Home أقلام إلّا عن بزوغ الفجر الروسيّ الجديد..!

عن بزوغ الفجر الروسيّ الجديد..!

by رئيس التحرير
جمال دملج إعلامي وكاتب لبناني

جمال دملج – إعلامي وكاتب لبناني

إذا كانت الأحلام والأفكار الكامنة في اللاوعي هي المكوّن الأساسيّ لحياتنا الإنسانيّة، فإنّ الروح بعناصر قوّتها الثلاثة المتمثّلة بـ “الشهوة والعقل والشجاعة”، وفقًا لما حدّده أبو الفلاسفة أفلاطون في مؤلّفاته، لا بدّ وأن تكون المرآة الأكثر تعبيرًا عن الطريقة المثلى لتحويل تلك الأحلام والأفكار إلى حقائق راسخة ووقائع ملموسة، سيّما وأنّ الكثير من مظاهر السلوك البشريّ، يُمكن تفسيرها من خلال الترابط القائم بين العنصريْن الأوّليْن في قوّة الروح، أي الشهوة والعقل. فالشهوة هي التي تدفع الناس عادة إلى السعي من أجل الحصول على أشياءَ خارجةٍ عن الذات البشريّة، بينما يُبيّن لهم العقل (أو التقدير الواعي) أفضل السبل للحصول عليها. أمّا العنصر الثالث، وهو الأهمّ، في مقوّمات قوّة الروح، فيتمثّل في سعي الغالبيّة العظمى من البشر إلى نيْل الاعتراف بقدْرهم، أو بقدْر الأشخاص أو الأشياء أو المبادىء التي يروْن لها قدْرًا كبيرًا. وهذا الميْل إلى إضفاء قيمة معيّنة على الذات، وإلى مطالبة الغير بالاعتراف بهذه القيمة، ينشأ عن عنصر الشجاعة الذي أشار إليه أفلاطون في قوّة الروح، وهو ما يسمّى اليوم في الاستعمال اللغويّ الشائع: “عزّة النفس”.

علاوة على ذلك، فإنّ سعي الناس إلى نيْل الاعتراف بقدْرهم، قد يكون ناجمًا أيضًا عن ذلك الحسّ الإنسانيّ الفطريّ بـ “العدالة”، وهو الحسّ الذي شكّل على مرّ العصور جانبًا مألوفًا تمامًا من جوانب الشخصيّة الإنسانيّة. فبحسب الفيلسوف هيجل، نجد أنّ الكائنات البشريّة، شأنها في ذلك شأن الحيوانات، لديها احتياجات طبيعيّة وتطلّعات إلى أشياء خارجها، كالطعام والشراب والمأوى، ثمّ فوق كلّ شيء إلى حماية أجسامها. ولكنّ ما يجعل الإنسان مختلفًا بشكل أساسيّ عن الحيوان، وبالإضافة إلى ما سبق، يتمثّل في أنّه “يرغب”، ويتطلّع إلى “رغبة” الآخرين، أي أنّه يريد منهم الاعتراف به وتقديره.

هذا الوجه الآخر من عزّة النفس والحسّ الإنسانيّ الفطريّ بالعدالة، يفنّده هيجل ليكشف عن ثلاثة جوانب في غاية الأهميّة تتفرّع عنه، وتتمثّل في الأسباب الرئيسيّة التي غالبًا ما تثير في الإنسان الإحساس بالغضب أو بالفخر أو بالخجل. وعلى سبيل المثال، فإنّ الذين يعتقدون أنّ لهم قدْرًا معيّنًا، لا بدّ وأن يغلب عليهم الشعور بالغضب إذا ما عاملهم آخرون بقدْر أقلّ ممّا يظنّونه لأنفسهم، ولكنّهم سيشعرون بالفخر بكلّ تأكيد إذا ما لقوا تقييمًا صحيحًا يتناسب مع قدْرهم. أمّا الذين شاءت لهم أقدارهم أن يفشلوا في أن يعيشوا حياة تتّفق مع إحساسهم بقدْرهم، فإنّ الشعور بالخجل هو الذي سيغلب عليهم لا محالة. وعلى هذا الأساس، يؤكّد هيجل أنّ الرغبة في نيْل الاعتراف والتقدير، وما يصاحبها من مشاعر الغضب والفخر والخجل، ليست جانبًا بالغ الأهميّة من جوانب الحياة الإنسانيّة وحسب، وإنّما هي المحرّك الأساسيّ لعمليّة التاريخ بأسرها. ويذهب إلى حدّ القول إنّ هذه الرغبة، هي التي كانت تدفع أيّ متصارعيْن بدائيّيْن في قديم الزمان إلى المخاطرة بحياتهما بالدخول في عراك حتّى الموت، نظرًا لأنّ كلًّا منهما يسعى إلى نيْل اعتراف الآخر بآدميّته، مشدّدًا على أنّه إذا ما حدث أن أدّى الخوف الطبيعيّ من الموت بأحد المتصارعيْن إلى الخضوع والإذعان، ستنشأ على الفور ما سمّاها: “علاقة السيّد بالعبد”.

