Home إلّا يوميات مراهق تجاوز الأربعين بثلاثةِ نساء وامرأة لازالتْ منتظرة

يوميات مراهق تجاوز الأربعين بثلاثةِ نساء وامرأة لازالتْ منتظرة

by رئيس التحرير

د. سلطان العمري/ استشاري جراحة أورام سعودي- ناشط اجتماعي ورئيس مجلس إدارة شركة بلاس كورب البترولية – الإمارات دبيّ

أنا الآن في صراع مع نفسي بأن أبدأ الكتابة أو  أنحر الفكرة في مهدها، اجتمعتُ “معي ” بعض الوقت وبعد أخذ وردّ توصّلت إلى أن أكتب “عنّي “، ليس لأني الرجل النموذجي في المجتمع، وليس لأني فريد عصري وأواني، ولكنّي أمثّل الرجل الشرقي في معظم التفاصيل إلا مارحم ربّي.. دارس، متعلّم، مثقّف، متنوّر بما يرضي من دأبَ على إيصالي لبرّ الأمان والدي رحمه الله ووالدتي أطال الله عمرها، والرضى طبعاً موصول لذاتي التي لم تقصّر لأجلي ولم تقصّر معي يوماً في اختيار الأفضل، والأفضل وحسب مفاهيمنا الاجتماعية هو ترميم الضلع الناقص في كيان الرجل، ويبدو أن كياني كان منقوصاً من عدّة أضلاع، فاستعضتُ عنه بالزوجة الأولى من بيئتي الخليجية، والضلع الثاني كان تحتَ طائلة التغيير وباسم التجربة من امرأة سورية تحمل معها سمات مجتمع مستقلّ كلّياً عن المجتمع الخليجي له عاداته وتقاليده وحضارته وجمالياته التي لا تخلو من الشعور بالمجازفة، أما الضلع الثالث كان من المغرب العربي،
المجتمع المختلف عن التجربتين السالفتين، والذي تكتسب فيه المرأة من سحره وجاذبيته وغموضه وخصوصيته الشيء الكثير ليشعرك أنك في مهبّ مغامرة حقيقية بمعنى الكلمة، وثلاثة زوجات لعشرين سنة مضت، ليست بكارثة تستحقّ دهشة القاصي والداني وشهقة معظم النساء اللواتي يدأبن على استنطاقي في كل مناسبة عابرة أو كانت أو مخصّصة، ولأنني أكره اللفّ والدوران، وأكره الرياء والمراوغة فأنا أتحدّث عن تجربتي المتعدّدة مع المرأة بطلاقة وتلقائيّة، دون تردّد أو تحفّظ، بقليل من السرد وكثير من الصدق، لتصدمني الخلاصة حين يختزلون الحديث بثلاثة كلمات مكرّرة وكأنها متّفق عليها مسبقاً: “أنتَ رجلٌ مِزواج “، ومصادقة على نظريتهم تجاهي فقد قرّرت خوض التجربة الرابعة ولو بعد حين، من امرأة أجنية من الأقاصي الآسيوية أو الأوربية وربما الأميركية ولو تيّسر اليابانية فلن أتأخر ليكتمل نِصاب رؤيتي وقناعتي وتجريتي وروايتي هذه التي سأبدأها صفحة صفحة عبر مجلّة – إلّا – وأنا بكامل الوعي والإرادة لأبدأ ولكن لا أعلم على الإطلاق كيف ستكون مسيرتي وما الذي سيعتريها، وماذا سيجتمع من تفاصيل وأحداث فيها، ستكون حتماً مستمدّة من الواقع السياسي المأزوم، والإقتصادي المضطّرب، والثقافي المنهار، والإجتماعي المدمّر، والأخلاقي الملعون.
كلّ المشاهد الآن على مرمى ذاكرتي، وبوسعي أن أتناولها من مختلف الحقب والمراحل، لكنّ رغبتي جامحة بأن أتناول هذا الملف تحديداً يوم استيقظت ذات صباح وكنت بمنتهى الإحباط من الحياه الروتينيه كطبيب جرّاح أورام خبيثة في أهم مشافي الرياض الحكومية وربّما الحديث الذي دار بيني وبين أحد الأصدقاء الوافدين إلى الرياض من خارج المملكة قبل تلك اليقظة المفاجئة لما أعانيه كطبيب لهذا النوع من الجراحة الطويلة في غرف العمليات بين المشارط والغرز والمقصّات والبنج والأوكسجين والتي يحتاج أقلّها إلى 8 ساعات من الوقوف المتواصل والصمود في وجه المضاعفات عند اجتثاث الخلايا اللامرغوبة في جسد المريض، والتحسّبات التي تعقب الجراحة، والنتائج والخوف على المريض ومن معه، كلّ ذلك كان كفيلاً بإرهاق جملتي العصبية، والقضاء على راحتي