Home إلّا التجاوز إلى ما فوق العادي

التجاوز إلى ما فوق العادي

by رئيس التحرير

راتب الحلاق / كاتب سوري – حمص

ﻻ كان اﻷدب إن لم يكن مشاغباً ومشاكساً وناقداَ…. وبئس اﻷديب الذي يضع رأسه بين الرؤوس، ويمدح المستقر والسائد، ويروّج له لبيعه للناس، وللتقرب من أصحاب النفوذ.

ومسكين الجمهور الذي يصفق للألفاظ الطنّانة الرنّانة، وللأوزان الرتيبة، وللشعارات الهائلة لكن الخاوية غالباً من أية دﻻﻻت حقيقيّة.

نعم، مسكين الجمهور الذي يؤخذ ب”أفلمات ” الشعراء والأدباء، وضجيجهم الذي يُضاهي ضجيج طواحين الجان المشهورة، والتي ﻻ تنتج طحيناً وإنما مجرد جعجعة لا أكثر.

اﻷدب الذي يطرب ويدوم ويخلّد هو الذي ينحاز لقضايا اﻹنسان لجعل العالم أكثر جماﻻً وعدﻻً، وأقل قبحاً وظلماً.

وليس اﻷدب الذي ينشغل بتسويق الضلاﻻت والترّهات التي يطلبها أعداء الشعوب.

أنا ﻻ أدعو إلى ماكان يسمّى باﻷدب الملتزم فتلك دعوة أفل زمانها، وغدت عبئاً على اﻷدب، واﻷدباء مثل غيرها، من الدعوات التي أقحمت ما هو سياسي ليمارس دوراً مزيّفاً في مجاﻻت غير سياسيّة، ممّا عطّل التطوّر الفنّي والتقني، ﻷن اﻷديب، والفنان عموماً ، كان مجنداً في صفوف أيديولوجية ما، يصرخ على منابرها ويرفع شعاراتها ويدافع عنها ويهاجم أعداءها ومناوئيها ….

مما أنساه أنه أدب وفن أولاً، كما أنساه قضاياه كفرد إنساني له تطلعاته وحقوقه الخاصة كفرد وله حفوقه العامّة كإنسان وكمواطن.

اﻷدب، فيما أزعم، ملتزم بااﻹنسان وقضاياه وليس بنصرةِ أحد أو معاداة أحد، وﻻ يمكن ﻷديب مازال في رأسه درهم عقل أن يكون ضد قضايا اﻹنسان، وأقصد اﻷدباء الحقيقيين وليس المطبلين والمزمرين، الذين لهم في كل عرس قرص، لذلك كنت ومازلت أحبّ الهجاء كاسم آخر للنقد، أو إن شئتم أحبّ الشغب واﻻنتقاد كاسم آخر للهجاء.

قد أطرب للشعر الصافي البعيد عن اليومي والهامشي والزائل والذي يشتغل على ذاته وينشغل بتقنياته وبالفانتازيا المنفلتة من أسر الواقع ومشاعله …. ولكن سرعان ما كنت أشعر بأنني فيما يشبه غرفة العناية المشدّدة وفي جو شديد التعقيم، وأن هذا الجو ﻻ يشبهني وﻻ أشبهه، وﻻ أنتمي إليه انتماءً عضوياً ، وأن علي الخروج منه إلى حيث الناس بضحكاتهم، ومشكلاتهم، ونكاتهم، وخبث بعضهم وطيبة اﻷكثرية الساحقة منهم. 

You may also like