Home لـوثـة إلّاأدب عصام الغازي يتذكّر (7)

 

561809_170

عصام الغازي كاتب وشاعر وصحافي – القاهرة / مصر العربية

 

في أول زيارة له للقاهـــرة تنبأ بكل ما نعيشه اليوم من أكاذيب طائفية وتزويـــــــر للدين وضياع لهيبـــــة الأمـــــة

 

شاعر المقاومة الفلسطينية  سميــح القــاسم:

أمتي تستجدي الهوية الاسرائيلية

وسأضطر لتأسيس أمة جديده!  

 

 

  • نحن قوم تجوز الشماتة فينا ولا تجوز لنا.
  • نستمرئ الاهانات وصرنا أمة بلا مهابة.
  • عبد الناصر لم يكن مجرد قائد سياسي كان أملا ورؤيا.
  • أنا مع العمل الثقافي الفدائي الذي يلتف على الأجهزة والأنظمة والأكاذيب الكبيرة.

 

حين مضيتُ للقائه في فندق شبرد المطل على النيل ؛  بعد أن خطت قدماه – رحمه الله –  لأول مرة تراب القاهرة، كان صوت مارسيل خليفة يدوي في خاطري برائعته:

“منتصب القامة أمشي / مرفوع الهامة أمشي / في كفي قصفة زيتون / وعلى كتفي نعشي”.

لم أكن أصدق عيني أن سميح القاسم أمامي، أتقاسم معه طاولة واحدة هنا في القاهرة .

( حين كنت أسهر في مقهى ريش مع أمل دنقل ونجيب سرور وغيرهما من مبدعي ومثقفي هذه المرحلة من سبعينيات القرن الماضي، كان أمل دنقل يحدثنا عن سميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق الزياد واميل حبيبي وكأنهم كائنات خرافية تعيش في كوكب آخر اسمه اسرائيل، ولا أمل في لقائهم الا بزوال اسرائيل)

أمل دنقل

الشاعر أمل دنقل

ربما كان المكسب الشخصي الوحيد لي من ” كامب ديفيد” أنها أتاحت لي لقاء سميح القاسم واميل حبيبي، وأتاحت لهما لأول مرة منذ نكبة 1948 زيارة القاهرة كأول عاصمة عربية تطؤها أقدامهما.

إميل حبيبي

إميل حبيبي كاتب وصحافي وسياسي فلسطيني

كنت أدخر له كلاما كثيرا وأسئلة لا نهاية لها، عن طفولته وعن مشاعره وهو مرغم على التجنيد في الجيش الاسرائيلي. كيف كان يرى مصر عن بعد بشعرائها وأدبائها؟.

أول سؤال قفز على كل الأسئلة ، وتعجلت أن أسمع اجابة عليه كان: كيف كنت ترى جمال عبد الناصر من هناك، من فلسطين المحتلة؟.. قال لي سميح القاسم:

حين وقعت النكبة عام 1948 كنت في التاسعة من العمر، طفل يشعر بالاهانة والخزي لهزيمة الجيوش العربية ودخول الجيش الاسرائيلي ، رأينا البطل العربي الذي جاء لينقذنا ويخلصنا فأرا جبانا، أذكر وجوه الضباط الهاربين من وطني  تركونا وهربوا من الرملة في الجليل.

سميخ-القاسم.jpg22

الشاعر الفلسطيني سميح القاسم

شاهدت الخيانة وجها لوجه ولمستها. رأيتها بعيني  وقلنا لا بأس  فالتاريخ طويل، فقط بظهور عبد الناصر شعرت كفتى بأن هذا الرجل أشبه برسول جديد. عودة تاريخ.. شعرت أن هذا الشخص يجدد أمة ، رسول ينهض بأمة . انتصبنا. ارتفعت قامتنا. فالقول بأن عبد الناصر أساء وظلم واضطهد، قد يكون صحيحا لكن رؤيتي من داخل الوطن، تحت الحكم العسكري وتحت القمع، لم تتح لي سوى رؤية العام، لم أدخل في التفاصيل، لذلك فبالنسبة لي ولجيلي كان هو “الحلم”. فلم يتمكن قائد أو زعيم في تاريخ العرب الحديث من تجسيد  حلم الأمة، كما فعل عبد الناصر.

