Home إلّا التواصل الاجتماعي والثقافة السياسية

التواصل الاجتماعي والثقافة السياسية

by رئيس التحرير
الدكتور أنور ساطع أصفري/ كاتب وإعلامي سوري – القاهرة

لا أحد يستطيع أن يُنكر أن مواقع التواصل الاجتماعي هي بمثابة ظاهرة إعلامية لعبت دوراً كبيراً في الوعي السياسي ، واستطاعت أن تستقطب شريحة كبيرة من المجتمع بمختلف فئآته العمرية ، ولكن شريحة الشباب هي الأوسع ، والأكثر تأثيراً في المجتمع ، حال كونهم الشريحة الأنشط في الميدان .طبعاً آخذين بعين الاعتبار أن هناك مواقع مشبوهة هدفها بث الفتنة والمعلومة المزيّفة ، بهدف جرّ شريحة من الشعب إلى جانبها وتوظيفهم لترويج إعلامٍ سياسي واجتماعي مأجور .فهناك جوانب إيجابية في هذا المجال ، وهناك جوانب سلبية تعتمد على ثقافة التبعية لهذا الاتجاه السياسي أو ذاك .والجميع تابع ويعلم أن الشوارع العربية التي شهدت أحداث ” الربيع العبري ” قد تم تحريكها من خلال تنسيق مسبق ومبرمج في مواقع التواصل الاجتماعي ، من خلال ارتباطها بمراكز قرار خارجية شريرة ومشبوهة .ولكن بشكلٍ عام إن وسائل التواصل الاجتماعي تقوم في هذا الزمن بدورٍ بارزٍ وكبير في الأحداث والتغييرات السياسية التي تصيب المجتمعات العربية ، وتابعنا ذلك في بعض البلدان التي أصابتها رياح التغيير مسبق الصنع .وليس فقط على مستوى الساحة العربية ، بل لعبت هذه المواقع دوراً بارزاً في البلدان المتقدمة كأوروبا والولايات المتحدة ، حيث قام سياسيون باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في حملاتهم الإنتخابية ، وفي تصريحاتهم بهدف إيصال صوتهم إلى الآخرين بالسرعة المنشودة ، مثل التغريدات التي تُنشر على التويتر ، مثل ما فعله الرئيس السابق ” ترامب ” على سبيل المثال وليس الحصر .وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً نرى أن هذه المواقع لعبت دوراً في عام 2009 في الاحتجاجات الواسعة في الشارع الإيراني ، حيث سُمّيت بثورة تويتر ، حيث أُستخدم الانترنت على نحوٍ فعّال من قبل المعارضة السياسية التي قامت بتحميل الأخبار وملفات الفيديو لنقل حالات القمع التي مارستها الشرطة ضد المحتجين .والحراك الذي جرى من قبل في تونس وفي مصر ، أطلقوا عليه إسم ثورات الفيس بوك نظراً لاستخدامه بشكلٍ واسع في هذه الأحداث .الجميع يعلم ، نعم أن هذه المواقع لعبت دوراً نشطاً في عملية التواصل الإجتماعي والسياسي . ولكن بنفس الوقت علينا أن نبحث أو نتوقف قليلاً حول طبيعة استخدامات هذه المواقع السياسية وأغراضها ، ومضامينها وأهدافها إعلامياً وسياسياً وفكرياً ، وتأثيرها على الإعلام والسياسة والمجتمع بشكلٍ عام .فهناك تغييراتٍ سياسية عميقة في سلوك الناس ، وفي طريقة حصولهم على المعلومة والأخبار بغض النظر عن سلامتها أو مصدرها وإلى ماذا تروم .وهناك تغييرات في طريقة تعبيرهم عن الرأي أو الموقف نحو أيٍ من الموضوعات والقضايا السياسية ، وهذه الأمور تؤكّد لنا أن هذه المواقع أصبحت وسائل نشطة تنافس وسائل الإعلام ، علاوة على أنها تعتمد وسيلة لكسب الناس والتحريض والتنظيم والدعم لهم .وما قامت به هذه المواقع جعلت من الفرد متأهباً مستعداً وعصبياً ذو نفسية متدنية ، وهذه الأمور طبعاً تعتمد على خبرة وثقافة الفرد ، لكنها ، أي المواقع جعلت من نفسها ذات أثر توجيهي نشط وفعال بهدف استجابة الفرد لجميع الموضوعات والمواقف التي تطرحها بغض النظر إذا كانت سلبية أو إيجابية أو معتدلة ، وخاصّة فيما يختص بالقيم والمعتقدات والثوابت الوطنية .