Home أقلام إلّا سؤال بسيط لمعضلة كبيرة جدّاً

سؤال بسيط لمعضلة كبيرة جدّاً

by admin
Amro_maqdesi

عمرو المقدسي / شاعر وأكاديمي فلسطيني / معيد في جامعة تكساس – أميركا

 

    من مبررات التغيّر التي تطرأ على الواقع عادة هي البحث عن مستقبل أفضل لخير الالفرد والمجتمع ككلّ، لهذا ينشغل معظم المفكرين والمثقفين برسم خطط على المدى البعيد لتجييرها إلى المستقبل، سعياً لجعله مستقبلاً زاهراً بالصحة والعلم والمال والسعادة, ولكن أن يكون هذا المستقبل مرهوناً بالانتحار والانحراف الفكري والمرض النفسي فهذه مشكلة; ولربما المستقبل العربي لن يخرج خلال المدى المنظورعن ثنائية التخلّف والبترودولار، وهي ثنائية “القاعدة “من جهة  و “روتانا” من جهة موازية تماماً، ولطالما احتكرت هذه الثنائية المراهقين والمنحرفين والمرضى النفسيين العرب بأحد إتجاهين لا ثالث لهما; تصوروا معي سوداوية الصورة، المراهقين من الشباب العربي ومنحرفيهم ومرضاهم النفسيين يتوجهون إما ليصبحوا إنتحاريين و قتلة مأجورين من قِبَل تنظيم القاعدة التي نجم عنها داعش بكل ما يمثل من إنحراف فكري ونفسي وعقائدي وأخلاقي بمال نفطيّ منذور للدمّ، يقابله مال نفطيّ من ذات المصدر يوظّف للهيمنة الفكرية والنفسية والأخلاقية أيضا على جيل شاب حيث تتشكّل مثلهم العليا من فنانين مصنوعين في روتانا أمثال نانسي عجرم وهيفا وهبي وميّ الحريري ومريام فارس.. إلخ، وبدلاً من توفّير المرشدين لمراهقينا وتأمين الأطباء النفسيين ومراكز الدعم لمساعدة مرضانا ومنحرفينا، أوجدنا لهم محطات فضائية إباحية أو شغلناهم بعشرات القنوات الفضفاضة لشركة روتانية التي لا تسعى لغير الربح بأيّ سبيل كان وعلى حساب جيل كامل بل أجيال وأجيال غاب عنها كل ما هو أصيل وعريق وحقيقي وذات جدوى، وربما الجميع يتفق على أن الشباب العربي الذي ينتهج العلم كأسلوب حقيقي في حياته، هم أشبه بالفرائس التي ساعدها الحظ على الافلات من شباك العنكبوت, والمعضلة التي لطالما لم أجد لها حلاً.. ما الفرق في العمق بين دوغماتيّة الخط الديني المتمثّل في نهج أسامة بن لادن “السعودي”، وبين ليبرالية الخط الفني الذي يمثله الوليد بن طلال “السعودي” أيضاً، فهل هناك تنافس على امتلاك الجيل أم هناك  رهان عالمي والجهتين مجرّد أدوات للاستفتاء اللامباشر عن ميول الأمة العربي، وهذا سؤال بذمّة التربيين لا يُستهان به يحتاج إلى دراسة معمّقة ومسح اجتماعي واعي لترميمم الخلل ومعالجة الخطأ مهما كان ؟.. في ظلّ غياب القادة المكترثين لشأن الأمّة والمتنبهين باكراً لانحراف الشعب والمتيقظين دائماً لخراب المجتمعات التي تذكّرنا بالزوج المخدوع، إذ لطالما أشفقنا على الزوج المخدوع عند معرفتنا بأن زوجته تخونه دون علمه، ولطالما اعتبرناه مغفلاً مع جرعة زائدة من الشفقة تجاهه كون النساء “كيدهن عظيم”، “وكيد الرجال هدّ الجبال وكيد النساء هدّ الرجال” كما يُشاع, ويظلّ التعاطف دائماً مع الزوج المخدوع وقلما نرى تعاطفاً مع الزوجة المخدوعة ربّما لأن شرفها كما يُقال يبقى كورقة السيجارة سريع الاشتعال “حتى لو احترق مرات عديدة”, ولا أريد الاستطراد والقول أن السجائر أنواع ومذاقات كونه ليس الهدف هنا، وقد نتكلم عن السجائر ونكهاتها الرائعة والأمراض العضال التي تسببها في مرة قادمة، لكنّ  الموضوع الأساس وهو الزوج المخدوع المغفل المسكين… الذي يعيدنا تماماً إلى قصة الزعماء العرب الأشاوس والقادة المُلْهَمين وذوي القلوب الكبيرة مع شعوبهم الخائنة, فترى الفساد يستشري في المجتمع ومفاصله لتشمل عموم البلاد من مؤسسات ودوائر والقائد الملهم لا يدري شيئاً عن هذا الفساد ولو عرف لغسل شرفه وشرف هذه الشعوب بالدماء وعلى رؤوس الأشهاد, فكم من مرة تغنى الإعلام العربي بالشرف وكم من مرة سمعنا بيت الشعر ” لا يسلم الشرف الرقيع من الأذى….” فالزوج، عفواً أقصد القائد الملهم لا يعرف شيء عن خيانة وفساد زوجته، أقصد شعبه ، ولو عرف لسارع لقتله وهو متلبّس في الفراش دون محاكمة, فما حاجتنا للمحاكمات والكلام الذي سوف يتناثر هنا وهناك والشائعات التي ستتناسل من بعضها البعض ، فغسل الشرف، أقصد محاربة الفساد لا يحتاج إلى محاكم “وقواضي” لا سمح الله, لطالما كانت الزوجة الخائنة أذكى من الزوج المخدوع المغفل ، وكذلك الشعوب العربية الخائنة أخبث من القائد العربي العبقري الملهم الطيب القلب والمتمتع بالطهارة التي ليس لها مثيل على هذه الأرض… ولطالما صور الإعلام العربي المغفل الحكام كالأزواج المغفلين لا يعلمون ما يدور خلف ظهورهم، وأن جميع من حولهم لا يوصلون لهم الحقيقة ويتآمرون عليهم, ولطالما بقي الشعب العربي “قابيل التاريخ” مجرماً في حق حاكمه العربي “هابيل العصر”, فهل بعد هذا نقول إلا كان الله في عونكم أيها الحكام التاريخيين والقادة الملهمين على ما ابتلاكم الله بشعوب خائنة وفاسدة لا دواء لعلتها، وها أنتم اليوم تصحون على كابوس الخيانة العلنية التي خرجت من السرية والمخادع الخلفية إلى العلن والمواجهة والرعونة إلى حدّ الجنون والإنحراف، فمن هو المسؤول هذا الحاكم الغافي لأزمنة من الإسترخاء الطويل، أم ذاك الجاني الذي قضى في ظروف غامضة بعدما أسس ل”قاعدة ” من التعصبّ الأعمى والتطرّف المجنون، أم ل “الفن ” الهابط الذي يكتسح شرائح المجتمع دون تميز وجعلها في تسطيح فكري وتخريب ذهني قضى على الذائقة والأخلاق معاً….؟

 

عمرو المقدسي

شاعر وأكاديمي فلسطيني / معيد في جامعة تكساس – أميركا

 

 

 

You may also like