وطالما أنّ هدف المخاطرة في هذه المعركة الدمويّة المندلعة منذ فجر التاريخ، لا تحدّده اعتبارات بيولوجيّة، نظرًا لأنّها ليست مخاطرة بالطعام أو المأوى أو الإحساس بالأمن، بقدْر ما هي مخاطرة من أجل المنزلة المحضة، فإنّ هيجل يرى فيها أولى بوادر الحرّية الإنسانيّة. كما يرى أيضًا أنّها أدّت إلى تقسيم المجتمع الإنسانيّ إلى طبقة من السادة على استعداد للمخاطرة بحياتهم، وطبقة من العبيد الذين استسلموا لمشاعر الخوف الطبيعيّ من الموت، علمًا أنّ تلك العلاقة، وبالرغم من اتخاذها لأشكال متنوّعة كثيرة في كافّة المجتمعات الأرستقراطيّة غير المتكافئة التي تميّز بها القدْر الأكبر من تاريخ البشريّة، فإنّها فشلت في نهاية المطاف في إشباع الرغبة في نيْل الاعتراف والتقدير لدى الطبقتين على حدّ سواء، أي طبقة السادة وطبقة العبيد، الأمر الذي أفقد الروح أحد أهمّ عناصر قوّتها المتمثّل بالشجاعة وعزّة النفس، وأثّر بشكل سلبيّ على عنصريْ الشهوة والعقل، وأدّى إلى كبت الحسّ الإنسانيّ الفطريّ بالعدالة، وحال بالتالي دون انتعاش المكوّن الأساسيّ لحياتنا الإنسانيّة عن طريق تحقيق الأحلام والأفكار الكامنة في اللاوعي وتحويلها إلى حقائق راسخة ووقائع ملموسة.

هذا الواقع المرير الذي فرضته الرؤية الآنفة الذكر، ظلّ يتجلّى في مسيرة البشريّة، حقبة زمنيّة وراء أخرى، على شاكلة صراعات وحروب وكوارث، دون أن تُفلح عمليّة الانتقال الطبيعيّ من عصر الظلام إلى عصر النور، ولا عمليّة التحوّل المبرمج من العصر الحجريّ إلى العصر التكنولوجيّ، في الحدّ من تخبّط عناصر قوّة الروح الثلاثة ببعضها البعض. وليس من باب المبالغة القول إنّ الإنسان أصبح أكثر توحّشًا مع أخيه الإنسان، قياسًا بما دأبت على أن تكون عليه الحال في كلّ ماضٍ غابر بالتدرّج نحو القِدَم، وخصوصًا في عالمنا المعاصر الذي نعيش في الوقت الراهن على إيقاع تخبّطه ومآسيه، حيث تحوّل النور إلى نار تُحرِق عوضًا عن أن تُضيء، وأصبحت التكنولوجيا وريثة (غير شرعيّة) للأيديولوجيا وليس امتدادًا لها، لنجد في نهاية المطاف أنّ كلّ ابن آدم منّا، أصبح بكبسة زرّ مجرَّدَ رقم مجرَّدٍ من قيمته الإنسانيّة ومضمونه الفكريّ، عوضًا عن أن يكون فردًا في مجتمع وجزءًا من عقيدة أو رسالة.

