Home لـوثـة إلّاأدب قصيرةٌ هي الفواصل.. عنيدٌ هذا التمرّد

قصيرةٌ هي الفواصل.. عنيدٌ هذا التمرّد

by رئيس التحرير

أحمد زعرور / كاتب وشاعر وفنان تشكيلي لبناني – لندن

تعدّ الشاعرة والأديبة “فوزية شويش السالم ” من الأسماء الأنثوية اللامعة في الأدب العربي الحديث، فهي تحلّق  عالياً في فضاء الشعر ثم تحطّ رحالها على مدرّجات القصّة، وصولاً إلى معارج الرواية، وتغلغلاً في زوايا البحث، وانعطافاً على مشارف النقد، ناهيك عن مواظبتها الدؤوب في تقديم المقالة الأسبوعية، التي تتناول فيها مختلف الحالات دون أن تهمل أيّة حالة إبداعيّة بأشكالها المتعدّدة، اعتباراً من الحرف تمهيداً الى حضور اللون وتشكيلاته الأخّاذة لدى أي مبدع أو مبدعة لا تستثني أحداً من المشهد الثقافي.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏3‏ أشخاص‏، و‏أشخاص يبتسمون‏‏

فوزية شويش السالم توقّع آخر إصداراتها في معرض الكتاب في الكويت 2017

وتعتبر فوزية السالم صاحبة الحضور المميّز والمشرق في مختلف النشاطات الثقافية في الكويت بلدها وحاضن إبداعها الجميل المشعّ والمبهر في العديد من المناسبات والأمسيات، كما هو حاضرٌ لألقها في معظم الدول العربية.

إذاً اسم فوزية السالم هو غنيّ عن التعريف، ففي رصيدها عدد من الدواوين الشعرية التي أكملت أصابع اليد الواحدة، وفي جعبتها عدّة روايات تصدّرت معظم المعارض العربية للكتاب، وفي أرشيفها عددٌ من الأبحاث،ولن أكرر أنّ بصماتها المضيئة تتصدّر صحيفة “الجريدة ” الكويتية منذ مدّة طويلة، وغيرها من المنابر التي تشهد على جدّيتها في اخيار المواضيع والأفكار الهادفة التي تعالج وتهتم في نواحٍ متعددة من الصور الحياتيّة سواء على صعيد الإصدارات أو على صعيد المجتمع والقضايا اللافتة.

حظيت فوزية السالم بكثير من الإهتمام الإعلامي والصحافي والمؤسساتي المتمثّل في مديريات المعارف الرسمية ووزارات الثقافة العربية، حيث حملت العديد من الدروع باسمها، كما نالت العديد من الجوائز بجدارة وتقدير من جميع الأطراف المذكورة.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏4‏ أشخاص‏، و‏أشخاص يبتسمون‏‏

فوزية السالم بحضورها البهي وبسمتها البيضاء وسيلفي مع اهتمام الجهات المسؤولة بألقها المتواصل

تعتبر تجربة السالم تجربة مشرّفة، وتجربة مشرقة بمعنى الكلمة لما تتميز به من أسلوب يعشق التجريد والترميز، يعانق الغرابة والغموض، فهي تكتب الشعر على وزن الصحراء، وتضمّنه إيقاع النخيل الممتشق الشامخ، وإذا ما هاج العشق في الهواء وماج يميل ليدلي بكلّ ماتمليه مشاعرها السردية الكثيفة الثرّة، إذ تأتي المطالع عندها بالروائع، وكأنها تختطف الكلام من حقول الغيم ةتسرح بقطعانها عبر أفق لا يحدّ.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏نص‏‏

