Home لـوثـة إلّاثقافــة الوحدة العربية بين التأسيس والتداعيات والإخفاق

الوحدة العربية بين التأسيس والتداعيات والإخفاق

by رئيس التحرير

توفيق شومان / كاتب ومحلل سياسي لبناني – بيروت

الحديث عن الوحدة العربية في ظلّ التساؤلات المشروعة، يعتبر حالياً سؤالاً معقّداً ومركّباً، فرض جداله وإشكالياته منذ بدأ الشعور القومي يلفح أبناء المنطقة الشامية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبالتحديد، عندما أطلقت العاصمة اللبنانية بيروت، شرارة القومية العربية، مع ناصيف اليازجي وبطرس البستاني اللذين شكّلا جمعية ” الآداب والعلوم ” في العام 1847، ثمّ ألحقاها ب “الجمعية العلمية السورية ” في العام 1857، وضمّت إلى جانب اليازجي والبستاني، حسين بيهم، ومحمد أرسلان وعشرات غيرهم، وبعدها جاءت صحيفة ” نفير سوريا ” لبطرس البستاني في العام 1860، لتشكّل رافداً آخر وأساسياً للفكر القومي العربي.

غير أن الحديث عن الفكر القومي، والعربي بالتحديد، لم يكن شاملاً ولا جامعاً، ولا في سياق المفهوم الذي غدا غالبا في النصف الثاني من القرن العشرين، أيّ الأمّة العربيّة الممتدّة من الخليج إلى المحيط، فالمفهوم القومي العربي إلى ما قبل الأربعينيات من القرن الماضي، اقتصر على بلاد الشام، والعراق، والجزيرة العربية، بما فيها اليمن، كما جاء في تعريف المفكّرين والمنظرين الأوائل، مثل نجيب عازوري ( كتابه: يقظة الأمة العربية 1905)، فيما جورج انطونيوس في كتابه ” يقظة العرب” الصادر في العام 1939، يحدّد المجال الجغرافي والقومي العربي من اليمن مشرقاً حتى سواحل المحيط الأطلسي مغرباً، ولكن بين عازوري وانطونيوس، كانت الفكرة القومية الغالبة، محصورة في بلاد الشام، مثلما كان حال جمعية ” بيروت السريّة ” التي أسهم في إطلاقها، فارس نمر باشا، أو جمعية ” الإخاء العربي ـ العثماني “، المُنطلِقة في العام 1908، أو المنتدى الأدبي ” الذي قاده وترأّسه وجه ثقافي مرموق من جنوب لبنان، هو عبد الكريم الخليل، وأعدمه الجنرال جمال باشا مع نخبة من المفكرين اللبنانيين والسوريين في العام 1916.

أما مصر، فقد كانت خارج المفهوم القومي العربي، وقلّما تماهى المصريون مع هذا المفهوم قبل العدوان الثلاثي في العام1956، وما يمكن أن يقال في هذا الشأن إن الرئيس جمال عبد الناصر، جعل البعد القومي العربي لمصر، مكوّناً من مكوّناتها، وربّما عدم التماهي المصري مع المفهوم القومي قبل عبد الناصر، هو الذي دفع أحد أهم المفكريين القوميين، ساطع الحصري، ليقول متحسّراً وناقلاً عن الزعيم الوطني المصري سعد زغلول : في كتابه “العروبة أولا ”  إنه قرأ في جريدة عن سعد زغلول قوله عن الوحدة العربية: “لو جمعت صفراً إلى صفرٍ إلى صفرٍ، ستكون النتيجة صفرا”.

