Home أقلام إلّا عصام الغازي يتذكّر / الحلقة -3 –

عصام الغازي يتذكّر / الحلقة -3 –

by رئيس التحرير

 

عصــام الغــــازي شاعر وكاتب وصحافي/ جمهورية مصر العربية

عصــام الغــــازي
شاعر وكاتب وصحافي/ جمهورية مصر العربية

 

         الإعلامي السوري عبد الهادي البكـّـــار قال لي:

    *  عبد السلام عــارف كان يطلب مني عدم إذاعة صوت عبد الناصـــر

* المشير عامر نسى تحت وسادته في بغداد تقريراً عن ارتكاب

       *  عبد السلام عارف لزنا المحارم.

     *  لو حركة حافظ الأسد التصحيحية حدثت قبل وفاة عبد الناصر لأعاد الوحدة المصرية السورية.

       *  أسرار علاقة عبد الحليم حافظ بصبيّة دمشقيّة جميلة!.

حين وقع الانفصال في دولة الوحدة، تنفسنا الصعداء نحن شباب العشرينيات الذين تكحّلت قلوبهم بأمل الوحدة، حين أمر الزعيم جمال عبد الناصر قوات المظلات التي حلّقت فوق اللاذقية لضرب الانفصاليين بتسليم أنفسهم للجيش الأول (السوري)، وعدم قيام جندي مصري برفع السلاح في وجه أخيه السوري، وقال قولته الخالدة: ليس من المحتم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من المحتم أن تبقى سوريا.

timthumb

زعيم الوحدة العربية جمال عبد الناصر

وعشنا نحن شباب جيل الوحدة نرهف آذاننا لأي خبر يصحح جريمة الانفصال التي ارتكبها أصحاب المصالح الرأسمالية الذين أضرت بهم القرارات الاشتراكية، وأولئك الذين وقفوا في خندق واحد مع أعداء تيار الثورة الناصرية التي اجتاحت العالم الثالث وحررته من عبودية الاستعمار والامبريالية.

ورطب قلوبنا بعدها بعامين صوت ينطلق من إذاعة “صوت العرب” هادراً مجلجلاً بلكنة سورية محببّة إلى نفوسنا، صوت المذيع  عبد الهادي البكّار، الذي اعتصم بأمل الوحدة، وأعلن استقالته على الهواء من شاشة التليفزيون السوري، وحيا الجمهورية العربية المتّحدة وعبد الناصر، وساعده قائد الجيش السوري في الفرار إلى لبنان قبل أن يتمّ اعتقاله، وجاء إلى القاهرة، بمساعدة الملحق العسكري المصري في بيروت آنذاك “زغلول عبد الرحمن”.

??? ?????? ?????? 3

الإعلامي السوري الفذّ عبد الهادي البكّار

وحين سقط حكم الانفصال في سوريا في حركة 8مارس 1963، استأذن عبد الناصر في العودة إلى دمشق، حيث سجن وعذب ليتخلى عن انتمائه لعبد الناصر، ثم هرب من السجن وعاد إلى القاهرة.

جرت بعد ذلك مياه كثيرة، ومرت الأمة بأحداث جسام، من انتصاراتٍ وهزائم، وفي خريف العام 1999، وجدتُ نفسي وجهاً لوجه مع الإعلامي الوحدوي عبد الهادي البكار في بيته الأنيق بالقاهرة، ولا أتذكّر كيف حدث ذلك!.

كان الرجل قد تجاوز الستين من العمر، يعيش مع أسرة تتكون من زوجه ( السيدة هالة ابنة الدكتور محمد أسعد طلاس) وخادم وقطّة بيضاء مدللة وجميلة.

??? ?????? ?????? ???? ???? ??????

عبد الهادي وزوجه هاله طلاس وخادمه وهرّتهم المدللة

 

استقبلني بكرم أهل الشام وحميميتهم، وجلستُ مبهوراً أمامه وهو في الأساس فنان تشكيلي متميّز قبل أن يكون إعلاميا، أسأله أسئلة اختزنتها في ضميري 30 سنة أو يزيد، فقد كان الرجل شاهداً على أحداث حقبة مصيرية من تاريخ أمّتنا العربية، وكان قريباً من الذين صنعوا أحداث تلك الحقبة بألغازها وآثارتها.