منذ ولادة مجموعتها الشعرية الأولى..”إن تغنّت القصائد، أو انطفأت فهي بي “، مروراً بالمجموعة الثانية..”في مراتي يتشهيْن عصفور الذهب “، ثمّ إلى “موسيقى الحجر ” ، وبَعدها مجموعة “الماء موسيقى أيضاً “،بلوغاً حتى السيرة الشعرية الأبلغ..”حارسة المقبرة ” يمكن القول أنّ تجربة الشاعرة تتطوّر بشكلٍ مدهشٍ حقّاً، فهي تمتلك أسلوباً أخّاذاً رهيفاً شفيفاً مثيراً للإعجاب، حيث تقدّم الشاعرة فوزية السالم في قصائدها القصيرة رائحة اليومي المُعاش بطريقة السهل البسيط الممتنع، فهي تحيك صورها، وتلوّنها بألوان زاهية، مضاءة من الداخل، مفعمة بطاقة جمالية، مرسومةٍ بلغةٍ آسرة، وسجيّة ناعمة ملموسة بنبضها اللطيف الشفاف، وبإحساس مرهفٍ راقٍ جيّاش تجيد العزف على الحروف، إلى أن تتحوّل لعبة الكلام لمقطوعة موسيقيّة خلابة.

جمال الشعر بتقديري هو أن لا يقول ما يقول، بل هو استدراج المخيلة للمضيّ إلى حيث يحلو الوصول.

حيث أقتطف من مغزول السالم حين تقول:

/الشعر سنابل والحقول عقول

/هدير الشلال،،يتهاوى من أطراف الحديقة،،هدهدة،،لروح قلقه.

هكذا تتوزّع الصور بين ما يريد القلب أن يراه، وبين ما تقدّمه الطبيعة من صور مختلفة حيث كلّ عنصر من عناصر الطبيعة في مكانة من العين والعقل والروح، وخاصّة لما يلفت انتباه الشاعرة ويأخذها بحركته وحيويته دائماً  وأمثلتها حاضرة بقوة داخل السياق ك”الشلال،،الحقل،،الهدير ” وكل هذا لا يشغلها عن “قلق الروح، والنزوع الصوفي ” كما نلاحظ، في هذا المقطع ” جوع،،ليتني أعرف مقرّ هذا الجوع الدائم .. لأرسم له فم.. وأطعمه “، لعله هو الجوع الروحي، أو العطش العاطفي، أو العشق الذي لا تكتمل نشوته ولوعته إلا بعزف ثنائي الوتر حيث تقول في معرضِ مقطع آخر.. ” من وترين يندلع اللهيب “.

وتتكرر الحالة في قصيدة أخرى بصيغة مغايرة حيث نقتطف..” بين ضوء شمعتين،،نسيم الحديقة،،ليل غامض،، بين صديقتي اليابانية، وصوت صديقي العابر،وأنا المتلاشية ،، كيف ألملم المفتّت مني ؟ ” هنا تعود الشاعرة إلى وعيها لتسمع وترى،، وتشعر وتستدرك ما تفتّت منها، وكأنها تعيد تركيبه وهي تتلمّس الرؤية وتستوضح معالمها الدفينة. فوزية السالم شاعرة لا تخوم لها، فضاؤها مفتوحٌ يطير من جبهتها الحمام، وصدرها حدائق ورد ورياحين.

فوزية السالم كاتبة متمكنة تماماً وسرّ حضورها المميز في المشهد الثقافي عشقها للطفولة التي لن تنتهِ لديها

تعرف فوزية السالم كيف تروّض برق الاختزال اللامع، وهي ماهرة بتطويع اللغة ومتمكّنة حين تشعر القارىء أنّ الحياة وما فيها من جمال أقوى من اليأس، مهما اشتدّ الظلام فهي تؤمن بانتصار النور على العتمة.

لا تستسلم السالم لأيّ انكسار أو كسل أو خيبة أو إحباط فهي شاعرة تتمرّد وتثور على الموروث الثقافي، وتحلّق في فضاء الإبداع المشرق بعيداً عن القيود، ورطوبة الانفاق، وأوكار الزواحف والطفيليات، ففوزية تعشق الفكرة وتعشق اللغة واللفظ،، فتخرج الصورة كوردة بهيّة ساحرة، تشقّ صخر الواقع، وتزيّن تصحّر الوقت، فتدهشنا ونحن نراها وكأننا نشمّ عطرها للمرة الأولى، وهنا تكمن أهمية التجديد والتحديث في الشعر ببداهة وبراءة وبريق.

 

خاصّ – إلا –

You may also like