Home إلّا “الأونروا ” استحقاقٌ عربيُّ جديد

“الأونروا ” استحقاقٌ عربيُّ جديد

by رئيس التحرير

 

غادا فؤاد السمّان / شاعرة وكاتبة سورية – بيروت

 

بات من الواضح أنّ الغطرسة الأميركية لم تعد تقف عند حدّ، وأنّ هندسة الشرق الأوسط الجديد لم تعد مجرّد وثائق ومستندات ومخطّطات مؤجلّة التنفيذ، بل تمّ استحداث وُرَشْ عربية بإدارة أميركية تأخّرت بعض الوقت لتعلن عن وجهها الحقيقي ريثما استطاعت العثور على قائد أرعن لجميع تجاوزاتها ومقرراتها الاستفزازية التي تنمّ عن نوايا غير حسنة للهيمنة على المنطقة العربية “الغارقة ” في الفساد، والمتخبّطة في الجهل والمقصود بالجهل هنا ليس عدم حمل الشهادات العلمية والتحصيل الدراسي فلا شكّ أن العرب تخطّوا مراحل الأميّة بكثير وصار بينهم كفاءات علمية عالية، ولكنّ المقصود بالجهل هنا، هو جهل الكثير من المفاهيم والمصطلحات لصناعة مجتمع حضاري تحت لواء وطن حرّ مستقلّ، فالجهلّ كلّ الجهل أن يتكوّن المجتمع من مجموعة أفراد تسيطر على مفاصل الدولة وتتحكّم بمقدراتها المادية بكل ما يتلاءم لسدّ حاجاتها وتغطية طموحاتها وأطماعها مستجرّة للخوض في هذا المجال فريق من الأتباع هدفه الأول والأخير المضاربة، والتنافس، والتناحر أحياناً، لإزاحة فريق آخر، عن طريقها، مما يجعل المجتمع الواحد يتخبّط في بعضه البعض، ويناحر بعضه البعض، ويدمّر بالتالي بعضه البعض، ضاربين عرض الحائط المصلحة العامّة مصلحة الوطن الذي من المفروض أن يكون للجميع وأن يوفّر سبل العيش بكرامة للجميع بعيداً عن الاستزلام والاستنساب والمحسوبية، هذا هو الجهل الذي يُشار إليه بالبَنَان وهو الواضح للعيان، مما جعل الصيد في مائه العَكِر سهلا للمتربصين به، وما أكثرهم، وفي مقدمهم “إسرائيل ” التي وعدت نفسها منذ بِدْء الاستيطان أن تتجاوز مستعمراتها الشواطىء التي نزلت منها لتشمل العالم العربي من المحيط إلى الخليج الطافح بالثروات والفارغ من الضمير..

ففلسطين وحسب المخطط الأميركي المستجد “لم ” تعد للفلسطينيين، بل لسكانِها الجُدُد، لكل القادمين من أصقاع العالم، وهذا ليس على أميركا بجديد فالتي استطاعت أن تبيد قارة الهنود الحمر بمجملها، بوسعها أن تسقط عن الفلسطينيين متاعهم وحقّم بالعيش فوق أراضيهم، وحقّهم في النضال المشروع من أجل العودة، بل قرّرت أن توزّعهم حسب مزاجيتها الضارية على فراغات المنطقة العربية بحفنة من الدولارات، وكمشة من المشاريع، وفائض من الضغط ، ضاربةً عرض الحائط مبدأ “الانتماء “، ومنظومة الأصل والفصل والتاريخ، ليصير الفلسطيني عراقيّاً بالحتميّة، ويصير الفلسطيني سوريّاً بالتزكية، ويصير الفلسطيني مصريّاً بالضرورة، ويصير الفلسطيني أردنيّاً بالبديهيّة، ويصير الفلسطيني لبنانيّاً بالقسريّة، وفق الرؤية الأميركية التي شاءت هذا الترتيب لتتيح لإسرائيل “البهيّة ” أن تتمطّى جيداً، وأن تتنفّس الصعداء، بإسقاط حقّ العودة، وضرب مشروع المقاومة عن بكرة أبيه، وإخراج حزب الله من دائرة الحدث، وإغلاق الباب على إيران إغلاقاً تامّا للحديث باسم أحد من فلسطين لا يزال خارج ترابه، الجدير بالذكر واللافت حقّاً للانتباه، أنّ المنطقة العربية على اتساعها لم يصلح منها للفلسطينيين سوى منطقة الهلال الخصيب تقريبا، فقد اقتصرت على الدول الموازية لإسرائيل، وغابت بالمقابل حصص دول الخليج عن فكرة التوطين، لكنها لم تغبْ عن فكرة دفع الضرائب الباهظة، للولايات المتحدة الأميركية باسم صندوق الأمم المتّحدة لصندوق التوطين، وكانت أول هذه القرارات الجائرة بحق الفلسطينيين، وقف المساعدات عن دعم منظمة “الأونروا” التي أعلنت بدورها صدمتها الحقيقيّة إزاء هذا القرار الجائر ولعلّها من المرات القليلة التي يخرج فيها

نتيجة بحث الصور عن انطونيو غوتيريش

انطونيو غوتيريش / الأمين العام لمنظمة الأونروا

أمين عام الأونروا “أنطونيو غوتيريش ” إلى الإعلام ليعرب عن استنكاره لهذا القرار الظالم بحق 4 مليون و300 ألف لاجىء فلسطيني، تتكفل الأونروا بإعالتهم من حيث الطبابة والمدارس والخدمات العامة، لكنه في الوقت عينه تكفّل بمتابعة المسيرة التي وصفها ب “الإنسانية ” ونفى عن الأونروا كل النفي أية صبغة سياسية تتّهمها بالإنحياز لأيّة جهة، كما حضّ دول الخليج ومنها السعودية، وقطر، والإمارات العربية في مَعْرِض حديثه على ضرورة المساهمة في تغذية صندوق التعاضد في الأونروا لسدّ النقص الذي فرضته الولايات المتّحدة، بتخفيض المخصّص السنوي من مليار و200 مليون دولار إلى 900 مليون دولار، الأمر الذي استوجب رفع الصوت عالياً من قبل رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري وإعلانه النفير إكراماً لسكان المخيمات اللبنانية الذين لا ينقصهم طبلاً ليرقصوا على مذابح بعضهم البعض، فالاختلاف المتواصل والمتفاقم بين الفصائل في المخيمات، والتسليح اللامنطقي فيها والانتفاضات المستمرة بين وقت وآخر والتصفيات المشهودة بين بعضهم البعض، يتوعّد بالمزيد من الغوغائية التي تهدّد بالتالي أمن لبنان واستقرار أهله، والجدير بالذكر تكفُّل الوزير جبران باسيل أيضاً بالمواجهة، وعدم الرضوخ لقرار الولايات المتحدة، بالسعي الحثيث لدعم الأونروا، ورفض مشروع التوطين مهما كانت المعطيات والدوافع، ولا شكّ أنه موقف يُحسب له على صفحات التاريخ.

 

المصدر : جريدة الديار اللبنانية

https://www.addiyar.com/article/1600145-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%86%D8%B1%D9%88%D8%A7-%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D9%82%D8%A7%D9%82-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF

 

You may also like