Home إلّا احفظوا هذا التاريخ جيداً 17 تشرين 2019

احفظوا هذا التاريخ جيداً 17 تشرين 2019

by رئيس التحرير

غابي مقدسي / كاتب لبناني وناشط في التوعية الشعبية- زغرتا

ثورة أطلقت غضب شعب لبنان الذي إفترش الساحات بمطالب حياتية معيشية إجتماعية محقّةٍ دون ريب، وقد أطلقت هذا الغضب المكبوت في وجه جشع السياسيين، ومصالح المفسدين شعبٌ خرج بكل أطيافه، وطوائفه، ومناطقه، دفاعا عن كرامته وحقوقه، من قِبَلِ وحوشٍ حاكمةٍ ومتحكّمة، بتسلّط وفسادٍ، ومحسوبيات، وقمع، ثورة حاولت عقول بالية تشويهها، فلم يروا فيها سوى لبنانيات “السيكس ” وكأنّ كل فتاة خرجت للشارع هي مشروع بضاعة جنسية لرجال مهووسين بمفاتن النساء، وكأنّ كل شاب خرج للثورة هو مروّج للإتجار بالخمر، والمخدرات، والخلاعة، والمياعة، لكنّ وقائع الثورة اليومية أطاحت بتلك العقول الرخيصة تماماً.

فسيدات الحجاب، ونسوة الشعر المكشوف، أثبتنَ جماليّة المرأة اللبنانية، فكريا، وذهنيّاً، فشباب محمد، وأبناء المسيح، أرسلوا رسالة بعنفوان الرجولة الثائرة شهامة وكرامة وعزّة وكبرياء، وكلاهما استبسل لأجل ثورةٍ، أثارت حفيظة أزلام “مافيات ” الحكم الذين نزلوا الأرض ببلطجةٍ، وعنفٍ، لم يميّيز بين رجل وامرأة، متكفلين ببثّ فتنةٍ حاولت خرق جدار المحبّة الذي جمع الشعب، والجيش الذي اتّخذ قراراً حاسماً بحمايةٍ المتظاهرين.

ثورة 17 تشرين 2019 جديرة بالتوثيق والتاريخ، ثورة تحوّلت للوحة فنية، ثورة يقودها العلم اللبناني الذي أطاح برايات تلك الأحزاب المتلوّنة بكل ألوان الخبث لاستزلام أبناء الوطن الواحد، وشرخ صفوفهم ليسهل قِيادهم، رايات متلونة تناوبت على حكم الوطن، وحكم شعبه بالدم، والفساد، والطائفية البغيضة.

إلى أن جاءت الثورة لتبعث الأمل بلا حركة، وتجدّد المستقبل بلا تيار، وتغيّر الوطن بلا باسيل، فقط ثورة تعد بوطن الانسان والكرامة والإنتماء.

لكنّ الثورة اختطفت، ومالبثت أن بدأت تتحطّم بأيدي مجتمع دولي واقليمي تبنّى بقاء السلطة الحاكمة التي تؤتمر بأوامره، والتي لا تتعدى كونها خاضعة بالمباشر لأوارهم وإرادتهم.

ثورة منهوبة ينهشها الإعلام الجَشِع، والإعلان المتوحّش، الذي يستغلّها علناً، ليجني ثروات طائلة على حساب العبث بصورتها، ووجهتها، لتنهارَ بدهاءِ سياسيين إجتاحوا ساحاتها بأزلامهم المدعومين مادياً، وهم يُغيرون عليها، وبشكل جذري، ليقتلعوا أسس الثورة من تربتها الحاضنة الشرعية لدى الشعب اللبناني المتوحّد في الشوارع والساحات، ويجتثّوا أهداف ومطالب هذه الثورة الحياتيّة والمعيشية المشروعية، لتتحطم بكل بساطة تحت أقدام الثوار أنفسهم حين تحوّلوا لدكتاتوري الفكر، بعدما استبد بهم غرورهم وأصبحوا يرون أنفسهم بصورة المخلّص، وقد تحولوا لشتّامين، فاجرين في وجه كل من يخالفهم الرأي، أو يحاول إسداء النصيحة، يتقمصون مشهدية لا تختلف عن الدكتاتورية الفكرية لمناصري السياسيين والزعماء الوهميين.

