Home إلّا البنّا.. والشيْطان

البنّا.. والشيْطان

by رئيس التحرير

سناء البنّا / شاعرة وكاتبة لبنانية – جبل لبنان

كانت طفولتي غير اعتيادية، عشتها بين الأديرة وبيت جدي، رجل الدين المتمسّك بالقيم الروحيّة التوحيديّة، ما أولد صراعاً لم أكن قادرة على تحليله يومها، إلى أن ساهم في تشكيل حالة رهاب من السؤال عن ماهية الله، وأي طقس من واجبي أن اتّبع لأنال رضاه.

سأسرد قصة قصيرة من مجموعة أفكار موجزة عشتها في طفولتي، وأدّت إلى قلق واضطّراب لم يتنبه له أحد من المحيطين بي. أفكار متضاربة حول الله والقديسين، الرسل والانبياء، العجائب والخيانات التي أدّت إلى صلب المسيح.

كيف تدحرج الحجر عن قبر المسيح .. كيف يعربد الشيطان، كيف تنتقل الروح بين الجنة والجحيم، كيف تتعاقب بين الموت والتقمص، كيف تتخبّط النفس بين الحلال والحرام، كيف نحسم انحيازنا بإسم الله أو بإسم الصليب .

كان صراعا يباغتني في كل خطوة وكل التفاتة قبل أن أعي فلسفة الأديان وحقيقة الله.. ودائما كان الشيطان مصدر الخوف الأكبر حين أتخيله كلصٍّ يجري خلفي، وأنا أمشي مسرعة لأصل قبل أن يلتقطني من الخلف .. فكنت كلّما  دخلت غرفة أخشى أن يكون خلف الباب، وكنت كلّما لمحتُ خيالا على الحائط أغمضُ عينيّ حتى لا أراه.

لم أكن قادرة على الخروج من هذه العقد، حتى سمعت من إحدى صديقاتي أن الطعام حين يسقط على الأرض يلعقه الشيطان، لهذا لا يجب ان نلمّه أو نأكله كي لا يدخلنا إبليس.

القصّة لم تنتهِ هنا، حيث لَعبَ الخيال لُعبتَه وصرتُ كلما نظرتُ إلى الأرض أخال الشيطان فاتحاً فاهَهُ، يريد أن يلتهمني إن لم أطعمه بقايا طعامي.

هكذا تعاظمت الفكرة في رأسي وصرت أرمي طعامي أرضا لأطعمَ شياطينها قبل أن تلحسني، حتى أصابني هزال شديد ومرضتُ مرضاً أشدّ وقتها لم يعرف أحد السبب لما أنا عليه.

كنت آخذ الخبز معي أرميه قبل أن أنام تحت السرير كي لا يقترب إبليس مني. إلى أن بدأتُ اشعر أنني كلما كبرتُ كان الخوف يصغر، حتى مَحَتْهُ ذاكرتي وعرفتُ حقيقته الوهمية.

وتعلمتُ كيف أعالج نفسي بنفسي، بعد صراع مرير أضناني دون ذنب، وبقيتُ طفلةً خارج واقع الكبار وبعيداً عن أفكارهم حتى يومي هذا.

 

خاصّ – إلّا –

You may also like