Home إلّا تَمَخَّضَ “أردوغان ” وَوَلَدَ جَزَرَهْ

تَمَخَّضَ “أردوغان ” وَوَلَدَ جَزَرَهْ

by رئيس التحرير

غادا فؤاد السمّان / شاعرة وكاتبة سورية – بيروت

بعد صمت الرئيس التركي “رجب طيّب أردوغان ” لأكثر من ثلاثة أسابيع على مرور الجريمة التي تمّ ارتكابها في قنصلية المملكة العربية السعودية، فوق الأراضي التركية في استنبول، وبعد أيام من التلميح المتواصل عن خطاب أردوغان والذي تقرّر في الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول للعام 2018، وبعد الانتظار الطويل نسبيّاً، والترقّب الإعلامي الشرس، والسياسي الشديد، لما يملك أردوغان وحسب “زعمه ” من أدلّة جديدة ومعلومات وتفاصيل عن الواقعة الأثيمة، تمّ التمهيد لها طويلاً على أنّها ستكشف النقاب عن مصدر “الإيعاز ” لهذه الجريمة البشعة، وحسبما تمّ ترويجه إعلامياً لأكثر من أسبوع أنه سيميط اللثام عن “الخفايا” الكاملة التي تحيّر الرأي العام العالمي في أكثر من قارّة، جاءت كلمة أردوغان أقلّ من المتوقّع بكثير، وأصغر من الحملة الإعلانيّة والإعلاميّة التي رافقت أهداف “الإضافة ” الجديدة إلى السيناريوهات المطروحة منذ إعلان الجريمة حتى اليوم، والتي في واقع الحال لم “تضفْ ” أيّ جديد عن كل ما قيل، بل على العكس كانت مجرّد تلويح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، برسالة مبطّنة أنه لا يزال ثمّة فرصة أمام المملكة ل”تشتري ” صمت أردوغان وتضامنه، وتعمل على استرضائه بكل الدولارات الممكنة، وخاصّة أنّ العملية قد تمّت فعلياً في عقر دارها وهذا “عار” حتماً وبجميع المقاييس على الحصانة الدبلوماسية، وعلى السيادة التركية، وعلى الهيئات الإدارية “الأمنيّة ” المخابراتيّة فيها، التي لم تستطع أن تتنبّه باكراً للحركة الشاسعة الواسعة المريبة التي تمّت على مرآها، وداخل مَرْماها، اعتباراً من أرض المطار، وصولاً لدهاليز القنصليّة السعوديّة، مروراً بالحدائق الحرشيّة الموحشة في عزّ الليل، لإيجاد مدفن آمن للجثّة..

كل هذا ولم تستطع جميع الأجهزة الأمنية “الشكّ ” للحظة بما يخطط له فوق أراضيها، وأيضاً لم تستطع الكشف عن ملابسات القضيّة حتى اليوم، بل لا تزال أبواب التكهّنات والمخيلة مفتوحة، لنشر المزيد من القصص والمشاهد المحتملة، وإصابة الإعلام بتخمة التوقعات، وإرباك المتلقّي على مدار الساعة، لتصيرَ حادثة الإغتيال أمّ الأزمات والبلايا في العالم العربي.

الواضح أنّ الشيطانة العبقرية “براقش ” التي جَنَتْ على نفسها وأوقعت بن سلمان في شرِّ أفعاله، وأعماله، وطموحاته، المتعجّلة في تمشيط المملكة من أي صوت معارض لسياسته وسياسة طاقمه الحاكم، والذي كان “يدعمه ” في الداخل السوري وخارجه، لم يكن يضع في حسبانه أنّ هذا الحدث الجَلَلْ الذي أراحه “نظرياً ” من الخاشقجي، ورغباته الطائشة في مناهضة الحكّام، والمتحكّمين في المملكة، وثرواتها وشعبها، أنّ هذه الراحة ستنهكه شخصيّاً وتنتهك خزينته حرفيّاً، فالكلّ يطمع، والكلّ أصبحَ شريكاً في اللعبة، والكلّ يتأرّجح على عارِضَة المكاسب، وفي يده العصا والجزرة، وأردوغان واحد من عِظَام الرقبة التي يلتفّ حولها الحبل “السرّي ” للمشاورات علناً ودون لفّ أو دوران، فالجميع في هذه القضيّة نصّب نفسه قاضياً، وبن سلمان بريء طالما هو البقرة الحلوب، وما إن يجفّ ضرعها فليذهب إلى الجحيم، وهذا هو منطق القوّة، الذي أراده بن سلمان، وتحالف معه، ورهن رعونته لرعونة الأقوياء وهم في التسلسل الهرمي ترامب أولاً، وفي مفهوم أردوغان التسلسل الهرمي يختلف إذ لابد محاسبة الأصغر فالأكبر والأكبر وصولاً إلى الرأس المدبّر، وأردوغان يلمّح بدهاء واضح إلى الرأس المدبّر الذي لم يعلنه في خطابه بالاسم، ويحدد “بن سلمان ” بصفته هو المقصود بالرأس المدبّر، بل ترك الباب مفتوحاً للتأويل والتهويل والترهيب والترغيب فمراضاة أردوغان ستحلّ لغز الأسئلة المطروحة في خطابة، وستوجد الإجابات بسلاسة ويسر، وأهم ما أشار إليه مطالبته باستعادة المتورطين بعملية اغتيال الخاشقجي الثمانية عشر، كرسالة مكشوفة بأنه لا يثق بالتحقيق في المملكة، وأنه ينصّب نفسه هنا وبشكل مباشر الحكم الفيصل في كشف الحقيقة.

إذاً أردوغان لم يعرض فيلماً كما قيل أنه يملكه من خلال كاميرات المراقبة، ولم يقدّم تسجيلاً صوتياً يحمل صوت آلام الخاشقجي وعذاباته المريعة التي عاناها أثناء التعذيب، والكل ينتظر ويترقّب هذه التسجيلات المزعوم تسجيلها، واحتفاظ الشرطة التركية بها، فور دخولها القنصلية لأول مرّة.

ويبقى السؤال الأخير الذي نسي أردوغان أن يطرحه في خطابه على نفسه من جملة الأسئلة التي تركها في عهدة الرأي العام، هل حقاً يريد أردوغان كشف الحقيقة، أم أنه يريد أن يبعيها لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويترك الخاشقجي يتخبّط في دمائه إلى يوم الدين..؟!

 

خاصّ – إلّا –

 

You may also like