النفسية، بتمادي القلق في داخلي تجاه المريض وعائلته، كل هذه الضغوط أثّرت على عمودي الفقري وأطاحت براحتي التي كانت مطلب صديقي طبيب العظم الذي كشفَ النقاب وبصراحة تامّة عما يمكن أن يتفاقم من آلام قادمة لو استمريت في عملي هذا معتكفاً عندّ أسرّة المرضى بجدٍّ متواصل لايرحم، سعياً لتخليص أكبر عدد ممكن من المرضى من أوجاعهم ومخاطرهم المُحدقة بهم بمقابل لا يتناسب بالحدّ الأدنى مما أبذله في عملي ومهنتي كجرّاح، وكانت نصيحة صديقي الطبيب الغربي الوافد أن أستقلّ من العمل الحكومي وأن أنشىء معه ومع بعض الأصدقاء مركزاً طبيّاً يعود بالربح الوفير، يراعي اختياري في توفير المريض الأقل جهداً، وقتها كان ردّ فعلي عنيفاً حادّاً جادّاً صارماً، الإنقلاب الكامل على ذاتي كوني اخترت مهنة الطبّ، وصرخت بسخط في وجه صديقي معلّقاً: وهل تريدني أن أفتح بيتي من وجع الناس؟
ليأتي ردّه عنيفاً وبسخطٍ مماثل: وهل سيفتح بيتك الناس حين يقعدك الوجع بشكل كامل ويعجزك عن مهامك كطبيب وليس هذا اليوم ببعيد فقد تقدّم الخلل في عمودك الفقري لدرجة ربما لن ينفعه حتى العمل الجراحي لك شخصياً فيما بعد، إذا ثمّة تضرّر فادح ببعض الفقرات، ولا بدّ من تجنّب الانحاء على طاولة العمليات لملاحقة الأورام لساعات طوال داخل جسد المرضى، وتلاشت فجأة جميع أهدافي، وأمضيت ليلة طويلة أتقلّب فيها كأهل الكهف، لا ينفع المسكّن يومها مع أوجاعي ولا حتى بسط ذراعي بحثاً عن لا مبالاة تُذكر، وصار كل همّي كيف أتحرّر من جميع القيود، و هي قيود كثيره ومُربِكة نسبياً فأنا أعمل في عملٍ حكوميّ مكلّل بالمسؤوليات تجاهه وتجاه بيتي، فأنا متزوّج من حصّه زوجتي الخليجيه وأمّ سيداتي الصغيرات أميراتي المُدللات وبناتي الرائعات والغاليات على قلبي، لكنّ الوجع كان أكبر من جميع الأفكار والاحتمالات لهذا استجمعت شجاعتي في اليوم التالي و دخلت على مدير المشفى، ممتشقاً سيف المواجهة التي لا بدّ منها، قائلا: يا هذا إليك استقالتي من العمل.
نظر إليّ نظره أرعبتني للحظة وقال: غيرك كثير والكل يتمنى أن يحتل مكانك.
لا أخفي قتلتني في حينه تلك الكلمات، وكادت تضرّر كرامتي أبعد كل هذه السنين يُقال لي، أنا شخصيّاً: غيرك كثير، عزّت عليّ نفسي، ودارت بي الأرض دائرتها، وكبر الهذيان في رأسي مردّداً: لو كنتَ أجنبيّاً من بلاد الثلج أو من عالم ناطحات السحاب لتوسّل لي هذا “البيروقراطي ” كي أبقى، و لكن ما هي إلا لحظة، نفضتُ من أعماقي جميع الكثبان المتحرّكة من رمال السخط، وتذكرتُ أمرين: الأول أن القرار المطلوب هو قراري شخصيّاً، و الثاني أنّني كنت فظّاً، حين قلت له مخاطباً: “يا هذا “.
متناسياً كم مرّة سامحني على تأخّري في الالتحاق بالدوام حين كان الانتظار مملّلا للمريض والممرضين والإداريين في ردهة غرفة العمليات، وتذكّرت صَفْحِهِ المتكرّر عنّي لتقصيري في أكثر من مناسبة، إلا أنّني تداركتُ الأمر وذهبتُ إليه و قبّلتُ رأسه قائلا وبدون مقدمات أوإضات: سامحني عن أخطائي و تذكّرني بالخير.
وقبل أن ألتفت لأمضي فإذا بدموعه تنهمر قائلاً : بهذه البساطة هانت عليك العِشْرة، وستغادرنا..؟
لم أجد أيّ جواب، ولم أكن أشأ أن أبرّر وأن أشرح بشيء، فقط أجبته: إنّني أبحثُ عن سلامٍ مع نفسي ومضيتْ.
وأنا في طريق العودة كانت تكبر المفردة في أرجاء نفسي، وإذا بي أستنكر على هذه الجملة الخاتمة الطارئة: “سلام مع نفسي “!!!
ماهو ذلك السلام، كل ما أعرفه أنّ السلام مع الأعداء فهل نفسي أصبحت عدوةً لي..؟!!……..
يتبع…
خاصّ – إلّا –

