Home أقلام إلّا طالبان لم تبرد قلوبهم الحاقدة وقلوبهم الجاهلة إلا بتدمير تمثالي “بوذا ” في أفغانستان

طالبان لم تبرد قلوبهم الحاقدة وقلوبهم الجاهلة إلا بتدمير تمثالي “بوذا ” في أفغانستان

by رئيس التحرير

د. ناجي كرم / باحث ومتخصص لبناني في علم الآثار

تدمير آثار بلد ما هو اقتلاع شعب من جذوره.. ففي أيّة زيارة سياحيّة لبلد أجنبي، أول ما يبحث عنه السائح هو الأماكن الأثريّة التي تعيد أمجاد الشعوب وتاريخها العريق. لكن المفارقة هي أننا لا نحافظ على نفس تلك الآثارات التي نلهث وراءها، و الأسباب وراء ذلك متعدّدة، “فترويْ” المكتشفة من قبل شليمن، وهي تسع مدن فوق بعضها البعض، قد دمرت باختراع جديد: هو الديناميت!

أمّا طالبان، فلم يبرد قلوبهم المملوءة حقداً، وعقولهم الجاهلة، الا حيى دمّروا تمثاليّ البوذا في أفغانستان سنة 2001 لكن الأخطر من ذلك، هو إخفاء آثارات بأكملها وإلحاقها بشعوب أخرى، كأن تبحث عن تاريخ للفلسطينيين فلا تجد إلا تاريخا يهودياً!

أما نحن، فلسنا أفضل ألشعوب حفاظا على تاريخنا وماضينا. وإن سألنا عن ماضينا أكثر ما يمكننا قوله:” نحن فنيقيون.” للأسف ليس الأمر بهذه السهولة كما يوضحه لنا د.ناجي كرم، رئيس قسم الأثار سابقا في الجامعة اللبنانية، ومدير معهد الأبحاث الفينيقية حاليا.

الفكرة التي تعتبر أن الأثار هي “للسياحة”، بعيدة كل البعد عن الحقيقة، فالأثار تُستغلّ للسياحة، لكنها فعليا الجزء الأهم من التراث. هي جذور الشعب في أرضه، والذاكرة الجماعية لذلك الشعب. فإن مُحيت أثار ما، فقد اقتلعت شعبا من جذوره. المتعارف عليه بين العلماء كتقليد اجتماعي، أن المستقبل يبنى على جذور الماضي، وبإمكانات الحاضر.، إذاً هو رابط بين الماضي والمستقبل. الاعتناء بها كالاعتناء بالشجر الذي يمدنا بأوكسيجين الحياة، كما تمدنا الآثار بأوكسيجين البقاء لآلاف السنين!

الوسط التجاري في بيروت هو أكبر دليل على محاولة القضاء على جذور أهالي بيروت. فقد أتت مؤسسات عالمية فيها أموال البترودولار، فقامت الجرافات بجرف الآثار تلك، ولم يترك فيها إلا التلّ الفينيقي، وهو مهمل أصلا. في وسط بيروت آثار  تعود إلى خمسة آلاف سنة.

هي من نفس عمر مدينة الحرف جبيل، وفيها استمرارية الوجود، وعدم الانقطاع منذ الألف الثالث. أي أن الشعوب السابقة كالرومان لم تطرد الشعب الذي كان موجودا، والبيزنطيون والعرب قاموا بالمثل. تسعون بالمئة من آثارات وسط بيروت قد جرفت إذن.

من حظ ساحة البرج أنها بقيت كونها ملك للدولة ولا يمكن لسوليدير أن تبيعها. لم يتمّ مثلاً جرف الآثارات بين الكنائس هناك، لأن المُخطط اعتمدها كحديقة عامة.

أما جبيل فقد تم الحفاظ على آثارها، وهي من أهم المواقع في العالم. الأهم في آثاراتنا أن الشعوب سكنتها من دون انقطاع، مما يجعل ذلك مرجعا للذين ينقّبون عن الأثار.

فمثلا أريحا لم تكن مأهولة دائما والشيء نفسه في أوغاريت، فقد دمرت ولم يتكرر البناء. وبقيت المشكلة أن الحفريات في بيروت وجبيل وصيدا لم تكتمل، على الرغم من ظهور آثار جديدة. و في كامد اللوز مثلا، هناك تلّ هام جداً، يعود للألف الثالث، تضرّر خلال الحرب، ثم أرسل ابن الراحل الرئيس إلياس الهراوي جرافات ليقضي على ما تبقى منها.

