Home إلّا حوار مع الفنان التشكيلي والباحث اللبناني الدكتور يوسف غزاوي

حوار مع الفنان التشكيلي والباحث اللبناني الدكتور يوسف غزاوي

by رئيس التحرير

  ريشته مخزن قضايا، تعددت ألوانها، وإيقاعاتها، وهواجسها، وظلّ الهدف واحد، وهو الخروج من الذات لتسجيل اللحظة الراسخة بين الأنا والآخر وما بينهما، ملامحه الرقيقة، لم تلجم انفعالاته في ضرب الريشة، وضرب الواقع عرض اللوحة، هو ينتمي للوّحة التي تجسّد البيئة أحيانا، وينتمي للوحة التي تجسّد العبث، وينتمي للوّحة التي تحتفظ بأسرارها عبر ثنايا القماش الشاهد الوحيد الصامت أمام مفاتحات ومباحثات تحتل كامل زوايا اللوحة بألوان تتفاوت حدّتها وفق ما تمليه الحالة من سرديات ذاتية مختلفة، هو يوسف غزاوي الذي انتهج البساطة في التشكيل، والبسالة في التفكير، حمل جمجمته خارج الحدود، ملأها بثقافات مختلفة ومتعددة ومتنوعة، وعاد ليكون المدرّس، والفنان، والأبّ، والزوج، والعاشق، والثائر، والمتّزن، والمتمرّد، واللبق، والصبور، مع كل هؤلاء يسرّ مجلّة – إلّا – الألكترونية أن تنفرد في حوار طويل..

خاصّ – إلّا –

y

د. يوسف غزاوي تشكيلي وباحث وأكاديمي لبناني

                     

1/ لكل مبدع طريقة يوثق بها ذاته الإبداعية، إما بالقلم أو باللحن أو بالريشة واللون وغيرها، يوسف غزاوي توزع بين السطر واللوحة.. لماذا؟

  جمال الحياة يعود إلى تعدّد أوجهها واختلافاتها وتنوّع لحنها الفكري والفني. هناك فنانون لا يكتفون بوجه واحد من أوجه التعبير وقد يعود الأمر إلى تركيبة هؤلاء المبدعين ولو كانوا قلائل على لائحة الفن والفكر العالمي، وفنان عصر النهضة ليوناردو دافنشي خير مثال على ذلك، فقد تعدّدت مواهبه وعطاءاته وأدواته، وإذا اكتفينا بالجانب الفني عنده للاحظنا أنّ كتاباته في الفن لا تقلّ أهميّة عن أعماله الفنيّة، ولما تزل مرجعاً مهمّاً للفنانين في حقل التصوير، وقد سار على منواله الفنانون وصولاً إلى يومنا، وهذا يؤكّد على أنّ النصّ التشكيلي يُرافق النصّ الفنّيّ كجناح ثانٍ ضروريّ في عملية التحليق، لكن للأسف الشديد هذا الشيء لا وجود له في بلادنا العربية، ومن ضمنها لبنان، فالكثير، إن لم نقل معظم الفنانين، يعقدون أنّ على الفنان الاكتفاء بالريشة فقط! فلماذا نقتفي أثر الغرب في جوانب مُعيّنة ونغض الطرف عن الجوانب الأخرى التي تدعم العمليّة الفكرية في الفن؟! من يُطالع كتبي المُخصّصة للفنون التشكيليّة يلاحظ هذا الأمر حول اهتمام الفنان الغربيّ بالنصّ الكتابيّ كمتمّم لعملية الخلق، وقد قمتُ أيضاً بكتابة بحث حول هذا الموضوع. من هنا يأتي إيماني بالتركيز على الكلمة إلى جانب عملي الفنّيّ كمكوّنين في عمليّة الخلق.

