Home إلّا مفهوم “المساكنـــة ” بين الواقع والتقاليد

مفهوم “المساكنـــة ” بين الواقع والتقاليد

by رئيس التحرير


ليلى الحبّال / كاتبة وناشط اجتماعية سورية – لبنان

من خلال ظلال الحرب التي اجتاحت سوريا ظهر شبح من بين أنقاض الدمار والدماء وأشلاء البشر، إذ لم يكن ليُعرف أو يُسمح به في ظروف السلم السابقة فهو مُنافِ للأعراف والتقاليد، والأخلاق الدينية، والأجتماعية المسموح بها،  في  بلدٍ كسوريّة، ولكن دوماً فوضى الحروب تخلق واقعاً مختلفاً جديداً، يُجابه القديم بتحدٍّ واضح، واستفزاز غير مقبول في وقته، وحين  تنتهي مُعارضته يبدأ هذا الواقع الجديد الفوضوي بأخذ شكل يتلائم مع ما هو مستجدّ، فهو مولود من واقع قاسٍ،  ويستطيع فرض نفسه بقوّةٍ، لأنّ الواقع القديم يبدأ بالإنحسار نتيجة هزيمته  لظروفٍ مُتعدّدة وسُنن مؤكدة لا تتغير في العالم.

المساكنـة… كلمة كانت تثير الرعب والاستهجان حين تُلفظ  همساً خوفاً من تناثرها هنا وهناك، لكنها أصبحت الاَن مقبولة إلى حدٍّ ما، وهذا إنجاز بشكلٍ أ بآخر، وبعيداً عن التقييم سواء كان هذا المفهوم صحيحاً أم لا، فهو لون جديد دخل إلى لوحةٍ اجتماعيّةٍ مضطّربةٍ،  تعاني أصلاً، من نقصٍ في الألوان وحدتها ووضوحها، وسرعان  ما وجد هذا المفهوم، المكان المناسب له وذلك لعدّةِ أسباب:

1_  الحـالة الاقتـصاديّة.

2_ الحـالة النفـسيّة للمـجتمع ككُلّ.

3_ الحـالة  السـياسيّة.

4_ التـحدّي.

صورة ذات صلة

فالحالة الاقتصادية.. أثناء الحرب فرضت واقعاً مريراً لدى الشباب، فأصبحت تكاليف الزواج  التقليدي مرهقة جداً،  ولا يستطيع معظم من هم في سن الزواج  تحمّلها، وتحمّل تبعاتها من مسؤوليات الإنجاب، وما يليه من واجبات اجتماعية مرهقة، إضافة إلى قلّة أعداد الرجال المناسبة لتشييد مؤسسات الزواج، بسبب الموت أو الإعاقة الدائمة، ألتي لاتسمح بالزواج، ناهيك عن السبب الرئيس ألا وهو الهجرة التي قلّصت فرص الزواج التقليدي بشكل كبير جداً، أم للحالة النفسيّة للمجتمع كافة.. وبعد مرور سبع سنوات من الحرب، والدخول في العام الثامن، أصبحت رؤية المفاهيم الأخلاقية للمجتمع أكثر مرونة وتقبلاً،  لكلّ شيء، والأهم هو  الإحتياج الجنسي، الذي يزداد عادة، في الأزمات والحروب، على عكس ما يُشاع فواقع الموت العشوائي، فرض نفسه، والجنس هو بطاقة مرور إلى تأكيد البقاء والفعل في زمن الشلل التام المفروض على الناس العزّل، وعندما تسود فكرة أنه ماهو  أقوى من الموت  لاشيء، إذاً لاشيء يستحقّ التمسك به أكثر من الحياة نفسها،  بل لاشيء مهم، أكثر من اللحظة الحالية،  فالقادم مجهول، وهو  ماشهدناه أثناء الحروب العالمية بين المجتمعات التي  عانت ويلات الجوع والموت،  ولم تُلقِ  بالاً إلى أخلاق، ما قبل الحرب، والحرب اللبنانية التي امتدت لقرابة الثلاثة عقود كانت هي الأقرب جغرافياً  وتاريخاً لنا كشاهد على هذه  الحالة.