بصورة عامة، وبصرف النظر عن المجال الجغرافي القومي، ومنطلقاته الشامية الأولى، وكذلك بغضّ البصر عن محاولة الشريف حسين إقامة مملكة عربية جغرافيتها قائمة بين الجزيرة العربية وشرم الشيخ، فإنّ جدل نضوج الفكرة القوميّة من عدمه، وأيضا كيفيّة السلوك نحو الدولة القومية، عبر الوحدة الشاملة أو الإتّحاد، طغى على مجمل حقبة ما بعد الإستقلالات العربية، فعماد الفكر القومي العربي، قسطنطين زريق، كان دائم الحديث عن ” البلاد العربية ” وأمّا الأمّة فهي قيد التحقّق”، ويتحدّث المفكر رئيف خوري عن الإتّحاد العربي في كتابه ” معالم الوعي القومي ” ، وكذلك علي ناصر الدين في كتابه ” قضيّة العرب “، وساطع الحصري يتحدّث استمراراً عن ضرورة استيقاظ الوعي والشعور القوميَيْن، وحتى زكي الأرسوزي، لم يكن بعيداً عن فكرة ” الهلال الخصيب “، فدعا إلى دولة تجمع لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق، وإقامة معاهدات دفاع مشترك مع الأقطار العربية الأخرى.

ما يمكن قوله هنا.. إنّ الفكرة القوميّة العربيّة، بدت فكرة قلقة ينقصها النضوج والتطوّر المضطّرد، حتى لدى مطلقيها من رجال الفكر من الجيلين القوميَيْن، الأول والثاني، وهذا دليل عافية فكرية وصحّة منطقيّة، إلا أن رجال السياسة ،الذين يغلبهم عادة الإنفعال والتطلع إلى الإنجازات السريعة، خالفوا رجال الفكر الذين يميلون غالباً، إلى التفكير الهادىء، ولذلك استعجلوا الوحدة فخسروها، وخسروا “مشاريع الإتّحادات ” كافّة، من الوحدة السورية ـ المصرية في العام 1958، إلى “الإتحاد الهاشمي “في الفترة عينها، إلى ” اتّحاد الجمهوريات العربية ” في العام 1972، إلى “ميثاق العمل القومي ” السوري ـ العراقي، الذي أسقطه صدام حسين في العام 1979، إلى ” مجلس التعاون العربي ” الذي ضمّ مصر والعراق واليمن الشمالي في آواخر الثمانينات، إلى ” إتحاد المغرب العربي “، المتوفي منذ لحظة إعلانه في العام 1989، إلى مشاريع وحدويّة واتّحاديّة آخرى، غير قابلة للحصر.

قد يكون الحديث عن الوحدة العربية في هذه الآونة، أشبه بما قالته العرب قديماً ” حديثُ خرافة يا أم عمرو “، ذلك أنّ إعادة جمع الأواني الوطنيّة المحطّمة في الأقطار المنكوبة، من ليبيا إلى سوريا، ومن اليمن إلى العراق، وكذلك لبنان وتونس الواقفان أمام امتحان المصير، ومصر التائهة في داخلها ومآزقها، كلّ ذلك يطرح أولوية إعادة تركيب هذه الدول على قواعد وطنية حقيقيّة، فشلت دولة ما بعد الإستقلال في تحقيقها، وعلى الأغلب، أن إعادة جمع دواخل هذه الأوطان، لن يكون سهلاً وسريعاً، في ظلّ انبعاث النزعات الطائفية والمذهبيّة والقبليّة والعشائريّة، وهي نزعات قاتلة وفتاكة، إلا أنّ الأمر ليس مستحيلاً، إذا توفّر رجال سياسيون رساليون، يساندهم مثقفون رساليون، وفي حال نجح الرساليون في إعادة بناء الدولة الوطنية بضابطيها الجديدين القانون والديموقراطية،فطبيعة الحال حينذاك، أن الدولة الوطنية العربية الجديدة، لا مجال أمامها، إلا أن تتطلّع نحو مصالحها الكبرى، ومصالحها الكبرى تكمن في الفضاء العربي، ومن دون الوقوف أمام المصطلحات : وحدة أو إتّحاد أو ربما صيغ جديدة ومبتكرة .

 

خاصّ – إلّا –

You may also like