التفكير في الوسائل اللازمة لفرض اللغة الفرنسية على المستعمرات، إما كلغة أولى كما في السنغال أو على الأقل كلغة ثانية (أنموذج دول المغرب العربي) ،ولذلك فإن فرنسا، عبر اختراقها اللغوي للمستعمرات السابقة، كانت تضرب عصفورين بحجر واحد، فهي من جهة تسعى إلى تكسير هويات المستعمرات حتى تشل حركتها على المقاومة لأن الجسد المقاوم هو فكر و روح متماسكين دينيا و لغويا وثقافيا، و من جهة أخرى كانت تسعى إلى تعويض هذه الهويات بالهوية الاستعمارية البديلة و الهدف الاستراتيجي هو تحقيق السيطرة على المستعمرات، من خلال تحقيق استمرارية استغلالها اقتصاديا، سواء كمناجم للمواد الأولية و أيدي عاملة رخيصة وفرض التبعية بالتحكم في كل قنوات الدول الواقعة تحت جبروت الهيمنة الفرنسية.وهكذا فإن الحفاظ على مصالح فرنسا، يمر عبر ترسيخ استعمار بديل يعوض الانسحاب العسكري، و هو أخطر من سابقه ، لذلك توجهت فرنسا إلى إخضاع النفوس و العقول ثقافيا، للتمكن من إخضاع الأجساد، و حتى إذا توهمت الأجساد التحرر تبقى العقول والنفوس مقيدة و تابعة.

وهذا، بالضبط، هو ما وعاه مدير التعليم في المغرب خلال الفترة الاستعمارية (جورج هاردي) الذي يقول: 1 ” إن انتصار السلاح لا يعني النصر الكامل، إن القوة تبني الإمبراطوريات و لكنها ليست هي التي تضمن لها الاستمرار و الدوام. إن الرؤوس تنحني أمام المدافع في حين تظل القلوب تغذي نار الحقد و الرغبة في الانتقام. يجب إخضاع النفوس بعد أن تم إخضاع الأبدان “، و باعتماد فرنسا الثقافة و اللغة كأداة للسيطرة فإنه ليس من الغرابة أن تتأسس الفرانكفونية، كآلية استعمارية، مباشرة بعد انسحاب فرنسا عسكريا من مستعمراتها مستندة إلى النخبة السياسية و الثقافة التي استفادت من الاستعمار ماديا و رمزيا، و كانت أول حاضن لهذه الطموحات الاستعمارية و أول مروج لها، و ذلك تحت يافطة الانفتاح اللغوي و التبادل الثقافي و ترويج قيم الحداثة … و لعل الاختراق الحقيقي، الذي دشنته الفرانكفونية في مستعمراتها الحاصلة للتو على استقلال شكلي، تم من داخل منظومة التعليم، حيث كانت اللغة الفرنسية، بعد انسحاب فرنسا من مستعمراتها، هي لغة التدريس و لا تشاركها العربية إلا بنسبة قليلة جدا، و ذلك راجع بالأساس إلى طبيعة تكوين النخبة السياسية و الثقافة التي قادت منظومة التعليم، و هو تكوين فرانكفوني صرف لم تنجح السياسات المتبعة، فيما بعد، في التقليل من هيمنته ( مبدأ التعريب و مبدأ المغربة بخصوص التجربة المغربية مثلا)

و من داخل مؤسسات التعليم، حافظت اللغة الفرنسية على تواجدها القوي داخل مستعمرات فرنسا السابقة، لأن ما يهم فرنسا أكثر هو تشكيل النخب السياسية و الثقافية على مقاسها ثقافيا و لغويا، و ذلك من منظور استراتيجي بعيد المدى يقوم على اعتبار هذه النخب امتدادا لمصالح فرنسا في مستعمراتها السابقة واستهدفت المدارس التعليمية مستغلة قلة الأطر التعليمية والأساتيذ المنضوين تحت لواء الهوية العربية كاللغة العربية والفلسفة والاجتماعيات والتربية الإسلامية,,, و لجعل الفرنسية ، كلغة أساسية في مناهج التعليم، و ذلك باعتبارها أصبحت تقترن (من منظور الاستلاب اللغوي طبعا) بمؤشر من مؤشرات التنمية المتمثل في المدرسة، هذا في الوقت الذي كانت فيه الأوطان العربية خصوصا بلدان المغرب العربي تتخبط في الحضيض اللغوي العربي كهوية الانتماء والأصالة وتنتظر الخلاص ربما من دعم دول العروبة الأخرى علها تبقي على هويتها العربية وبالفعل كتجربة مغربية قام المغرب باستدعاء جيش من الأطر العربية خصوصا من مصر وسوريا والعراق وشخصيا درست على يد مجموعة من الأساتيذ العرب من المشرق ولكن ما أفسدته الدهور والأعوام لا تصلحه الشهور والأيام كما يقول الزعيم السياسي علال الفاسي وكانت هذه المبادرة لا ترقى إلى مستوى فرض الهوية العربية أمام وطأة الفرانكفونية الفرنسية بل ظلت مشتتة بين صياغة المناهج التعليمية التربوية وبين تكريس الثقافة العربية التي لم تنزع عن نفسها جبة الفرنسة حتى في لغة الخطاب اليومي والمراسلات الإدارية والمعاملات اليومية زد عليها ما وُلد جديدا من فرض اللغة الأمازيغية كركن قومي للبلاد خصوصا بعدما تم إدراجها في المناهج التعليمية وهذا موضوع آخر يلزمه سيل من المداد. ذ . سعيد يفلح العمراني المغرب

 

د. سعيد يفلح العمرني

*شاعر وأكاديمي / المملكة المغربية

You may also like