2/ الكتابة مخزن لمخيّلة صور، والرسم مخزن لسطور عصيّة على البوح أو الترجمة، كيف وجدت توازنك بين الفضائين؟

  أحياناً قد لا تكفي الأداة الواحدة للتعبير عن مُرسلتنا الفنيّة، فالعمل الفني، إن لم نقل اللوحة، يحتاج أحياناً إلى الكتابة لشرحه، ولا سيّما في عصر ما بعد الحداثة والتجهيز وطغيان المادّة كعنصر مُكوّن للعمليّة الفنيّة؛ عمل “الزجاج الكبير”، للفنان “مارسيل دوشامب” إحتاج منه كتاباً ليشرح فيه فحوى مُرسلته، وكذلك الأمر مع الفنان “إيف كلاين” وكتاباته حول اللون الأزرق ومحاولاته المختلفة حول استعمال النار للتطهير وأعماله المّكرّسة للقُدّيسة “ريتا”، حتى أنه وضع كتاباً حول فن الجودو الذي كان يتقنه ويُعلّمه… وغيرها الكثير من الأمثلة التي إن بدأناه لا تنتهي.. أحمد الله أنّ المخزنين لا يزالان يمدّانني بالوقود اللازم والممكن مع توازن في كفتي الميزان الفنّيّ، لا يغار أحدهما من الآخر، بل على العكس قد يستدعي أحدهما الآخر لقول ما لا يُمكنه قوله، وأعتقد أني على صواب لأنّ الأمر يعود إلى ما أودعه فيي الخالق من أمانة.

3/ لماذا اعتبرت أنّ سيرتك الذاتية نافذة هامة على الماضي؟

  هذه السيرة، كما ذكرتُ في مقدّمة كتابي “غرنيكا الخيام…” ضروريّة للإضاءة على مكامن الوجع والألم في تكويننا وثقافتنا ووطننا الذي لا تنتهي آلامه ومعاناته، وما ذكري للماضي إلا لأخذ العبر منه والاستفادة من أخطائنا (أخطاء الآخر بطبيعة الأمر) كي لا تتكرّر مأساتنا، المستمرّة منذ تأسيس هذا الوطن، سواء أكان الأمر على الصعيد الاجتماعيّ أو السياسيّ أو الوجوديّ، أو الفني بشكل أساسيّ، كما جاء في حديثي عن أساتذتي في معهد الفنون أو أثناء دراستي في مراحل ما قبل الجامعيّ. إن لم نستفد من أخطاء الماضي فعلينا السلام.

1386310478_1

   غلاف الإصدار

إنّ سيرتي الذاتية، بالرغم من حداثتها قياساً لسير الكبار، ضروريّة كتجربة إنسانيّة مرّ بها آخرون ولم يدوّنوها فقمتُ بذلك كتعويض عن عدم جرأة هؤلاء أو نقصهم الفكريّ. لقد تعبتُ في حياتي لأكون عمّا أنا عليه حالياً، وكان للماضي دوره في هذا التكوين وفي عطائي الحالي. من لا يُشارك في تلوين الحياة وتجميلها وتغذية الموهبة التي أودعها الله داخله يكون كافراً، ومن لم يُساهم في الدفاع عن الكائن البشريّ المقهور يكون خائناً وكافراً.

4/ لماذا فنان الأمس يحاول أن يستحضر الحرب اللبنانية في معظم أعماله..؟

  أعتقد أني أجبتُ بشكل غير مباشر في السؤال السابق، فما هدفي من استحضار الحرب إلا الإضاءة على شرورها ودورها في مأساتنا وتأخرنا وموتنا البطيء الذي نمرّ به. “وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم…”. من منا لم يذق طعم الحرب في لبنان ثمّ في الدول العربيّة؟ أليست الحرب الأهلية التي مررنا بها هي المسؤولة عما نعيشه حالياً؟ وللأسف الشديد لم نتعلم بعدُ من هذا الدرس الفظيع والقاتل، بل من الممكن إعادة الكرة باسم الطائفيّة والغباء. حاولت في كتابي تشريح الحرب وتفصيلها لتخويف هذا الجيل منها، وكذلك الأمر في بعض أعمالي، لكن للأسف الشديد لا نجد من يقرأ، وعلى من تقرع مزاميرك يا داود؟ “الحياة التي لا نتمعّن فيها لا نستحق أن نعيشها” كما يقول سقراط.