وإذا كان السؤال الذي يُفترض أن يطرح نفسه الآن هو: لماذا يا ترى يأتي هذا السرد الفلسفيّ في صلب مدخل كتاب يحمل عنوان “البوتينيّة – أسس العقيدة السياسيّة الروسيّة الحديثة”؟ فإنّني سأستلهم الجواب باختصار من وهج الموقف الذي كان مؤسّس روسيا الحديثة فلاديمير بوتين قد عبّر عنه لدى فوزه للمرّة الأولى في دورة الانتخابات الرئاسيّة التي أجريت في شهر آذار (مارس) عام 2000، عندما قال إنّ “روسيا الاتحاديّة دولة ما زالت تمتلك الكثير من عناصر القوّة، وهي ترغب في استعمالها مع الآخرين وليس ضدّهم، من أجل بناء عالم متعدّد الأقطاب”، داعيًا بذلك الولايات المتحدة الأميركيّة إلى التسليم بضرورة إنهاء عصر أحاديّة القطب الذي تمكّنت خلاله واشنطن من التحكّم بمفردها بالساحة الدوليّة في أعقاب تفكّك الاتحاد السوفييتيّ عام 1991، أو بمعنى أدقّ، إلى إلغاء المفاهيم التي تقوم عليها “علاقة السيّد بالعبد”، بما يضمن قدسيّة الاعتراف بقيمة وقدْر كلّ ابن آدم في هذا العالم تحت مظلّة القانون الدوليّ، ويؤدّي إلى تكريس أسلوب اللجوء إلى آليّات التفاوض والحوار العصريّة التي أفضت إليها عمليّة الانتقال الطبيعيّ من عصر الظلام إلى عصر النور، إذا ما ظهرت أيّ مشكلات أو نزاعات بين الآدميّين من شأنها تهديد الأمن والسلم الدوليّيْن، وذلك عوضًا عن التمسّك بنزعة المتصارعيْن البدائيّيْن الحجريّة التي شكّلت خلال التاريخ المعاصر سمة أساسيّة من سمات السلوك السياسيّ الأميركيّ في أماكن مختلفة من العالم، دون أن تخلّف وراءها إلّا القليل من العبيد والكثير من الموتى.

هذا الموقف البوتينيّ الممسوس بشبق وطنيّ – إنسانيّ جارف ملؤه الطُهر والشرف والصدق، وليس ذلك الشبق الداعر الذي ابتُلي به الكثيرون من صيّادي المناصب والكراسي والسلطة والنفوذ في مختلف أصقاع الأرض، لم تقتصر أصداؤه على التردّد ضمن دائرة مجرّد بارقة أمل عابرة أضاءت للناس طريقهم على إيقاع صخب بداية الألفيّة الثالثة وحسب، بل إنّه سرعان ما شكّل نقطة ارتكاز لإعادة صياغة الوعيّ الإنسانيّ بما تقتضيه أصول احترام قدسيّة وخصوصيّة الهويّات الوطنيّة للشعوب من واجبات، داخل روسيا الاتحاديّة وخارجها، وخصوصًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ الظروف التي رافقت عمليّة تكوّن واكتمال ونضوج “العقيدة البوتينيّة” فيما بعد، حملت من الدلالات ما يكفي للتأكيد على أنّ فلاديمير بوتين حين تسلّم مقاليد الحكم في قصر الكرملين في اليوم الأوّل من أيّام القرن الحادي والعشرين بصفة رئيس بالإنابة، إثر استقالة الرئيس الراحل بوريس يلتسين، كان يريد بالفعل الولوج إلى القرن الجديد بإشارات ناصعة ومشرقة، معتمدًا على حقّ بلاده الطبيعيّ في أداء ما يليق بمكانتها وقدْرها من أدوار داخل المنظومة العالميّة، عن طريق الحوار وليس عن طريق المواجهة، أملًا في تصحيح مسار البوصلة الأميركيّة التي كادت أن ترمي الكرة الأرضيّة، من أقصاها إلى أقصاها، في الجحيم، على خلفيّة ما اقترفته الإدارات المتعاقبة على سدّة الرئاسة في البيت الأبيض بحقّ العالم من ذنوب، ومستمدًّا رونق حضوره من عناصر قوّة الروح الروسيّة التي كان ناسك القلم اللبنانيّ ميخائيل نعيمة قد وصفها يومًا في إحدى مقارباته حول رواية “الحرب والسلام” الشهيرة لعميد الأدب الروسيّ ليو تولستوي بأنّها “تتطلّع دائمًا إلى السلام والحبّ والتسامح، وعدم مقاومة الشرّ بالشرّ، والبحث عن الحياة في الموت، والنظام في الفوضى.”

