×

عندما تتناهبني الاحتمالات

عندما تتناهبني الاحتمالات

FB_IMG_1695984102184 عندما تتناهبني الاحتمالات
ثامر سعيد / شاعر عراقي – البصرة

أدعوها إلى الشاي فتدعوني إلى القلق

……………………..
..سأحتفي بها الليلةَ بشمعةٍ وحيدةٍ
ونهرٍ مشاكسٍ , يُحرضُ الأشياءَ في غرفتي دائماً
على العصيانِ أو الغرق ..
والأوراقَ البيضَ في دفاتري دونما سببٍ
على الاضطرابِ المباغتِ .
ألمْلِمُ كلَّ عويل النجومِ
وأقطفُ الأحلامَ من نظراتِها المدببة
ثم أسألُني : قبلَ أن أدسّها عنوةً في الغناءِ
هل أضعتُ الطريقَ إلى عاشقةٍ بلا دليلٍ
لا تُعرَفُ إلّا من أحزانِها العالية
أم خذلتني الأغاني وأنا أوجِزُ أشجارَ الغيابِ
برقصةٍ مع سيقانِ البامبو
قبلَ أن تكسرَ مزهريتَها
وتصيرُ أضلاعاً لنافذةِ السماء ؟ .
سأحتفي بها الليلةَ بزهرةٍ مشتعلةٍ
وغيمةٍ لعوب , تُراودُ العشبَ في اللوحةِ
عن نفسهِ ..
فيُدلقُ خضرَتهُ على الحائطِ كجرحٍ طويلٍ
موهوماً بأنه سيحضنُها ويغرقانِ إلى الأبد .
سأحتفي بها الليلةَ بوحشةٍ عميقةٍ
وعطرٍ باطشٍ لا يموت
فالوحشةُ يا سيدتي : شاعرٌ في منتصفِ الكلامِ
يقولُ لليلٍ مبحرٍ بزوارقَ فارغةٍ
تعالَ لنغرقَ حتى جرحٍ جديدٍ .
سأحتفي بها الليلةَ بأغنيةٍ سمراءَ ,
لحزنِها رائحةِ النخلِ قبلَ اقتيادهِ معصوب العيونِ
إلى مقبرةٍ جماعية .
سأحتفي بها بالجمرِ والهواءِ
فأنا حَدّادُ الكلماتِ ..
حتى في نومي أطرقُ رأسي برأسي
لأصحو مع قصيدةٍ مسبوكةٍ وساخنة .
سأحتفي بها مع النسوةِ اللائي بلا أقدام
في جداريّةِ جواد سليم
والأذرعِ المفتولةِ في نَصبِ إنقاذِ الثقافة
وأقولُ : ليلتكِ سعيدة
للبلادِ التي يَسيلُ من نُعاسِها الضبابُ والقلق .
سأحتفي بها الليلةَ بالهديلِ والزّعيقِ والتغريدِ
والحَفيفِ والخرير ,
سأحتفي بها بالحَدوِ والعتابى والمَيمَرِ والنايلِ .
وسأحتفي بها أيضاً ..
بالدنابكِ والأعوادِ والطنابيرِ والناياتِ والكمنجاتِ
والدفوف .
بالنيطِ والماني ماني والسِعدِ وعودِ الهندِ
والتنصاري ..
بالهيوةِ والسادةِ والنوبانِ والونيكا والوريما
والوايةِ والحبوش .
بسلالاتٍ لا تنتهي من الزهيريّاتِ والأبوذيّاتِ
والدارميّاتِ والمُلمّعِ ,
بالرَستِ والبيّاتِ والصَّبا والنوى والحجاز ,
بكلِّ الأسماءِ التي يخلعُها العشّاقُ على معشوقاتِهم
سأحتفي بها وبالجنونِ الذي لا يُطاق .
من يحتفي مثلي بهذه الضيفةِ العنيدةِ ؟
المجنونةِ العاقلةِ ,
الوحشيّةِ المتحضرة ,
الغامضةِ حتى الوضوح …
أدعوها إلى الشاي فتدعوني إلى القلقِ ,
أدعوها إلى الحبِّ ..
فتدعوني إلى عطلةٍ نركضُ فيها إلى المساءِ
في الريحِ والمطر .
أئتمنُها على أخصِّ أسراري في الليلِ
فتفضحُني في النهارِ
أمامَ النسوةِ والعاطلينَ عن العمل
تأخذني إلى البحرِ بغتةً
وتهربُ مني على أولِ موجةٍ شاردة
حتى أهتدي إليها بسربٍ من الفراشات
تستدرجُ لهفتي إلى غاباتٍ بكر
أسوحُ كالبدائيين فيها , وأخرجُ منها بقبضةِ وردٍ
وكفَّينِ داميتين .
لم تبقَ بئر في صحراء إلا وشربنا منها
ولا قنطرة على جدولٍ إلا وعبرناها
ولا نجمة أبردَها الليلُ إلا وتدثرنا معها
ولا برعم إلا وجلسنا إزاءهُ نتربصُ أن يتفتح .
ثم تقولُ لي : أُحبُكَ واضحاً مثلَ البكاءِ
وأقولُ : لنغرقَ أفضلَ من أن نتبلل ! .
ورغم كلّ ذلكَ ..
لا أملك أن أأتلفَ معها أو أختلف
كلّما ألفيتها قد أينعتْ وجدتني في آخر الذبول
فأنا ممسوسٌ منذ عصورٍ بها
وآيسٌ من الشَفاء ,
ومشتعلٌ بها من المطلعِ حتى الختام

Share this content:

You May Have Missed