???? ????? ?????? ???????

وجوه / أحد أعمال د. يوسف غزاوي

5/ تشير إلى جغرافيا مختلفة ومتناقضة تشكّلت من خلالها ثقافياً، هل ظلت لوحتك أسيرة هذا الثالوث، أم أنها وجدت منافذ نائية أكثر خلقاً..؟

  لوحتي ما زالت أسيرة ضياعنا. بدأتُ تجربتي الفنيّة في لبنان ثم أكملتها في باريس، مدينة النور والفن، التي أحببتها حتى العشق، فكان نصف كتابي مكرّس لتلك التجربة، فامتزج المكانان داخلي لتتشكل “شيزوفرينيا” مؤلمة وحادّة، لكنها أمدّتني بعناصر ومفردات وآفاق جديدة مهمّة لصقل شخصيّتي وإعطائها دفاعات ذاتيّة. إنقطعتُ عن زيارة ذاك المكان منذ العام 1994 بشكل غير مقصود، وهو ما يُعتبر خيانة بحقه وبحق عملي ولوحتي، والحق ليس على الطليان بل على هذا البلد المتآمر على جغرافيا الفن والفكر والثقافة. كتابي هو صرختي التي أعتز بها والتي ما زالت مستمرّة والتي تطمح لوحتي إلى الوصول إلى مستوى تلك الصرخة “الغرنيكا” الممزوجة بكل أوجاعي وبكائي وتمرّدي وسخطي على هذا الوطن المُشاغب باستمرار… لا أعرف إلى متى ستستمرّ هذه اللعنة القابضة على أرواحنا وأجسادنا وهوائنا وأرضنا! لا أعرف! أعتقد أننا غير جديرين بهذه الحياة طالما أننا سلبيّون، مدّعون، مستهلكون وأغبياء… وأنّ تقييمنا يصل إلى درجة الصفر في عطائنا الفني والفكري..

????

البيئة في أعمال غزاوي

6/ تتملكك المبالغة في مطلع المقدّمة التي وضعتها أنّ سيرتك الذاتية هي أشبه بـ “النصّ الإلهيّ” هل هذا التطاول، يأتي من باب الاستعراض، أم الأنا التي وصلت إلى حدّ البارانويا، أم التماهي المطلق من باب الإيمان واليقين؟