You may also like

4 comments

الغربه صعبه 08/07/2017 - 3:10 صباحًا

السرد جميل جدا والراوي قصته واقعيه واثارت في نفسي عند كلمه هل هانت عليك العشرة القضيه في العمل والزواج في مجتمعنا كبيرة عند الغرب الزواج بواحده فقط ويمكن لك الصداقة بالمئات نحن شعب مخلص لا اراديا ولكن المراة غيرة ايضا لا اراديا لهذا الله خلص ادم وحواء ولم يخلق اخرى اتمنى للكاتب المضي في امتاعنا اكثر ودامت إلا لنا ………

Naima Elazadi 08/07/2017 - 10:37 صباحًا

بغض النظر عن جمالية السرد ومسار الحكي، لديَّ ملاحظة حول الأخطاء الشائعة بخصوص استعمالات الكلمات او الأفعال التي تدخل الحروف المضعَّفة في تركيبها. فعند تصريف الفعل يُفَكُّ التتضعيف إلى حرفين اثنين من نفس الطبيعة. فمثلا بالنسبة ل ” استمرَّ” نكتب “استمرَرْتُ” وليس – استمريت- و”أصرَرْتُ” وليس – أصرَّيت- في الفعل “أصرَّ”.. وهكذا
كل التألق للمجلة والمزيد من العطاء للسارد.. تحياتي

أبو زين 08/07/2017 - 2:37 مساءً

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
أنا أشك إن التعب بالعامود الفقري هو يلي خلاك تترك مزاولة مهنة الطب
لكن أظن ان شغف الحريم وكثرة التفكير فيهن هو السبب ??

خالد 08/07/2017 - 10:42 مساءً

السرد رائع والعنوان مثير يبدو ان الكاتب سوف يتحفنا بجو العائلة الحميم متشوق للحلقة القادمة

Comments are closed.