Home سياسة إلّا لغز اختفاء الخاشقجي.. المصالح تأتي قبل حقوق الإنسان

لغز اختفاء الخاشقجي.. المصالح تأتي قبل حقوق الإنسان

by رئيس التحرير

 ياقوت دندشي / كاتبة وإعلامية لبنانية – بيروت

ظاهرُ الأمر، أنها في حال تأكد وقوعها، جريمةٌ غبية، ذلك أنها وقعت ضمنَ بقعةٍ محدودةٍ جدًا، تصنّفُ وفقَ العرفِ الدبلوماسيِّ أرضًا سُعوديةً خاضعة بشكلٍ مُطلَق للسيادة السعودية.

لكن، إذا أردنا التمعّنَ في القضية، نجد أنفسنا أمام انتهاكٍ لا يخلو من الضياع وتنوّع السيناريوهاتِ الجاهزة التي يمكن لكل الأطراف المعنية تقديمُها. السعودية مثلاً سارعت إلى إنكار وجودِ الإعلاميّ والناشط #جمال_خاشقجي داخلَ حرمِ قنصليتِها في مدينةِ إسطنبول التركية، حيث توجّه قبل أيامٍ لمتابعة أوراقٍ رسميةٍ تخصّه كان تقدّمَ بها قبل اختفائه بأسبوع. المملكة زادت منتقيديها من الشِعر بيتًا، فاتحةً أبواب قنصليتها للصحافيين لإثبات أن المفقود ليس مُخبًّأ تحت سقفها. في المقابل، السلطاتُ التركية، المعنيةُ بشكلٍ أساسيٍّ بالحادثة، أبدت دبلوماسيةً عالية، وتريثًا موصوفًا في إطلاق الأحكام والتحليلات والاستنتاجات وأيضًا نتائج التحقيقات، وفي الوقت الذي انتظر منها الرأي العام والإعلام العالميان إجمالاً، تحركًا جدّيًا كدولةٍ ذات سيادة لِـ فكِ لغزِ الاختفاء هذا، كان سياسيّوها وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب إردوغان يستبعدون أي تصعيدٍ في لهجتهم تجاه المملكة العربية السعودية.

وكالةُ رويترز للأنباء نقلت عن مسؤولين أتراك خبر مقتل الخاشقجي داخل قنصلية بلاده، لكن ذلك لم يستدعي من السلطات التركية، بعد أيامٍ من الحادثة، أي اتهامٍ مباشر وصريحٍ للسعودية، بل ظهر مسؤولون ودبلوماسيون أتراك على شاشاتِ التلفزة يردّدون أن أنقرة مهتمةٌ بالحفاظ على علاقة طيبة مع الرياض. عبارةٌ قد تبدو رنّانة، لولا أنها تعكس واقعًا تركياً مضعضعًا، تزامنًا مع الأزمة الاقتصادية المستفحلة، التي أدخِلت فيها تركيا نتيجة سياسة التعنّت والقوة القاهرة وفرضِ العقوبات الاقتصادية التي اتّبعها معها الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، مكبّدًا إيّاها خسائر كادت تكون قاضية، لولا بعض الحلفاء الذين تدخلوا لنجدة أنقرة ماليًّا، وطبعًا ليس كُرمى لعيونها، بل خدمةً لمصالحهم في هذه المرحلة من التجاذبات الدولية. وهذا ما يعكسه خطاب الرئيس إردوغان الدبلوماسي بامتياز، حيث يظهر بوضوح أن تركية غنية عن كسب عداواتٍ إضافية في هذه المرحلة الحرجة.

التهمةُ التي تبدو “حفر وتنزيل” ملتصقةً بالسعودية، رأى فيها الموالون للمملكة مسرحيةً تحمل توقيع الإخوان المسلمين، في إطار توظيفها للنَيْل من العائلة الحاكمة في الحجاز، أو على الأقل من الملك الحاليّ ووليّ عهده المثير للجدل، وبالتالي إلباسهم تهمة ارتكاب جريمةٍ موصوفة تنال من حقوق الإنسان أمام عيون الأشهاد، ما يستتبعُ إجراءاتٍ حازمة من جهاتٍ عالمية سواء على مستوى المنظمات الحقوقية أو على مستوى الحكومات الفاعلة على الساحة الدولية. واقع الحال يقول، إنه حتى في حال إبراز تسجيلاتٍ تؤكد خروج خاشقجي من القنصلية السعودية بعد 20 دقيقة من دخولها، إلا أن ذلك لا يمكن أن يشكّل دليلاً في ظلّ إمكانية التلاعب بهذه الأدلة المادية عبر التقنيات الحديثة المختصة.

إنما، مَن قال أن ترامب مثلاً سيسمح لعلاقةِ بلاده، المبنية على المليارات المجانية بحجة حماية العروش، وذلك ما ألمح به ترامب نفسه، ستتأثر من أجل مواطن سعودي، حتى وإن كان يحمل الجنسية الأمريكية؟ ومن قال إن السعودية، في حال ثبتَ مقتل خاشقجي، وثبت أنها وراء ذلك، تخشى من أي تبعات؟ هي تعلم جيدًا أن المصالح الاقتصادية المتبادلة تتحكم بالسياسات قبل أي اعتبار.. البوصلة الأمريكية تشير على الدوام إلى حيث المال، وإذا بدرَ من واشنطن أي تحرّكٍ فلن يكون من أجل شخص خاشقجي، بل من أجل تحقيق مكسبٍ ما عبر الضغط المستند إلى هذه الحادثة.

ثم من قال إن الأيدي الأمريكية بعيدةٌ بالضرورة عن دائرة الاتهام؟ ما الذي قد يمنع أي جهةٍ من الذهاب إلى فرضية سيناريو خلق الأزمات بشكلٍ مدروس بهدف الضغط على المملكة أو تركيا. أليست الأخيرة هي من يظهر ضعيفًا وعاجزًا عن معرفة أو حتى إعلان الحقيقة، التي تعرفها غالبًا، عن حيثيات اختفاء إعلاميٍّ وناشطٍ مشهورٍ ضمن أراضيها، دخلَ قنصلية بلاده ولم يعُد، بسبب آراء خارج النص ..!

 

خاصّ – إلّا –

 

You may also like