أنا عاتب على عبد الناصر أنه لم يصعد لمستوى هذا الحلم، هو لم يخن الحلم،كأنما لم يدرك ماذا يعني بالنسبة للأمة كلها لم يكن مجرد قائد سياسي كان أملا ..رؤيا.

للأسف الشديد، ربما بجكم الأجهزة المحيطة به، وبحكم قدرته المحدودة أيضا كانسان، لم يرق الى مستوى هذا الحلم، وتركنا فريسة لصغار الحكام، والحكام الموظفين. هذا موظف لدى أمريكا،وذلك موظف لدى فرنسا، وذاك موظف لدى اسرائيل. اسرائيل أيضا لها موظفوها في الأوساط الحاكمة، وكل دولة غربية طامعة في هذه الأمة. عبد الناصر وأحمد بن بيللا وبعض الشباب الذين لم يتح لهم أن يثبتوا أنفسهم في الحكم لأنه أطيح بهم في الانقلابات العسكريةبالذبح. بالقمع. بالطعيان، هؤلاء شكلوا الأمل.

سميح القاسم 3

سميح القاسم

( عنقي على السكين ياوطني

ولكني أقول لك : انتظرني

ويداي خلف الظهر ياوطني

مقيدتان

ولكني أغني

لك .. ياجرحي أغني

أنا لم أخنك فلا تخني

أنا لم أبعك فلا تبعني!)

 

ويكشف لي سميح عن جرحه السري الغائر في وجدانه:

أنا مواطن فلسطيني، هويتي عربية، وتجربتي مع اسرائيل في نهاية الأمر هي تجربة انسان يحاول الحفاظ على انسانيته، ويؤسفني أنني في هذه الأيام لدي احساس رهيب بأنني أتعرض للتخلي، أمتي تستجدي الهوية الاسرائيلية وتتخلى عني،ولذلك قد أضطر الى تأسيس أمة جديدة بحضارتي العربية الاسلامية العريقة والجميلة، قد أضطر الى تأسيس أمة جديدة.

وسألته عن التحولات في قصيدة المقاومة عنده وعند  محمود درويش قبل وبعد خروج الأخير من فلسطين الى المنفى..قال لي:

بدون شك هناك تحولات في قصيدتي وفي قصيدة محمود درويش وصداقتنا وهذه التوءمة لا تعني أننا نكتب قصيدة واحدة، فلكل منا ملامحه وطابعه وشخصيته،لكن هناك حالة من التكامل بيننا  بقدر ما يكمل أحدنا الآخر على المستوى الانساني. أعتقد أن هناك تكاملا أيضا على المستوى الشعري، هناك أمور في قصيدتي غائبة في قصيدة محمود، وأمور في قصيدته لن تجدها في قصيدتي. عملية التكامل هذه هي ما يميز ظاهرتنا وليس التنافس والتفاضل.

ويواصل سميح  ضاحكا:

محمود درويش

الشاعر الفلسطيني محمود درويش

لماذا تربطون التطور في التقنيات الشعرية بالخروج من فلسطين؟!

هناك من يعتقد أن خروج محمود ساعده في تطوير أدواته الشعرية، وهذه نظرية غير دقيقة فباستطاعتي  أن أفعل ذلك، وأن أطور أدواتي الشعرية وأتجاوز ما هو موجود في الوطن العربي، هذه مسألة غير مرتبطة بالجغرافيا، انما هي مسألة شخصية جدا ومسألة ثقافة واجتهاد.

وفي اشارة منه لمفهوم التجاوز والتخطي الذي طرحه أدونيس، قال:

هناك من يعتقدون بضرورة الانقطاع عن التاريخ بمفهومه السياسي والاجتماعي ، ويتكلمون عن القصيدة المطلقة ذات القيمة التي لا ترتبط بزمن ومكان وحدث وشعب ووطن.

بالنسبة لي أرى أن العمل الأدبي بشكل عام على علاقة ديالكتيكية مع التاريخ ومع الانسان، وأزعم أن قصيدتي أسهمت في تكوين الحدث الفلسطيني والعربي على المستوى الانساني. الحكام لا يقرأون وهذه مسألة أخرى، لكنه على مستوى الأفراد، أزعم أن قصيدتي وقصائد زملائي أسهمت في التهيئة للحدث، وفي الوقت نفسه مع وقوع الحدث.