قال لي عبد الهادي البكّار:

عندما حصلت على الجائزة العالمية الأولى للتصوير الزيتي في موسكو عام 1957، تنبّهت خلال وجودي في الاتحاد السوفييتي عندما أذهب إلى قرى ضواحي موسكو، أنهم يسألونني: من أي البلاد أنت؟..فأقول لهم : من سوريا. فلا يعرفون أين تقع سوريا. فأقول لهم من بلاد عبد الناصر، فيعرفونني.

ويستطرد: عبد الناصر تحوّل إلى قيمة وطن، حين تقول للعالم عبد الناصر، يعرفون أننا عرب.، ذلك كان يحدث في أوروبا مع غير المثقفين، في محطات البنزين مثلا، وقد تكرر ذلك في برلين وبولونيا.

يواصل البكار ذكرياته: عدت إلى سوريا من برلين أواخر 1957، وعملت برنامجا لإذاعة دمشق اسمه “رأي الشعب”، ولم تكن لنا صلة تنظيمية بعبد الناصر، لكن كان هناك عشق عام له. والناس في بلاد الشام تحبّ مصر وتحبّ عبد الناصر، لأسباب ثقافية عميقة وتاريخية. كانت هناك وحدة سياسية من قبل اخناتون، هناك تاريخ بالدم مشترك، تعاون اقتصادي مشترك.

???? ???????

شكري القوتلي الرئيس السوري الذي تنازل عن رئاسة سوريا لعبد الناصر لصالح الوحدة بين مصر وسوريا

كنت أذهب مع شكري القوتلي (الرئيس السوري الذي وقع اتفاقية الوحدة) إلى المحافظات السورية، وكنت أقف أمام الميكروفون في مواجهة الجمهور وأقول: أيها المواطنون الرئيس شكري القوتلي يتحدّث إليكم. فكان المواطنون السوريون في المحافظات كلها يهتفون في مواجهة القوتلي: ناصر..ناصر. ويحيّون عبد الناصر ويرفعون صوره.

من هنا انعقدت نيّة سورية شعبية عامة بدءاً من عام 1956 للتوجّه نحو مصر، لأنه صارت هناك قوات عربية مشتركة. مصر بعثت قوات مصرية عسكرية لحماية سوريا عام 1957 ، من تهديدات حلف بغداد، من تركيا، وحفرنا الخنادق حول دمشق، وقد انجلت الأزمة إلى وحدة 1958، التي كنتُ أحد المناضلين المتواضعين في سبيلها. وكان لي شرف إعلان الوحدة من الاذاعة السورية، حيث لم يكن هناك تليفزيون بعد، ثم كنت أوّل منتدب سوري يعمل في مصر، فعملتُ معلقاً سياسياً بصوت العرب، ومذيع أخبار في إذاعة القاهرة.

??? ?????? ?????? 2

عبد الهادي البكّار

ويواصل عبد الهادي البكار كشف  ذكرياته المثيرة:

في مصر انعقدت بيني وبين عبد الناصر صلة جيدة جداً، لكنني لم أحاول أن أتجاوز حدودي. وفي العام 1960 بدأنا الاستعداد للبثّ التليفزيوني، وذهبتُ للمساهمة في تأسيس التليفزيون السوري، وفي أيام الوحدة لم يكن يمر يوم إلا وأكون إلى جوار عبد الناصر.

قبل 16 يوما من الانفصال في 28 سبتمبر 1961، كتبت رسالة إلى الدكتور عبد القادر حاتم  قلت له: انتظروا الانفصال. فكل السياسيين السوريين صاروا منافقين لعبد الناصر، واشتعل الصراع بينهم حتى يحتفظوا بمقاعد الوزارات مدى الحياة. وانسحب حزب البعث من الحكم، وذهب المنتدبون المصريون في عهد الوحدة  إلى سوريا بنفوس المستعمرين.

وهذه الحالة استفاد منها عبد الناصر لاحقا عام 1964، عندما دعم نظام عبد السلام عارف في العراق.

kohen395

وذهبت لأعمل مديراً  لإذاعة بغداد، وتوّجت عملي بالكشف عن الجاسوس الصهيوني إلياهو كوهين المزروع وسط القيادة السورية عام 1966، وهو الشخص الذي طردته المخابرات المصرية بعد العدوان الثلاثي، فتوجّه إلى حيفا، ثم قام الموساد بتسفيره الى الأرجنتين على اعتبار أنه مهاجر سوري، وتمكنوا بعد ذلك من زراعته في سوريا في مارس 1963 بعد وقوع الانفصال، وقد تعرفت المخابرات المصرية على صُوَرِهِ وأبلغت القيادة السورية، وحين تمّ القبض عليه لم يستطعْ قراءة الفاتحة أو أداء الصلاة حسب طلب المحقق، قبلها جاءتني رسالة مجهولة تحمل المعلومات كاملة عنه، فتوجهت إلى إذاعة بغداد وأذعتُ ما عرفته، وتعرضتُ بسبب ذلك لمحاولة اعتداء فاشلة بالرصاص.

