إلاّ وطني- سورية الشطر الآخر من القلب
لستُ هنا بصدد المشاركة في أفراح الشعب السوري، ولا في مشاطرة أتراح البعض منه، فالمرحلة التي
تعبرها الدولة السوريّة، مرحلة جدّ دقيقة، متخمة بالحساسيات، والتداعيات، والاحتمالات، والإلتباسات،
المُقْلِقَة قطعاً..
لا يهمني طبيعة الحكم الذي مضى في سوريّا، ولا يهمّني طبيعة الحكم القادم أيضاً، فهذا أمر يخصّ الشعب
السوري وحده، ويخصّ قيادته التي من جهتي لا يسعني إلا أن أحترمها، طالما بلدي بمأمن، وقيادة بلدي
تتمتّع بحسن الجوار، وتنام هادئة، وتصحو مرتاحة البال، لا يشغلها توتّر، ولا يزاحمها أيّة ضغوط تحت
أي مسمّى كان..
الأولويّة لي في متابعاتي الحثيثة للساحة السورية، هو ذاك التمادي العدواني المتواصل الذي لم يتوقّف
منذ شرّعت سوريّا أبوابها لتودّع عهداً وتستقبل آخر، والتجاوزات العدوانية لم تهدأ، فقد بدأت في
الجنوب السوري وتخطّت حدود الجولان بحجّة أنها تحتاج لمنطقة عازلة، اضطّرت فيها سوريّة المشغولة
بكواليسها الذاتيّة إلى التغاضي، عما تجرفه رحى العدوان الناشطه عند الحدود، لم يمض يوم على تقرير
المنطقة الجولانية العازلة حتى وصلت الدبابات والمقللات الإسرائيليّة لتهضم القنيطرة وما بعدها بقرى
وضيع ومناطق عديدة، حتى وصولوا إلى العمق السوري الذي يبتعد عن العاصمة السوريّة “دمشق “
مسافة 40 كيلومتر فقط، وهي أحلام “موشيه ديان ” التي دوّنها علناً في مذكراته، حين قال “أقف على
هضبة الجولان وتصل أنظاري إلى دمشق ثمّة 70 كيلو متر فقط يفصل بيني وبين حلمي..” وها هي
قوات الجيش الإسرائيلي تتجاوز حدود المنطق، وتتوجّه بجرأة وثقة ووقاحة إلى العمق السوري، على
أمل الوصول إلى العاصمة كما هو واضح، وقد أعادت احتلال قمّة “جبل الشيخ ” المُحررة في حرب
تشرين سنة ال 73 19/ ناهيك عن تسجيل 418 غارة متواصلة على دمشق واللاذقية بحجة تدمير
موقع ذخيرة وسلاح من فلول الجيش السوري، آخرها على منصّات الاتصال والتنصّت المتنوّعة بين
سلكية ولا سلكيّة ورادارات وغيرها..
وهنا لابدّ من الإشارة بأنه يتزامن كتابة هذا “الاستنكار” إن صحّ التعبير، مع لقاء “وزراء خارجية”
العرب في بلدي الحبيب الأردن، وقد اجمعت جميع الآراء على “استنكار ” التجاوز الإسرائيلي في
الأراضي السورية، وتلك الآراء المجتمعة متمثّلة بكل من المملكة الأردنيّة الهاشميّة، والمملكة العربيّة
السعوديّة، ومملكة البحرين، والإمارات العربية، والجمهورية اللبنانيّة، وغيرهم.. وقد حضر اللقاء وزير
الخارجية الأميركية “طوني بلينكن ” الذي أدلى بدلوه مؤيداً البيان الختامي لمؤتمر وزراء الخاجية العرب
الذي دعا إليه الأردن وأسفر عن بيان ختامي مهمّ جداً بتقديري وهو مؤلّف من 17 بند كلها تتحدّث عن
إعادة بناء الدولة السورية حكومة وشعباً، وكان بذلك الأردن.. هو السبّاق للوقوف إلى جانب الشعب
السوري، لتأييد الشرعيّة، وأعتبر المؤتمر بمثابة دعم وإسناد للتغيير الحاصل في سوريا، وذلك احتراماً
لإرادة الشعب، وصون حقّه وحريته..
أمّا فلسطين فكما قلت سابقاً وكما سأقول الآن، لا يمكن لأحد أن يلوم أحد، فلسطين مطلوبة من شعبها في
الشتات كما هي مطلوبة من شعب الداخل للتحرير، لا فرق بين الجهتين، إلا إذا كانت فلسطين بالنسبة
لأبنائها، مجرد ميدالية لمفتاح عربيّة فارهة، أو صورة فوق قلادة ذهبيّة، أو مجرّد لوحة باهتة على جدار
منسي، لقد حاولت المقاومة اللبنانية مشكورة ولم تقصّر وقدّمت المال والأرواح فداء لفتح باب المقدس
العربي، لكن العدو الغادر كان يتكئ على ترسانه فولاذية ليس من السهل أن تقهر، لهذا آن الأوان أن
نُدرك أنّ فلسطين إذا لم يجتمع جميع أبنائها من جميع أنحاء العالم ويتوحّدوا على كلمة سواء بينهم،
واعتبار أنّ فلسطين لهم ولأبناهم كما يفعل اليهود اليوم والأمس وغداً، فعلى القضيّة السلام، وهذه حقيقة
على الجميع أن يتأهّب ويعي ويتيقّظ لها.
خاصّ – إلّا –
Share this content:
إرسال التعليق