 

وتحدثنا عن استشراف الشاعر للأحداث وقدرته على اختراق الزمن، قال سميح:

لا أدعي النبوة. لكنني بعد سنة قضيتها في الاتحاد السوفييتي وبعد زيارات متكررة لمختلف الدول الاشتراكية، أحسست أن ما يجري هناك ليس تجسيدا للحلم الانساني بالحرية والعدالة، أحسست أن هناك خللا والتعبير عن هذا الخلل ، وهذه الظواهر المخلة بالحلم ، حدث. لكني لم أتصور انهيار الاتحاد السوفييتي، تصورت حدوث تغييرات وتمنيت نجاح “البيروسترويكا” و ” الجلاسنوست” لأنه في نهاية الأمر لم يكن هذا الانهيار في صالحنا كعرب.

سميخ-القاسم

سميح القاسم

وهناك شماتة حدثت في الاعلام العربي، لنكن صريحين ، نحن قوم تجوز الشماتة فينا ولا تجوز لنا. من نحن لنشمت بأي دولة وبأي شعب في العالم؟ نحن في الحضيض وهذه حقيقة. ولا أعتقد أنه في التاريخ العربي والاسلامي ، تورطنا في وضع نفقد فيه مهابتنا بهذا الشكل ، للأسف الشديد أحس بأننا في هذه الأيام ” أمة بلا مهابة”، وأصبحت بغاث الطير قادرةعلى استفزازنا واهانتنا صباح مساء ونحن نستمرئ هذه الاهانات، يحس المرء برغبة مستمرة في البكاء والصراخ، لكن الصراخ في صحراء قاحلة لن يجدي كثيرا ( وكأنه زرقاء اليمامة يرى ما هو قادم في زماننا)، لذلك أنا مع العمل الفدائي الثقافي، والعمل الفدائي الثقافيبالنسبة لي هو محاولة الالتفاف على الأجهزة والأنظمة والمؤسسات والأكاذيب الكبيرة التي تملأ حياتنا، فكرنا، ثقافتنا، ممارستنا، سلوكنا، سياستنا، واقتصادنا!.

هذه الكذبة الكبيرة المقززة أحاول الالتفاف عليها بالاتصال المباشر بالانسان العادي، أبوح له بأوجاعي الحياتية التي هي أوجاعه أيضا. وقد ينشأ بمرور الزمن فدائيون ثقافيون آخرون عندها قد نستطيع اعادة بناء انسان عربي نظيف حر وجميل وجريء.

ويواصل سميح القاسم تجلياته على مسامعي، وكأنه يعيش معنا ويشهد كل ما وقع بعد رحيله:

 

أحس أحيانا أننا في حالة مسخ رهيب،أكاذيب الاقليمية، أكاذيب الطائفية،تزوير للدين ، واستغلاله بصورة بشعة لمآرب دنيوية حقيرة،وتوظيف الايمان لدى بسطاء الناس في مصارف وشركات، ومافيا في الفكر والاقتصاد والسياسة، ولكنها تابعة، مافيا تابعة لمافيا أكبر.

ثم يصل سميح القاسم في بوحه لذروة المرارة:

نحن لا نملك عصمتنا،لا كأمة، ولا كمؤسسات ، ولا كحكومات، ولا كثقافة، ولا بد من البحث عن عاصفة جديدة تكنس وجه الصحراء، تعيد لصحراء العرب ألقها الأصلي والأصيل والنظيف.

يخيل الي أحيانا أن ” محمدا” سيبعث من جديد،لألآن الأصنام تتكاثر كالخلايا السرطانية،وأنا كشاعر أحاول من زاويتي الخاصة أن أؤدي رسالتي بشرف، لأنني لا أملك سوى شرفي الخاص.

(فلنبك ياحبي دما

ولنبك ..آه.. كالنساء

ملكا مضاعا

لم نصن حرماته مثل الرجال)

سميح القاسم

————————————————————————

 

خاصّ – إلّا –

You may also like

1 comment

اشرف عبدالمنعم 12/12/2015 - 3:38 مساءً

الاستاذ عصام الغازى صحافى وكاتب وشاعرممتازجدا بالتوفيق دايما لاستاذ الكبير

Comments are closed.