Home لـوثـة إلّاأدب نبضٌ يكرج فوق السطر البياني

نبضٌ يكرج فوق السطر البياني

by رئيس التحرير
?????? ??????

واسيني الأعرج روائي جزائري ومحاضر في جامعة السوربون

عمري الآن.. يومان وبعضُ غبار من الوقت والتأمّلات.

صرختى الأولى في رحم أمي كانت قاسية، ولهذا لم أصرخ يوم الولادة. بل كنتُ أسمع صداها المبهم وسط هذه التداعيات.

أذكر جيداً كيف فهمتْني أمّي، قبل جميع الأيادي التي استقْبلتْني.

ظنّ المنتظرون حينها أن يديّ القابلة آلمتني. لكنّ في الواقع والحقّ يُقال مثل الحرير، كانت أصابع “حنّا ربيحة ” .

لم يفهمني جدي عندما استعصيتُ على الخروج من رحم أمّي، وآثرتُ أن أضيف للشهور التسعة سبعة أيام أُخَر من باب التمادي لجعله ينتظرني أكثر، ويتأهّب أكثر، وربّما من باب العناد كي يتهيّبني فيما بعد.

قال جدّي: ثلاث بنات في السهل والجبل، وهذه الرابعة حتماً ستكون.

وحدهن البنات يعذّبن الأمهات قبل الخروج. لكن.. لا شيء من هذا كلّه كان، سوى سوء الظنون والاحتمالات.

كنتُ فقط أشتهي أن أبقى في دفء أعماق أمّي، وأمضي الأبدية هناك في ظلّها. أسمعُ جوعها وأنينها.

أنتشي بزهرها كلما افترشتْ الشمس ظهر الجبل، وحين تدخل قبرها للمرة الأخيرة أسبقها لكي تتوسّدني وأقلل من هواجس الخوف التي سكنتها مثل المرض السرّي.

ولأن لا أحد فهم صرختي غادرت الرحم في الزغاريد والذبائح وأناشيد الأولياء الذين منحوني في غمرة حلم هارب أسماءهم.

الشكر كله للذين مضوا نحو الروح مسلحين بذاكرة القلب وعشق الياسمين. 

ولأنكم أنتم، فلطالما منحتموني يا أصدقاء القلب يقينا جميلا أن لا شيء يبقى في الدنيا غير الحب.

سان جون بيرس قال للبحر وحده: “سنقول كم كنا غرباء في أعراس المدينة “.

وأنا للحب وحده أقول: تنحني السماوات ويتسابق الغيم من أجلكم وتنتشي الروح بلا أسئلة.

يقيني الأوحد أني هنا معكم، بينكم، لكم، فيكم، كما البصيص في الوجدان، وأنّ قلبي لن يخونني لأنه يكبر بحبكم وسماحتكم الوفية.

كم يلزمنا من الوقت وخسارات الروح لندرك أنّ الحب يأتي مرة واحدة، ويمضي حيث تمضي الأرواح مثقلةً برنين الشوق وأنين الشوك.

كم كان عددكم قبل البارحة والبارحة واليوم؟

كم كنتم؟

أنتم الذين تذكّرتم أنّ طفلاً خرج من قرية منسيّةٍ أحرقتْها الحروب، والجوع، والنسيان، حزامها الأسلاك والغابات، طفل ولد في غيمةٍ محمّلة بالظنون والفرح أيضا.

كم كنتم؟

ألفاً؟ أو عشرةَ آلاف أو مائة لا غير، موزّعين على أركان الدنيا؟

فعلاً لا تهمّ الأرقام، ولو جمعتُ ذخيرة الكلمات كلها لن أتمكن من شكركم.

فليس من السهل أن نحظى بالحب، في زمن الضغائن، والحسد، وأعداء النجاح، الذين يغيبون ويظهرون، كلّما حلّت مناسبة مباغتة للفرح.

شكرا للقلب الصغير الذي رقص في صدركم ثانية.

شكرا للون الذي كسوّتم به جسداً جرّحته الأيام لكنها لم تثنه.

شكرا للعيد الذي صنعتموه بوقفة لهفة، وطواف عرفان.

لتتعاقب فيما بعد الأعياد التي ما من حدثٍ فيها أذكر إلّا بكم وبحبّكم.

لم يكن في اعتباري حين فتحت عيني للوهلة الأولى، وبدأتُ أخطو في يومي الأول، سوى أن أمشي نحوكم.

ثم مشيتُ نحو سيّد طنجة، الذي منحها كل النعوت البهيّة “محمد شكري “، ليس حبّاً في الموت ولكن فقط لأدرك كم أنّ الحياة ثمينة. وكم أن شكري كان يحبّها، حبّاً سرقته الحياة. وحتى الموت لم يمنع شكري أن يمنح الحياة للحياة.

نعم هي ستون مضت وبعض الوقت وكأنها لمحة نور. لمسة شوق. تعالوا نعيد ترتيب الفرح، فليس العمر إلا لمسة

أو همسة تمضي بلا سؤال ثم نفتح أعيننا أخيراً على بياضٍ يدهشنا تماماً كما الولادة الأولى.

 

واسيني الأعرج / روائي جزائري ومحاضر في السوربون – باريس

خاصّ – إلّا –

 

You may also like