  دعي البارانويا لمن يستحقها، والتي لا تليق إلا بالسوريالي “سلفادور دالي”، علماً أنني جدير باستعراض مهاراتي إذا أردتُ ذلك، فالأجواء التي عاشها دالي كانت كفيلة بتكوينه الفني إلى تلك الدرجة التي عرفناه بها، في حين أننا (وأعني ذاتي) أشبه بنبتة بزغت من تلقاء نفسها دون رعاية واهتمام لتتحوّل إلى شجرة مثمرة، عبّرتُ عن ذلك في لوحتي بعنوان “أوتوبورتريه” التي حوت رسوماً ذاتية لفنانين كبار تحيط بصورتي الذاتية الموجودة في الوسط، والتي لم تُفهم بالشكل المناسب، والتي كانت ضحيّة، كغيرها من أعمالي التي دمّرها الحقد الصهيونيّ أثناء عدوان تموز 2006 في الضاحية الجنوبيّة. ثمّ دعيني أصحّح لكِ عبارة “النصّ الإلهي” التي لم ترد مطلقاً في كتابي “غرنيكا الخيام…” أو على لساني، علماً أنني قلتُ في مكان آخر أنّ الفنانين هم أكثر أهميّة وقدسيّة من أي رمز دينيّ، لأنهم منذورون للفن والعطاء والجمال الذي تحتاجه البشرية أكثر من أي شيء آخر، ولأنّ هؤلاء الفنانين لا ينتمون إلى طائفة معيّنة كما حاصل مع القدّيسين وكلّ رموز الديانات والمذهبيّات. وبالتالي فقد ذكرتُ عبارة “النصح الإلهي” حين ذكرتُ أهميّة السير الذاتيّة للبشريّة وضرورة تسجيلها بمثابة نصح ربّانيّ للإنسانيّة التائهة في غيّها، تماماً كما يفعل الأنبياء، فالرسالات السماوية لا تقتصر على هؤلاء فقط، فثمة رُسل وأنبياء كثر يختلفون بمرسلتهم ونصحهم. ثمّ إني إنسان مؤمن والحمدلله، أناجي ربّي باستمرار وأخاطبه، وأحسّه قريباً مني يستجيب لدعائي تبعاً لقربي منه. سيرتي الذاتية هي نقل تجربتي ورؤيتي للآخر كدعوة له للسير في طريق الخير والفكر والفن والجمال الذي تحتاجه البشرية طريقاً أمثل للعيش حياة لائقة كريمة ومحترمة بدل التقاتل وتدمير ما أوجده الخالق على هذه الأرض من جمال وكائنات وحريّة..

7/ ثمّة أسماء لبنانيّة أخذت حيّزها الواسع محليّاً، وأخرى انتشرت عربيّاً، وهناك من التشكيليين اللبنانيين من وصل العالمية، هل لك أن تُعرّف القارىء اللبنانيّ والعربيّ على هذه التصنيفات المختلفة كزميل وكمتلقٍ وكناقد؟

  إذا كنتِ تقصدين أسماء تشكيليّة لبنانيّة قد وصلت للعالميّة فأنا أشك في ذلك. من يستطيع أن يذكر لي تلك الأسماء، وما هي حدود العالميّة التي وصلوا إليها؟ وماذا أضافت إلى العالمية التشكيلية؟ أنا شخصياً، لا أؤمن بذلك. أستحضر هنا مقولة الشاعر أدونيس بخصوص المساهمة العربية في الفكر العالمي والتبعية التي تصبغ عطاءنا وليس الإبداع. نحن شعوب متعفنة منذ انسحابنا من الأندلس إلى درجة أننا بدأنا نشكّ بأنفسنا وبتاريخنا حول المساهمة العربية في الريادة العالمية حينها. ولماذا قديماً وليس الآن؟! أنا لا أقتنع بأي تبرير أو عذر. نحن مقلدون مستهلكون لما يُصنع ويظهر في الغرب على الصعد كافة، أما الحديث عن وصولنا للعالميّة فهي ليست أكثر من مزحة ومن لعبة ما بعد الحداثة القاتلة للربح الماديّ ليس أكثر، وهذا الشيء لا يًؤسّس لمستقبل واعد لنا. عندما كنا طلاباً في باريس كنا نلتقي، من وقت لآخر، بالفنان “شفيق عبود” حيث كنا نشكو له همّنا بعدم قدرتنا على الوصول إلى العالمية بسبب الفيتو الموضوع علينا كعرب، فكانت وجهة نظره برفض تلك الفرضيّة لأننا، كعرب، لا ولم نأتِ بجديد إضافي في الفن التشكيليّ ليتمّ الاعتراف بنا على خارطة الفن العالميّ. أنا أؤيّد تلك الفرضيّة.