وبدأت ملامح الثورة تتبدّل بملامح ثوار تناسوا أهداف ثورتهم، ليحولونها لفوضى عشوائية، لا أهداف لها ولا رؤية واضحة، أشبه بلعبةِ القطّ، والفأر، فوضى لا أكثر خالية من أدنى منطق، لاستراتجية مستقبليّة للنهوض بالوطن، وشعبه، ليصيروا مجرّد ثوار بثورة تطرّفت لتقطع برزق الفقير وتنحره بلقمة عيشه، ذاك الفقير الذي تعاقبت على قهره كل طبقة سياسية على حِدَه، أفقرته وقهرته وسحقته سحقاً، ليتمّ عليه مجتمع مدني لم يكترث لأمره بل تركه لقدر الذل والعوز والفاقة، لا يتذكّروه إلا عشيّة الإنتخابات.

وتوسّم هذا البائس الفقير الخير بالثوار الذين هم من المفترض أنّهم خلاصَهُ، وإذا بهم يتحولون لجلاديه، فارضين عليه الخضوع والرضوخ لعنجهيتهم وتسلطهم وأوامرهم التي لم تؤذِ سواه.

هي ثورة إذاً، لكنها لم تعد تشبه الثورة، لا بمضمونها ولا بالآمال المعقودة عليها، فالثورة التي تضرب اقتصاد الفقير وتقطّع أوصال الوطن في وجه أبنائه، دون المساس بالسياسي ومؤسساته لا يُبنى عليها أيّ طموح أو تفاؤل.

هم الثوار إذاً، لكنّهم لا يشبهون الثائرين، لا بفكرهم ولا بعقيدتهم فالثائر الذي يمنن الضعيف بثورته ليس بثائر فكم من ثوري دفع حياته دماً فدائا لقضيته ولم يممن يوماً بها أحد.

الثائر الحقيقي لا يبني ثورته على صور وفديوهات تُعرض على مواقع التواصل الإجتماعي للاستعراض والمفاخرة والمتاجرة بالمواقف والأدوار.

لأيّ ثورة حوّلك ثوارك يا ثورة الوطن المُنْتَظرة منذ ثلاثة عقود من الصبر والمكابدة…!

ألم يفهموا بعد ضرورة التوحّد برؤية واضحة وصريحة لتبني وطن الحقيقة والحق والإنصاف..!

ألم يفهموا بعد ضرورة التوحّد برؤية واضحة وصريحة لتستأصل هذا الورم السرطاني الحاكم كليّاً، لتنتزع هذه الطائفية المناطقيّة البغيضة!

ألم يفهموا بعد أن الثورة لا تُبْنى بالشعارات والغطرسة والفوقيّة..! بل تبنى بتطبيق استراتيجية مستقبليّة تنفّذ على أرض الواقع بتفانٍ وتواضع وتضحيات!

ألم يفهموا بعد ضرورة بدء محاربة الفساد من الإعلام والإعلان المتواجد بينهم الغارق في صفقات الفساد المشبوهه، وأنّ من واجبهم طرد الدخلاء والمسيّسين الذين خرقوا صفوفهم الثورية بمكر..!

أيّتها الثورة يؤسفني أن أصرخ في وجهك أنت، قبل أن أصرخ في وجه سواك، بعد تعطيل لكلّ مفاصل الواقع الذي يقول بلساني ولسان الجميع، أنك حتى اليوم لم تقدّمي أيّة نتيجة تُذكر ولم تحققي على الأرض سوى المزيد من التصعيد لإهلاك المواطن وإنهاك الفقير الذي يحتضر بحقّ أمام ارتفاع الأسعار الجنوني، وانهيار الليرة وتعزيز الدولار ونشاط التجار الذين يحصدون وحدهم غِلال الثورة لا غيرهم..

أيتها الثورة من الممكن أن تطول أيامك، ولكنّ نتائجك أصبحت واضحة المعالم، فلم تضيفي على قائمة الأزمات المتراكمة، سوى أزمة إقتصادية جديدة، ستعصف ليس بالفقير وحسب بل ستزلزل عُرى الجميع على وقع إنتصار الثوار بالشعارات وببعض المزايا التي ستسهّلها السلطة التي تستغلّ الفوضى لتستمر بتمرير فسادها، وصفقاتها وكسب الوقت بأزمة ستترجم لاحقاً، في صناديق الإقتراع التي ستعيد تكريس حقيقتنا الطائفية البغيضة ليكون الوطن وفقرائه وحدهم من يدفع الثمن كالعادة لا أكثر.

 

خاصّ – إلّا –

You may also like