نتيجة بحث الصور عن المساكنه
جورج خبّاز شاعر وممثل لبناني معروف / أنا مع المساكنة

الحالة السياسية التي يمرّ بها أيّ بلد  أثناء الحرب تفرز حالة من القرارات غير المسبوقة أو غير المُتّسقة، حسب احتياج ومطالب المجتمع، وهي بالتالي تصيب أفراد المجتمع بنفس الحالة، بفرضِ قانونٍ ما، أو قرارٍ ما، يستلزم حالة من الموافقة الضمنية من قبل أصحاب الشأن والقرارات وهم يدركون تماماً، بأن المرحلة استثنائية وكل إفرازتها هي استثناء، سيتمّ قبوله شاؤوا أم أبوا، ويتمّ الإسقاط عندها.. (كما الحكومة، كما الشعب ).
نتيجة بحث الصور عن المساكنه
مايا دياب مطربة ومقدمة برامج لبنانية معروفة / أنا مع المساكنة
التـحدّي.. عادةً لدى الكثير من جيل الشباب حالة من التحدّي للمفاهيم  القديمة، تزدهر في سنّ المراهقة، إلى سنّ الشباب، وكانت تُترجم سرّاً إلى أفعال غير مقبولة، وربما شاذة في أحيانٍ قليلةٍ، ولكنّها تُرضي لديهم الثورة الداخلية الطبيعية، بالانقلاب على كل  ماهو  قديم، لحين إنقضاء تلك الفترة العُمرية، والرجوع بالتالي إلى برّ الأمان السائد فكرياً ومنطقيّاً واجتماعيّاً، ولكن في سنوات الحرب ثمّة شعور مختلف للتحدّي، يحتلّ منطقة أٌخرى للوعي،  مختلفة عن ما سبقها، بمساحة أكبر وأوسع زمناً،  وأقوى صوتاً،  فتحوّل هذا التحدّي “المؤقّت ” حتماً، إلى حالةٍ  شبه دائمة، لها ملعبها وقوانينها وروادها، رغم أنّ أصوات التحفّظ  لازالت موجودة، ولكن في مقاعد المتفرجين قسراً الذين فقدوا مواقعهم في التحكّم والتحكيم والتوجيه والسيطرة.
نتيجة بحث الصور عن فنانات سوريا مع المساكنة
لينا دياب ممثلة ونجمة سورية معروفة / مع المساكنة

الأمر  اللافت في مايحدُث الآن، أن حالة المساكنة أصبحت متعايشة في عُرف ومنطق العاصمة الدمشقيّة، والتي اشتهرت دوماً بكونها مدينة ينتمى أهلها، إلى فئة المُحافظين والمتشدّدين نسبيّاً، وهي سمة لاحقتها لعدّة قرون وزادت  على  أبوابِها السبع، باب  ثامن خفيّ لايمكن لك أن تراه، وهو باب “الخصوصيّة ” يُلاحقك علناً، أنّى توجهت ليجعل منك أسيراً لتقاليدها، دون إذن، منك أو أيّة مُراعاة لاختلافك عنها.

مهما يكن مِن الأمر فدمشق لم تعد زماناّ فقط، أو منطقة عبور كما وصفها المُبدع “أدونيس ” إنها تتحوّل  إلى أنثى   يكتمل  نضوجها  مع  كل  ألم وكل تغيير، تستمتع  ببعض الآلام كونها تعلم أنه، مخاض الولادة المنتظرة، لمجتمع جديد قد تتجانس ألوانه، دون نفور مسبقٍ منها، حيث يمكن أن يقبل بالاَتي إليها، ويمكن أن يحتضنه أهلها، دون سؤاله، عن ماهيته،  لكن هذا التحول سيأخذ وقتاً دون شكّ، مع أنه بدأ جدّياً ولن  تستطيع أبداً، سيوف الإرهاب المهترئة، والتقاليد البالية أن تمنعه، فهو  من سُنن الكون الحتميّة، إذ كلما كانت المحاولة لمنعه  أكبر، أخذ يشتدّ، ويقوى  أكثر، وهذا قانون الطبيعة الفيزيائية السائد إذ أنه:”لكل فعل ردّة فعل، مساوية له، في القوّة  ومُضادة له في الإتّجاه “.

وأخيراً لا يسعني القول إلا أنه كما نأمل أن تكون حالة المُساكنة هي حالة “وعي ” ضمن حالاتٍ مُعيّنة لها تفكير ناضج، ورؤية منضبطة، ومسؤولة، أكثر منها مجرّد حالة احتياج أو تحدّي أو حتى تقليد أعمى لدول  غربيّة، كوننا  مُختلفين عنها، ويلزمنا فعلاً دراسة المجتمع، وتفهّم أنّ كلّ شيء، له جوانبه السيّئة  وجوانبه الجيّدة، وأن نضع في اعتبارنا أنه ثمّة فرق ساشع بين الشرق والغرب، وأنه لن يتضاءل هذا الفارق بوقتٍ قريب، وليس بسهولة كما قد يتخيّل البعض، وأنه لابد من الثقافة الواسعة لمفهوم المساكنة، عندها ربما تتحول حالة المساكنـة إلى حلّ، يمكن القبول به وسط  حلول عديدة أخرى، حتى لا تصبح المساكنة محضّ تصوّر لحلٍّ شــاذٍّ  تتمّ ردعه وبالتالي محاربته.

خاصّ – إلّا –


​ بيوت الياسمين بين الازدهار والانهيار اللوحة  للفنان   ناثر  حُسني

You may also like