أمّا في الصرفند، ثمة مدينة أثرية متكاملة . كذلك صور، وتحوي معبداً فينيقيا يعود للألف الثالث، من الفترة الرومانية-البيزنطية.لهذا قام موريس شهاب، مدير عام الآثار، بإيقاف البناء لأنه رأى أنها تكاد تمحي الآثار الموجودة في بعلبك، لم يتم التنقيب كما يجب، وهناك آثار تحت أوتيل بالميرا.

 

ولا بدّ من فرض الرقابة على عمليات البناء للحفاظ على أي أثار ممكن أن تكون موجودة أصلا ولم يتم التنقيب عنها. د.ناجي يخبرنا أن المدير العام الحالي سركيس خوري يعمل لكي يتم الحفاظ على الآثارات، لكن الموازنة، كعادتها، لا تكفي.

أما بالنسبة لكيفية استغلال تلك المواقع سياحيا، فالنصف تأخذه البلدية، أما النصف الآخر يذهب لوزارة المالية. بالرغم من أن الآثارات التاريخية تابعة لوزارة الثقافة، لكن استغلالها المادي يعود لوزارة السياحة. تحتل الآثارات هذه الأيام أهمية سياحية كبرى، وفي لبنان بالذات لم يعد للسياحة الترفيهية مقوماتها، بسبب ازدياد الأسعار بشكل غير منطقي.

إضافة أن الأوروبيين تهمّهم الزيارات للآثار التاريخية ، ومن هنا، تجب علينا المحافظة عليها لتنشيط السياحة، بتخفيض الأسعار وتقديم أفضل العروضات.

يخبرنا د.ناجي أن “متحف بيروت ” أهم عالمياً من “متحف القاهرة “، لأن متحف القاهرة لا يمثّل كل الحضارة المصرية، بعكس المتحف الوطني، الذي يمثّل كل الحضارات التي مرّت على بلادنا.

لكنّ المشكلة في المتحف، أن طريقة العرض ليست ملفتة، والسبب يعود إلى عدم استقدام اختصاصيين لجعل طريقة العرض تليق بأهمية الأثار.

كما يأتي تدمير الأثار التي تقوم بها جماعات إرهابية كداعش، كما فعلوا بتدمر مثلاً، فما هو إلّا اقتلاع لجذور الشعب ومَحْيٌ لتاريخ هذه المنطقة.

ومن حسن الحظ أن خرائط تدمر كلها موجودة، وبالأمكان إرجاعها كما كانت، لكن يبقى السؤال الأهم هل يعيد ذلك حقيقتها الأولى؟ .

يفضّل د. ناجي عدم إعادة بناء ما تهدّم، (كما فعل آل الحريري بالجامع الأموي في بعلبك) بل عمدوا إلى ترميمه فقط، بتغيير لون الحجر مثلاً، لتبيان أن تلك المساحة قد رمّمت.

و يعتبر د. كرم أنه توجد جمالية أكثر بعدم إكمال ما قد دمر، ويشدد د.ناجي على الخطر المحيط بتدمير الآثار، فالهدف من التهويل المحيط بالمسجد الأقصى بإمكانية تدميره، هو ضرب مركز الحج الثاني للمسلمين، أي ضرب الإيمان من جذوره.

ويتغنى موشي دايان في مذكراته بكل ما يمتّ بصلةٍ إلى الآثار وبأنها الروح الحقيقية للإنسان، وبأنها الوثيقة التاريخية للإنسان ووسيلة خلوده!

وبالطبع ما يفعله الدواعش وأربابهم الصهاينة  هو خير دليل على المخطّط الخبيث الذي ينفذونه حرفيا وخطوة خطوة لاحتلال المنطقة وتفريغها والقضاء على معالمها.

أتمنى ألا نستيقظ يوما ما في أرض قاحلة، لا يحيط بها إلا الرماد، وما هو في واقع الأمر إلا بقايا حضارة وتاريخ نكون قد نسيناهما، وتلهينا بردّات فعلٍ تجاه بعضنا البعض لا جدوى منها وبعد فوات الأوان، ولا توصلنا في النهاية إلا إلى حتفنا المخطط له دون أدنى شك.

 

إعداد الحوار والتنسيق / ديانا الزين أكاديمية لبنانية – بيروت

 

خاصّ – إلّا –

You may also like

1 comment

لوليتا 15/01/2016 - 5:57 مساءً

وماهي الفائده التي كانت تعود على دكتور الأصنام وعلى المجتمع في حال بقائها ! من يعبد الله تعالى وحده لاشريك له لن يعظم الأصنام التي يعبدها البلهاء وهي لاتغني عنهم من الله شيئا

Comments are closed.