Home سياسة إلّا صرخةٌ في وادٍ بلا قعر

صرخةٌ في وادٍ بلا قعر

by رئيس التحرير
غابي مقدسي/ ناشط في الحراك المدني اللبناني – زغرتا

أيّ شعب هذا الذي يحوّل التفجيرات التي تنتهك حرمة وطنه لسلعةٍ متداولةٍ من النكات، يطلقها كرصاصٍ يغتال بها دموع أمّهات يزرفن بحرقةٍ، دموعهنّ الملتهبة على أبنائهن الذين تفتّت أجسادهم إلى أشلاء لملمتها نعوش تتراقص بها تلك السواعد على ألحان زغاريد النواح واللوعة.

أيّ شعب هذا الذي يقف فوق أنقاد وطنه المجبولة بالدم، الحاضن لأجساد مجهولة المصير، مهلّلاً.. مشرّعاً وضع بلده ونفسه تحت نعال وصاية خارجيّة دون أيّ تحفّظ، هو هذا الشعب العظيم.. هو نفسه الذي يفدي زعيمه بدمه بينما والدته تبيع خاتم زواجها لتأمين لقمة عيشه، ووالده الذي يُذَلُّ في سبيل حصّة غذائيّة ليخرس بها جوعه.

هو هذا الذي يفدي زعيم الطائفة بروحه، بينما زعيمه مستعدّ لقتلِ محمّد، والمسيح، معاً.. في سبيل مصالحه السلطويّة الشخصيّة.

هو هذا الشعب العظيم الذي ينتفض في المرابع الليلية متباهياً بسُكْرِه وفي يده ” كأس خمر” يقسم به.. ويزبد ويرعد بتحرير وطنه.

هو هذا الذي ينتفض متسلّحاً ” بنربيش أرغيلته ” متوعّداً بالثأثر من سلطةٍ تحكمه بإغتصاب كرامته وشرفه القارئ للقرآن والإنجيل، المؤمن بنهدين وفخذي المرأة وبمال الرجل المتغني بتواضع محمد والمسيح، المعتنق لمفهوم التكبّر والتعجرف المتفاخر بفيروز والرحابنة وجيفارا.

هو هذا المنحني تحت تنانير فنانات الخلاعة والمتباهي بتصدير الحرف، الغارق بثقافة المِحْن والمياعة، المتكابر بنسله الفينيقي، المنظر من زوايا المقاهي والغرف المكيّفة.

أي شعب هذا هو الشعب الذي يجب عليه القيام بنقدٍ ذاتيّ.. يعترف فيه بفشله ببناء وطنه، نقد ذاتي يدفن فيه ماضٍ، على أن ينظر لحاضره ومستقبل أبنائه..نقد ذاتي يتخلّى فيه عن ولائه وثقته بالسفارات، ويمنح ولائه لوطنه، وثقته لشريكه في الوطن.. نقد ذاتي يرفع فيه راية إلغاء الطائفية السياسيّة، مانحا قيادة الوطن لرجاله، ونسائه المناسبين.. نقد ذاتي يعيد من خلاله مجد وطنه الثقافي والسياحي والزراعي والتجاري.. نقد ذاتي يخرج به نفسه من تلك الغابة المتوحّشة ليعود لإنسانيّة تعاليم ربه وأنبيائه ورسله.

أيّ شعب هذا.. هو حاليا ليس بشعبٍ، بل هو مجرّد مجموعة من الوحوش التي تتناهش بعضها البعض، وستبقى تتناهش بعضها بعضاً، حتى يفنوا جميعاً.. ويفنى الوطن.

لو أنّ كلّ واحد فينا، يقرأ وينظر إلى مراياه، ليدرك حقيقته، ووعيه، وما تبقّى من إنسانيته المتآكلة، ربما يتيح لنفسه الفرصة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذا الشعب ومن هذا الوطن.

خاصّ – إلّا –

You may also like