 8/ تعيش تحت سقف واحد مع فنانة تشيلية سوزان شكرون وهي زوجتك وطالبتك فيما مضى وامّ لأولادك حالياً، لها طقوسها اللافتة، وشغبها الجميل، ومشاكساتها النبيلة، وحضورها الآسر، ولوحتها التي تعكس طفولتها الروحية ونضجها الفني الكبير، متى تختلط الألوان بين الفنانين، ومتى تتشابك الخطوط، ومتى تكتمل اللوحة بينكما؟

yous

سوزان شكرون تشكيليةٌ في حياته الزوجية وملهمةُ نوافذه المفتوحة على الفن والتشكيل

  أحببتُ هذا السؤال كثيراً لأنه يشبه قصائدك الجميلة التي انعكست حباً لسوزان ولعملها الساحر. أجمل شيء حصل معي في هذه الحياة هو زوجتي سوزان، معها أصبحتُ أؤمن أكثر بالفن وبشيء يًسمّونه القدر، وقد شرحت هذا في كتابي السالف الذكر، ومن أراد معرفة المزيد عن قصّتنا أُحيله إلى صفحات هذا الكتاب الذي قد يعتقد البعض أنّ ما ذكرته هو من نسج الخيال، لكنها الحقيقة بحدّ ذاتها دون زيادة أو نقصان، ممّا تجعلني أطرح أسئلة وجوديّة فلسفيّة حول ماهية الإنسان وحياته القصيرة وسبب بعثه… الخ. وهل من شيء أسمه صدفه في هذه الحياة؟ أشك أيضاً في ذلك. أتلاحظين شكوكي؟ نتحاور باستمرار حول أعمالنا والعمل الفني بشكل عام، وفي هذا إغناء لتجربتينا وتشكلهما. بالرغم من كل شيء، لكلّ منا جوهره وأفقه ومساحته ولونه وجنونه وعبثه وإيمانه؛ نفترق في رؤيانا أكثر ممّا نلتقي وهذا شيء ضروريّ بل إلزاميّ لتشكيل الشخصيّة وتحديد أطر التكوين والعطاء الفنّيّ. سوزان فنانة مميّزة وملوّنة من الدرجة الأولى، فيما أنا أركّز أكثر على الرسم إلى جانب التصوير (التلوين). أنا أبحث دائماً ما بين ركام المدارس والتيارات الفنيّة حيث انتقلتُ من التجريد إلى التشخيص بشكل يدعو إلى الدهشة والتساؤل عن هذه المروحة التشكيلية، في حين أنّ سوزان تعزف على تغريدات اللون كأمرأة تعيد تشكيل وجهها لتعيد خلقه ثانية.. هي تُكمل ما بدأه الخالق، وهنا يُكمن سرّ الإبداع وجوهره.

9/ من هم زملاؤك من الفنانين اللبنانيين، أصدقاء ملهمين؟

  ينفتح هذا السؤال على أجوبة عدة؛ أبدأ بالترحّم على العلاقات غير السويّة بين الفنانين، وأعني بذلك عدم وجود علاقات بناءة تخدم الفن وتطوّره بالشكل اللازم، وقد يكون هذا الشيء سبباً في تخلفنا الفني والاتكال على ما يُنتجه الغرب من مدارس وتيارات، فلو رجعنا إلى التاريخ الفني الحديث لرأينا أهميّة ما يُسمّى بالتجمّعات الفنيّة التي أنتجت فنانين طليعيين وأساليب رائدة في العمل الفني بدءًا من السوريالية ببيانها المشهور امتداداً لأيامنا هذه.

