Home أقلام إلّا تزوير الفكر العربي في عصر الانحطاط الراهن

تزوير الفكر العربي في عصر الانحطاط الراهن

by رئيس التحرير

أيوب محمد أيوب / كاتب ومستشار اقتصادي _زميل أكاديمية التجارة الدولية – خبير ألماني معتمد من أصل مصري – فرانكفورت

إن القلم يقطر دماً وليس حبراً حينما يكتب عن الوضع المأساوي، الذي وصل إليه حال الدول العربية، إنه لشيء محزن لأبعد الحدود حينما نصل إلى هذه الدرجه من الشرذمه، ولهذه الفرقة، ولهذة الدرجة من تدمير النفس، إذ ثمّة بلاد تدمّر، وثمّة شعوب تقتل بعضها البعض، وكل ذلك الذي وصلناه، تمّ بأيدينا دون أن نعرف تماماً ما يريده أعداؤنا منّا، ولم نتّخذ أي إجراء ضدّه غير الغباء السياسي، ولم نملك له غير الانحطاط الفكري، الذي وصل بنا إلى هذه المرحلة من التمزّق، ولا يسعنا دائما سوى أن نعلّق أخطائنا على أكتاف الآخرين، إنّ أعداءنا يعرفون ماذا يريدون ويعلمون كيف يخطّطون لذلك جيداً منذ عدّة سنين، ونحن كنا ولا نزال مجرّد أداوات لتنفيذ هذه المخطّطات القذرة، لقد كتب العبقري الألباني (ألفريد كروب – مؤسّس شركة كروب الصناعية الكبرى، على قبره، قبل أن يموت العبارة التاليه : الانسان ما هو إلا أداة لتنفيذ أقداره )، وحين أتامّل هذه العبارة الفلسفية، وأنظر إلى الوضع العربي أحسّ أنّنا فعلا كنا مجرّد أداوات لتنفيذ أقدارنا، ولم ندرك ما نفعله إلا بعد فوات الأوان لذلك نمتلك الأموال الطائلة والمصادر الطبيعيّة، التي تستطيع بها أيّة دولة أن تسيطر على العالم وليس العكس، كأن تترك العالم يسيطر عليها، وعندما أقارن البلد الذي أعيش فيه “فرانكفورت ” بأية دولة عربية أخرى وخاصّة نظير قوّة اقتصاديه عظمى، لا تملك أية موارد طبيعية كألمانيا، ولو نسينا كل الثروات القومية والتفتنا فقط لأهمّ ما تملكه الدول العربية، ولم يدركه العرب بعد، وهو القوّة البشرية المتمثلة في تنوع الأجيال ويغلب عليها جيل الشباب الحالي وجيل الغد المرهون بوفرة في عدد الأطفال الأمر الذي تفتقده، ليس ألمانيا وحدها بل القارة الأوربية ككل، والتي تلقّب بالقارة “العجوز “، ولكن للأسف بدل الحفاظ على القوّة البشرية الشبابية جاءت الحرب التي بسببها تمّ تدمير عقول الشباب والأطفال بالكامل إلا من رَحِمَ بي.

والمعروف للأسف أنه في الدول العربيه ولعديد من السنوات لم تتمّ المحاولة للاستفادة من القوة المذكورة، وأعلم تماماً كيف أنّ الغرب يحسدنا، على النسبة العالية في سنّ الشباب، لأنهم قد يفتقدون هذه النعمة، ونحن ننعم بها ولكن للأسف لا نعرف كيف نستفيد من هذه الطاقه الجبّارة، ولم نعرف كيف ننمّيها، ولم نعرف كيف نستثمرها ونعدّها الإعداد الصحيح اللازم كي ننهض بمستوى دُوَلِنا لتصبح في مصاف الدول المتطوّرة، كما حدث في الدول التي لا تملك أيّة مصادر طبيعية، عدا الإنسان وكيفية إدارته وتعليمه فكرياً واجتماعياً واقتصاديا.

إنني أعيش في ألمانيا منذ أكثر من /35 عاما / ولم أر محطّةَ تلفازٍ عربية واحدة ناطقة بلغة هذه الشعوب بالألمانية مثلاً حتى تفهم هذه الشعوب من نحن، لكننا تركنا الساحه للإعلام الغربي اليهودي، الذي ينهش في لحمنا ولا ندري عنه شيء رغم أننا نملك الاموال الطائلة التي تُصرف على الاسلحه وتصرف في كازينوهات أوروبا وتصرف من أجل التدمير وتفتيت وتغير الفكر العربي.