لقد قُدّر لي خلال تلك المحطّة الأكثر إشراقًا في التاريخ الروسيّ الحديث أن أكون شاهد عيان على ما حمله هذا الموقف البراغماتيّ للرئيس بوتين من بشائر خير للمجتمع الروسيّ برمّته، نظرًا لأنّني كنت قد تمكّنتُ من رصد ومتابعة تداعياته الداخليّة والخارجيّة خلال الفترة التي عملتُ فيها بصفة مراسل تلفزيونيّ في موسكو ما بين أواخر عام 1999 ومنتصف عام 2003 لـ “قناة أبو ظبي الفضائيّة”، ومن ثمّ لـ “قناة العربيّة”، الأمر الذي دفعني وقتذاك، أي قبل خمسة عشر عامًا، إلى المبادرة بدعوة الدول العربيّة التي ذاقت الأمرّين من براثن القطب الواحد ومخالبه، للاستثمار سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا في روسيا، قبل أن تطالب السفيرة الأميركيّة السابقة في دولة الإمارات العربيّة المتحدة من وزير الإعلام الإماراتي وقتذاك الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان بنقلي من روسيا إلى بريطانيا، بحجّة أنّني طيرٌ يغرّد خارج السرب، سيّما وأنّني كنتُ قد غرّدتُ قبل ذلك التاريخ بعام ونصف العام تقريبًا لصالح الصرب، ضدّ أسراب المقاتلات الأميركيّة والأطلسيّة التي شنّت عشرة آلاف وأربعمئة وأربعٍ وثمانين غارة جويّة على يوغسلافيا، أثناء تلك الحملة العسكريّة اللئيمة التي استغرقت سبعة وسبعين يومًا، والتي قدّر لي أن أقوم بتغطية وقائع فظاعاتها كموفد لـ “قناة الجزيرة الفضائيّة” إلى منطقة البلقان، منذ اليوم الأوّل وحتّى ما بعد اليوم الأخير، قبل أن تخون “الجزيرة” شعار “الرأي والرأي الآخر” الذي ترفعه، وأستقيلَ من العمل فيها على خلفيّة أبعاد الحدث اليوغسلافيّ.

كنت أحمل في سجلات سيرتي الشخصيّة حتّى تلك الأيّام الكثير من الصور لمدن في العالم، أمضيتُ أكثر من عشرين عامًا من حياتي في التجوّل على أرصفتها، بدءًا من العاصمة القبرصيّة نيقوسيا التي عشتُ فيها أكثر المواقف خطورة في ميدان العمل الصحفيّ إثر تحوّلها في أعقاب اندلاع الحرب اللبنانيّة في منتصف عقد السبعينيّات من القرن العشرين إلى إحدى أرذل مراكز العمل الاستخباريّ في العالم، مرورًا بأثينا وإسطنبول وبوسطن ولندن وسكوبيا وبلغراد وبريشتينا التي اختلط الحابل بالنابل أمام عيوني أثناء تأدية مهام عملي فيها بسبب التباين الهائل بين ما كان يشاع عنها في وسائل الإعلام الغربيّة وما كان يجري في الحقيقة على الأرض، ووصولًا إلى موسكو التي لم يعدني أحد بها من قبل، والتي سأكتشف فيها كم أنّ هذه البلاد رائعة قياسًا بما يُقال عنها في الغرب، لا بل قياسًا بالغرب برمّته.