عند رجوعنا إلى لبنان، بعد دراستنا في الخارج، وتحديداً باريس بداية التسعينيّات، إلتأمنا مجموعة من الفنانين اللبنانيين (فوزي بعلبكي، عادل قديح، محمد عوالي، صونيا الرضي، إلياس ديب، يوسف غزاوي) تحت عنوان “تجارب حديثة” إيماناً منا بأهميّة التجمّعات الفنية بإغناء الحركة التشكيليّة وتحريك الساحة بما يخدم الفن كمكوّن لحياتنا الثقافيّة والاجتماعيّةوالنفسيّة… ولا سيّما أننا خارجون من حرب أهليّة مدمّرة. كان لتجمّعنا نشاطات عدّة ومهمّة على الساحة الفنيّة وعلى الأرض اللبنانيّة من أعمال وندوات ومعارض ضجّت بها الساحة الفنيّة، وهنا أُعطي مثالاً على الجداريّة التي قمنا بتنفيذها في الخارج، على مقربة من مجلس النواب في ساحة النجمة حيث كانت المنطقة خراباً وأطلالاً، مساحة العمل الفني عشرون متراً مربّعاً، عند رؤيتك إياه تحسّ أنّ روحاً واحدة وفناناً واحداً قام بتنفيذه، وهذا يعود إلى وحدة الفريق بالعمل سويّاً وفكريّاً. يدور موضوع الجدارية حول الجنوب والحرب والاحتلال الإسرائيلي والاعتداءات المستمرة والمجازر التي اقترفها هذا العدو. كنا نجتمع ونتحاور باستمرار ونكتب في الفن وفي التجربة، لكن للأسف الشديد لم يستمرّ هذا التجمّع أكثر من سنتين أو ثلاث بسبب التصويب عليه من البعض الذين أحسّوا بالخطر من وجوده، فكان إنفراطه محتماً، ولم تتكرّر تلك التجربة، لا معنا، ولا مع غيرنا من الفنانين.

  أمّا على الصعيد الشخصي، فالأمور ليست أحسن حالاً؛ العلاقات مع الفنانين ليست أكثر من زمالة سواء في جمعيّة الفنانين أو خارجها، تحصل اللقاءات في المعارض فقط، هذه هي حدود اللقاءات والعلاقات.

???? ????

الفنان التشكيلي الراحل موسى طيبا في محترفه استراحة المشاغب

  لا شكّ أنّ هناك فنانين كان لهم بداية أثر غير مباشر في تشجيعي ودراستي للفن كالفنان المرحوم موسى طيبا”، الذي تحوّل فيما بعد إلى صديق نلتقي وإياه في باريس ثم في لبنان، وهناك أيضاً الفنان الكبير في فنه وشخصه والذي لا يتكرّر، وأقصد به “صليبا الدويهي” الذي التقينا به في باريس وكانت لنا لقاءات كثيرة وحوارات، فبالرغم من فارق السن بيننا كان صديقاً لنا على عكس الفنانين الآخرين، وقد ترك أثراً كبيراً في نفسي بمتابعة مسيرتي الفنيّة دون توقف. كان يحضر معارضي ويُعطي رأيه، بل أنه حضر مناقشتي للدكتوراه في باريس. وشاركناه افتتاح معرضه الاستعادي في باريس حينها في معهد العالم العربيّ حول تجربته الأميركيّة. هو إنسان وفنان لا يُعوّض. وعلى مستوى آخر كنا نلتقي بالفنان الكبير المرحوم “شفيق عبود” من وقت لآخر حيث كان يحضر معارضنا ونحضر معارضه مع بعض الحوارات الفنيّة.

  أمّا حاليّاً في لبنان، فأستطيع ذكر اسم الفنان “محمد عزيزة” الذي كان له أثر كبير على عنادي الفني ومتابعتي وتشجيعي أثناء دراستي في المعهد، وكذلك الصديق والزميل، أستاذي السابق، الفنان الدكتور “فضل زيادة”، وهناك الفنان الدكتور “نزار ضاهر” وهو من الفنانين القلائل الذين اتصلوا بي بعد عدوان تموز معزيّاً بفقدان محترفي وخسارتي لأعمالي الفنيّة وأعمال زوجتي سوزان. وأذكر أيضاً الفنان الدكتور “جميل ملاعب” والزميلة الفنانة “فاطمة الحاج”. هذه العلاقات لا تغني عن جوع. باختصار، العلاقة بين الفنانين ليست مشجّعة، إن لم نقل مرضيّة.  

You may also like