التشكيل العراقي حكاية أزمنة على جدران التاريخ

البدايات والريادة

التشكيل العراقي المعاصر يستند الى مرجعيا ت تاريخية قديمة، ضربت جذورها عميقا في أرض الحضارة الرافدينية الممتدة لأكثر من (700)سنة قبل الميلاد ، ومرت بحقبتين متواصلتين ، حقبة ما قبل الكتابة والتي مهّدت الى الحقبة التي تليها، وأعني حقبة اكتشاف الكتابة الصورية في مدينة الوركاء عاصمة كلكامش بحدود 3500 ق.م .

(وفي ضوء هذه الاشكالية الثقافية لعدم وجود التدوين احتل الفن، وبالأخص الرسوم والفخاريات والأعمال النحتية  دوراً هاماً ومؤثراً في تدوين الأفكار، وذلك بإحالة إبلاغات الفكر الاجتماعي إلى دلالات مرئية بفنون التشكيل، فبات الفن أهم خطابات الإبلاغ عن ماهية الافكار بوصفه خطاباً تواصلياً بين الأفراد..)

وهذا يعني ما يعنيه، أن التاريخ قد قُرِأ من خلال الأثر التشكيلي البصري وذلك لغياب المدوّن آنذاك، ووثّق لفلسفة الحضارة بكاملها، وأسّس أقدم مراحل التجريب واستشراق الخبرة الجمالية في ذهنية الفنان المبدع والمتلقي على حد سواء .

لا يمكن بهذه المقدمة الموجزة الإيغال والإطناب لتأثير الظاهرة التشكيلية وتمظهراتها في العلاقات الاجتماعية والسياسية والدينية والنفسية لدى قاطني أرض وادي الرافدين الأوائل وإنما التأشير على اللَبِنات الأولى لظهور ملامح الفن التشكيلي العراقي القديم، ومدى تأثيرة كمرتكز مرجعي على الفن العراقي المعاصر..،

لقد تركت لنا الحضارات الرافدينية المتعاقبة : السومرية/ البابلية/ الاشورية وما تلاها من حضارات ، كماّ هائلاً وثرّاً من الموجودات الفنية المتنوّعة من نحت وخزف ورسم وجدارايات وغيرها تعتبر المرتكز الأول للفنان العراقي المعاصر ، خاصة أنها تناولت في ذاك الوقت جميع الأساليب والاتجاهات والمدارس التشكيلية التي نشتغل عليها الآن، إذاً تناولت الاسلوب الرمزي كما في الثور المجنح والاسلوب التعبيري الذي سبق التعبيرية الألمانية ب 3000 سنة كما في اللبوة الجريحة وتعبيريتها الطافحة بالشحنات وهكذا لبقية المدارس والاساليب الحداثوية التي ندرسها الان.

لذا، من يستند لهكذا مرجعايات فنية لايمكن أن يأفل ويموت بل هو في تجدّد دائم، وهذا ماسعى إليه الفنان العراقي، في الفترة العباسية بعد أن كان فن الرسم كما يفهم من بعض الفقهاء الدينيين أنه محرّم كمفهوم لايستند إلى نصّ ديني.

لكنّ الفنان العراقي استطاع أن يكسر هذا الطوق ببسالة كما فعل يحيى الواسطي وهو يرسم ويزوق مقامات الحريري فكان له السبق البطولي في تخطي هذا المفهوم الخاطيْ لبعض المتشددين ..

ويستمر التشكيل العراقي في التطوّر والنمو والتجديد على يد المجدد الأول والرائد الفنان جواد سليم الذي استنهض المدرسة البغدادية بالفن بالاستناد على ماتركته لنا الحضارات الرافدينية المتعاقبة واستنهاضة لمدرسة الواسطي مثلما زاوج مابين العالمية والمحلية كأسلوب فني، فكان الرائد المجدد في الفن التشكيلي العراقي المعاصر، وأكاد أجزم أن كل الفنانين العرب كانوا يدورون في حلقة الفن العراقي المعاصر، لما أنجزه كبار الفنانين الأوائل الرواد أمثال: جواد سليم/ فائق حسن /عطا صبري/ حافظ الدروبي / شاكر حسن ال سعيد /.. وغيرهم من عمالقة الفن في النحت والرسم والخزف والخط والزخرفة ….

وتوالت التجمّعات والجماعات التشكيلية العراقية المعاصرة على مرّ الأزمنة والمراحل التي تعاقبت على تاريخ العراق بكامل معطياتها البصرية.

يتبع……

خاصّ – إلّا –