ولعلّ نظرة واحدة بالعين المجرّدة، وبتجرّد، إلى ما شهدته السنوات العجاف التي مرّت في الروزنامة الروسيّة خلال عقد التسعينيّات من القرن العشرين، لا بدّ وأن تكون كافية لإقناع الرائي بأنّ سمات الضعف التي صُبغت بها مرحلة حكم الرئيس الراحل بوريس يلتسين من بدايتها إلى نهايتها، وإن كانت هي التي فتحت الباب الروسيّ على مصراعيه أمام ظهور طبقة من المفسدين المحليّين مثل طواغيت المال الأوليغارشيّين الذين أمعنوا باسم الخصخصة في نهب ثروات البلاد وخيراتها، ما أدّى إلى تجريدها من أهمّ عناصر قوّتها وهيبتها على الصعيدين الداخليّ والخارجيّ، إلّا أنّ ما زاد الطين بلّة هو أنّ “الطريقة الجيمسبونديّة” التي تعامل بها الغرب الأميركيّ والأوروبيّ على حدّ سواء، تحت تأثيرات عقليّة الحرب الباردة، مع تداعيات تفكّك الاتحاد السوفييتيّ وإقفال ملفّ حقبة الحكم الشيوعيّ في البلاد، أدّت بدورها إلى ترك بصماتها السلبيّة بوضوح على مختلف قطاعات الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في هذه الدولة العريقة التي كانت تشكّل حتّى الأمس القريب الكفّة الأخرى في مكيال التوازن الدوليّ أمام الولايات المتحدة، وأصابت كبرياء وعنفوان المواطنين الروس في الصميم، الأمر الذي أفسح المجال أمام الأميركيّين للاسترسال في استباحة شرف العالم واغتصاب ماضيه وحاضره ومستقبله، وأعطاهم فرصة نادرة لإعادة رسم خريطته على شاكلة جمهوريّات موز ونفط ورعب وعلب ليل، بما يتناسب مع نهم مصالحهم الحيويّة المستوحى في الأصل من نزعة استبداديّة حاقدة.

من هنا، يظهر جليًّا أنّ صعود نجم فلاديمير بوتين في الحياة السياسيّة الروسيّة، لم يكن مجرّد ضرورة محليّة استوجبتها الرغبة في استعادة ما ضيّعه الزمن من علامات فارقة كانت تزيّن صدر هذه البلاد الجميلة وحسب، بل كان ضرورة عالميّة ظلّ منسوب الحاجة إليها يرتفع باستمرار كلّما كان الأميركيّون يمعنون أكثر في السعي إلى إشباع نزق غرائزهم الفتنويّة الدنيئة، على حساب الاستقرار الدوليّ، وعن طريق تهديد المصالح القوميّة والوطنيّة والاستراتيجيّة لمعظم دول العالم، بما فيها روسيا.

على هذا الأساس، ونظرًا لأنّني عقدتُ العزم منذ بداية حياتي المهنيّة على نقل حقائق الأحداث بكافّة تجليّاتها، بغضّ النظر عمّا إذا كانت هذه الوسيلة الإعلاميّة التي أعمل فيها تُطربُ أو لا تُطربُ لسماع تلك الحقائق، فقد نذرتُ نفسي مؤخّرًا للتخصّص في نقل الصوت الروسيّ على حقيقته، أملًا في إيصاله إلى العالم العربيّ كما هو، وبعيدًا عن محاولات التشويه التي يتعرّض لها من قبل منظومة إعلاميّة غربيّة شرسة، جيّشت لهذا الغرض إمكانيّات ماليّة ضخمة، وكلابًا مسعورة تنبحُ بكلّ اللغات العربيّة وغير العربيّة، سعيًا إلى تحقيق أهدافها الرخيصة. وما هذا الكتاب “البوتينيّة – أسس العقيدة السياسيّة الروسيّة الحديثة” إلّا الخطوة الأولى على طريق الردّ، عربيًّا، على ما شوّهه الغرب من جماليّة صورة هذه البلاد الرائعة، وطبيعة مواقف إدارتها السياسيّة، بحُلوها ومُرّها، وانتصاراتها وانكساراتها، وأحلامها وكوابيسها، عسى أن يُكتبَ لي النجاح في الارتقاء بالقرّاء العرب إلى المستوى الذي يؤهّلهم لسماع صدقيّة ذلك الصوت وحقيقته، وإدراك كافّة منافعه وتجلّياته وأبعاده.

والله من وراء القصد.

 

خاصّ – إلّا –

(تمهيد : البوتينيّة – أسس العقيدة السياسيّة الروسيّة الحديثة ) من كتاب “البوتينيّة”سيصدر حديثاً

  لـ جمال دملج   – كاتب وإعلاميّ لبنانيّ متخصّص في الشؤون الروسيّة

 

 

 

You may also like