عـــارف وناصــــر:

??? ?????? ????

الرئيس العراقي عبد السلام عارف مع الزعيم جمال

حكى لي عبد الهادي البكار أن الرئيس العراقي عبد السلام عارف حين طلبه للعمل في العراق، استدعاه الزعيم جمال عبد الناصر، وكلّفه بالذهاب إلى بغداد لمقاومة تيار البعث هناك، واستشار وزراء الوحدة السوريين في القاهرة، فقالوا له: لو أردت أن تموت اذهب إلى بغداد، فالأرض بعثية.

يقول: وذهبت إلى العراق وقدّتُ حملة إعلامية استمرّت حتى سبتمبر 1966 من إذاعة بغداد  تحت عنوان “صرخة الثوار”.

كان عبد السلام عارف ضعيفاً، وكان يكره عبد الناصر بشكل فظيع، وطلب مني ألا أذكر عبد الناصر في تعليقاتي السياسية بشكل صريح، وأنا أعتقد أنّ مصر لم تكن بعيدة عن مجيء شقيقه عبد الرحمن إلى الحكم.

?????? ??????? ???? ??? ??????

قائد حركة الإنقلاب في العراق عارف عبد الرزاق

وحدثت مشكلة لا بد من الإشارة إليها حين قام الناصريون بمحاولة انقلاب قادها عارف عبد الرزاق – الذي عاش في مصر بعد ذلك – وفشلت المحاولة. قال لي أحد العسكريينن واسمه العقيد بشير،

???? ???????

أمين الهويدي عيّنه عبد الناصر سفيرا ووزيرا    رغم الشائعات التي طالته

وأن السفير المصري أمين هويدي وراء الانقلاب، فذهبتُ إليه في السفارة وقلت له: احم نفسك واطلع من البلد فوراً، لأن اسمك مزجوج به في المحاولة الانقلابية ضد عبد السلام عارف، ثم استدعاه عبد الناصر واستوزره في وزارة الاعلام، وانتكست العلاقات، وقبل أن يموت عبد السلام عارف في طائرته بثلاثة أيام،

??????? ??????? ??? ?????? ????

المحامي عبد الرزاق شبيب مع الزعيم

اصطحبتُ عبد الرزاق شبيب في السفر إلى بيروت، وعند وصولي إلى بيروت تلقيت خبر إسقاط طائرة عبد السلام عارف من الجو.

اتّهمت بقتل كامل مروه:

???? ????

يستطرد البكار: في ذلك الوقت كنتُ قد استلمتُ عملي  كنائب مدير وكالة الأنباء العراقية في بيروت، واتّهمتُ بقتل كامل مروه بعد زيارتي له. وكنتُ المتّهم الأول في القضية وحقّق معي بيير الجميل وزير الداخلية، ثم أطلقوا سراحي بالحصول على البراءة بعد سجني 37 يوماً، حين سلّم القاتل عدنان سلطان نفسه.

??? ?????? ??????

عبد الحميد السراج- سياسي وضابط سوري

ويهمني أن أعلن أنّ الذي رتب عملية مقتل كامل مروه ليس عبد الناصر أبدا، وإنما عبد الحميد السراج، وله من أتباعه وأعوانه  ابراهيم قليلات  زعيم المرابطين في لبنان.

??????

ابراهيم قليلات رئيس المرابطون

هم خططوا ونفذوا قتل كامل مروه، وشارك في ذلك اللاجيء السياسي السوري العقيد  نوري كبه وار، وضابط آخر من أعوان السراج.

وعدت إلى العراق بعد مصرع عبد السلام عارف، وأنا أذكر أن برنامجي “صرخة الثوار” الذي كنت أبثّه من إذاعة بغداد، كنت أضع في مقدمته جملة بصوت عبد الناصر، قالها في خطاب ألقاه  بالجبهة السورية في الجولان عن الوحدة العربية، وأرسل يستدعيني عبد السلام عارف حينها، وقال لي: كم إذاعة  عند عبد الناصر؟!،

قلت له: لا أعرف يا فخامة الرئيس. قال لي: عنده 33 إذاعة، فإذا أراد عبد الناصر أن يذيع شيئا، يضعه في إذاعاته!.