فهذه المواقع تلعب دوراً في توجيه حركة الأحداث في المجتمع وفي الدولة ، وفي توجيه سلوك الأفراد أنفسهم وفي قيمهم واتجاهاتهم نحو القضايا السياسية ومنها مصيرية .ومن المعلوم أن القوى التي تمتلك الإعلام الأقوى الموجّه هي التي تتحكّم بمسار الأمور ، لذلك علينا أن نناشد الجميع من أجل العودة بجدية نحو الإعلام الملتزم والحر والموجّه نحو حماية الأوطان والأمة والإنسان .حيث أن المواقع ” مواقع التواصل الاجتماعي ” ومن خلال التكنولوجيا تفرض سياسة الهيمنة على الشعوب ، والسيطرة على الفرد ، حيث تقتحم حياته الشخصية وتفكك علاقاته وفق مصالحها .فهذه المواقع تُمثّل حالة من الحراك الفكري والسياسي ، ومن النقاش حول الأوضاع الاجتماعية وسواها والنقد اللاذع لممارسات سياسية سلبية ، ومظاهر الفساد ، تمتد من مجرد كتابة تعليق أو رأي ، إلى تعليق روابط من الصحف والقنوات الفضائية حول أخبار محددة أو قضايا معيّنة تُثير اهتمام المستخدمين ، وتكوين مجموعات وكتل رأي مهتمة بشأنٍ اجتماعي مُعيّن ، أو سياسيٍ ما ، و هدفها الضغط على أصحاب القرار تجاه موضوعٍ ما ، وقد تُبيح فيما بعد استخدام الفوضى والشغب والقوة ، آخذين بعين الاعتبار بأن هذه المواقع تدرس ظروف الأفراد الاجتماعية والنفسية من خلال علاقاتها معهم .وبنفس الوقت نأخذ بعين الاعتبار بأن هناك جمهور إيجابي ، يبحث وينتقي ، ويقبل ويرفض ، فهو يقبل ما هو مفيد للوطن وللإنسان ، ويرفض ما يتنافى مع قيمه وأخلاقه وثوابته الوطنية والقومية .لذلك ومن منطلقٍ وطني أقول ، لا بُدّ من الجهات المعنية في الأوطان والأمّة بالرقابة المنشودة ، أو إيجاد بدائل أفضل من فرض الرقابة على الاستخدامات ومضامين هذه الاستخدامات ، والإسهام في كشف الحقائق السياسية والاجتماعية ونشرها على الملأ بهدف التأثير على الرأي العام ، الذي يجب تزويده بالأخبار بكل شفافية وصدق لتلافي الاعتماد على مصادر قد تكون مشبوهة وشريرة ، وغير موثوقة .ويجب على الجهات المعنية عدم الركون إلى ضعف منافسة هذه المواقع لها ، وإيجاد البدائل الوطنية التي ترتبط مع الشعب بشكلٍ مباشر بكل صدق ، بهدف قطع الطريق أمام أي إعلامٍ أسود مشبوه .وبنفس الوقت إن تعزيز العلاقة بين وسائل الاعلام البديل والجهات المعنية ، وتنميتها للوعي السياسي بثوابت الوطن والأمة ، هو أمر ضروري ومهم ، وهو حاجة من حاجات الوطن والمجتمع ، خاصّة في ظل هجمة العدوان الشرسة التي تروم إلى مسح الهوية الوطنية .لا بد من ضمان الحرية للأفراد في التعبير عن رأيهم عبر مواقع التواصل ما دامت ضمن الخندق الوطني .وكذلك لا بد من معاقبة أصحاب الحسابات المشبوهة التي تروّج للأفكار الهدامة ، وتبث الشائعات التي من شأنها خلق الفتنة والكراهية في البلدان .وجميلٌ جداً أن يتم استثمار مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الثقافة الوطنية وتعزيز روح الانتماء لدى الأفراد ، بعيداً عن أي طرح طائفي أو مذهبي أو عرقي . وتعميق الوعي بين الناس بمضامين الغزو الإعلامي و سلبياته على الفرد والمجتمع والوطن والأمة . ووضع آليات واستراتيجيات عملية لمواجهة المحتوى الإعلامي والسياسي والاجتماعي غير الهادف ، التي تستهدف قيم ومفاهيم وأخلاق المجتمع العربي وثوابته .

You may also like