عارف وعلاقة محرمة :

يقول البكار: قلت لعارف: “أنا لست يونس البحري بتاع هتلر. أنا جاي كقومي عربي وحدوي ضد حزب البعث. جاي أستخدم إذاعة بغداد موش جاي إذاعة بغداد لتستخدمني.

????? ????

ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث

واذا هاجمك النظام السوري أنا لا أستطيع أن أدافع عنك ، فليست لي خبرة بالشؤون العراقية، وإنما أنا أهاجم النظام البعثي الذي يمثله ميشيل عفلق وأمين الحافظ وصلاح البيطار، الذين كنسهم حافظ الأسد.

???? ?????

الرئيس السوري حافظ الأسد

ولذلك نحن مع حافظ الأسد منذ الحركة التصحيحية، ولو الحركة التصحيحية السورية قامت قبل وفاة عبد الناصر، لعادت الوحدة المصرية السورية.

??? ?????? ????

المشير عبد الحكيم عامر

ثم يذيع البكار سرّاً: وأنا رأيت بعيني كيف قام عبد الحكيم عامر وعبد الحميد السراج بتنصيب عبد الرحمن عارف رئيسا للجمهورية، الذي سلّم بعد ذلك حزب البعث الحكم في العراق.

السبب الحقيقي للخلاف بين عبد السلام عارف وجمال عبد الناصر، أن المشير عبد الحكيم عامر عندما نزل عند زيارته لبغداد في قصر الزهور الذي ذبحت فيه الأسرة الهاشمية المالكة في العراق، ثم تحوّل إلى قصر للضيافة، وفي الصباح عندما استيقظ عبد الحكيم عامر من نومه، نسى تحت الوسادة تقريرا يقول: أن لعبد السلام عارف علاقة مع إحدى المحرمات من قريباته (شقيقة زوجته)، وقبل  أن يلتقي عبد الحكيم عامر بعبد السلام عارف، كان خدم القصر قد أوصلوا التقرير المرسل من صلاح نصر إلى عبد الحكيم عامر إلى رئيسهم عبد السلام عارف. فكيف يمكن أن تكون العلاقة طبيعية بينهما بعد ذلك؟، ومع ذلك فإن القوات المصرية كانت تحمي نظام عبد السلام عارف الذي كان يتجه لأن يكون ديكتاتورا رجعيا.

 

العندليب يحب صبية دمشقية:

يروي عبد الهادي البكار سراً عن العندليب عبد الحليم حافظ لم يكن يعرفه أحد، يقول:

??? ?????? ????

الفنان عبد الحليم حافظ

ارتبط عبد الحليم خلال أيام الوحدة عاطفيا مع صبية دمشقية جميلة، من عائلة كبيرة في الشام، وأنا عشت معه قصّة حبّه لها، وكان ينوي أن يتزوجها، وكانت قريبة الشبه من ميادة الحناوي، وبعد سنين من انتهاء علاقته بها روى لي قصة مرضه، ولم أكن أصدق أنه مريض حتى قبل وفاته بشهور، فقد زرت القاهرة وكنت أعمل بسفارة خليجية في تونس.

?? ?????

المطربة أم كلثوم

وحدث خلاف حينها بين عبد الحليم وأم كلثوم بسبب هجوم شنّه عليها فغضبت منه كثيراً، وكنت لا أتخيّله يفعل ذلك، وبدأت الصحافة اللبنانية تنتقده، فذهبت إليه وكان مريضا في شقته، ووجدته غاضباً جداً ممّن هاجموه في الصحافة اللبنانية، وهنا لمست جانباً شرساً في شخصيته الدمثة الرقيقة، وعلمت بعد ذلك بمشكلة مرض البلهارسيا الذي أثّر على قدراته الجنسية، وكان سبباً في عدم زواجه من الفتاة الدمشقية.

يقول البكار: وقد روت لي الفتاة أنها انفردت به في فندق قطّان على نهر بردى في دمشق عام 1958، وكان مهذبا جدا ولم يمسّها، من هنا أعتقد أن عبد الحليم لم يكن بيده أن يقيم علاقة عاطفية تتجاوز الحب العذري.

خاصّ – إلّا –

You may also like