أذكر حينما كنت أدرس في أكاديمية التجارة الدولية في فرانكفورت سألتُ البرفوسور الذي كان يشرف على زمالتي ما هو سبب تقدّم المانيا إلى هذه الدرجه خلاف الدول الأخرى فردّ عليّ بإجابه بسيطة، إنه “التعليم ” والاستثمار في الإنسان، فتعجبتُ وسألتُ نفسي أين نحن من ذلك، ولم يقل إلى امتلاك بترول، ومصادر طبيعيه كما نملك نحن وأضفت إلى ذلك قانون صارم، ومساواة بين الجميع، ومعاملة الانسان كإنسان، وليس كحيوان ومكافاة الابداع، وليس تحطيمه كما يحدث عندنا.

لقد حبانا الله بنعمٍ لا حصر لها، أهمها جغرافيا فريدة من نوعها، ودين واحد، ولغة واحدة، وتاريخ عريق واحد، دمّرناه بأنفسنا، ولم نستفد من هذه الممتلكات التي خصّنا الله بها، كما يجب أن نعمل، والنتيجه هي المأساة التي نعيشها في الوقت الحالي بكلّ ما يمرّ على المنطقة العربية من دمار وتخريب ممنهج.

سألتني السيدة المثقّفة والكاتبه المبدعة “غادا السمان ” سؤالاً بعد نقاش بسيط لأوضاعِنا هل هناك حلّ لهذه المشكلة الراهنة التي نمرّ بها..؟

إن هذا السؤال كان كفيلاً بمصادرة النوم من عينيّ، ولم أستطع الاستسلام للنوم لمدة ثلاث أيام، وأنا أفكّر في هذا السؤال، حزناً لما وصلنا إليه، من هذا التخلّف الفكري، وحالة التدمير النفسي التي نعيشها في الوقت الحالي، ومع ذلك أجبتها في الحال، لا يوجد مشكله بلا حلّ إذا توفرت الإرادة السياسيّة لوضع الحلول ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، والاستفادة من عقولنا المهاجرة، التي اكتسبتْ خبرة لا يٌستهان بها لإدراة الأمور والمصادر، وقد اكتسبتْ ثقافاتٍ وفكرٍ متقدّم، يمكن أن يُستفاد منه في تنميه هذا المجتمع وطبعا الاستفادة من هذه الموارد الطبيعة الضخمة، التي نمتلكها والاستفاده بالطبع من الوضع الجغرافي الفريد من نوعه كما ذكره الدكتور جمال حمدان في كتابه “عبقريه المكان”.

لا شكّ أن هناك من يحيْك المؤامرات على الدول العربية والاسلامية، من قديم الزمن ومن أكثر من ألفي عام، ولكن لم نسأل أنفسنا لماذا ولم نفهم كيف نواجهه. دول يحكمها حكّام بلا ضمير، وحكام لا تحرص، على المصلحة العامة وشعوب مغلوبة على أمرها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، يتحدّثون عن الشرعية، ولا أدري ما هو مفهوم الشرعية عند هؤلاء الحكّام..!

فالشرعيه التي أفهمها، وكما عشتها في بلدي الحبيب الأول مصر، وأعيشها اليوم في ألمانيا بلدي الغالي المكتسب، هي ليست أن تسيْطر على الحكم إلى الأبد، والشرعية ألا توظّف الأخ والأخت والقريب والجار والصديق، لإدارة هذه الدول، والانسان المواطن هنا هو الذي يحكم، والحاكم ما هو إلا أداة لتنفيذ ما يريده الشعب، وليس العكس كما يحدث في الدول العربية، فمن وجهة نظري هذه هي الشرعية، والشرعية هي إعطاء الانسان حقّه وبعد ذلك مطالبته بواجبه، الذي يقوم به بتناسق تام، مع تطبيق قانون صارم ومساواة للجميع.

هتلر وموسليني كانوا حكّاماً، وعديدون مثلهم وصلو أيضاً بالشرعية، ولكنها شرعية مزوّرة فكرياً، فأنت تستطيع أن تسيطر على الإنسان إما بالدين، أو بالسيطرة عليه اقتصادياً، وهذا ما فعله هتلر الذي خلق أكثر من ستة ملايين وظيفة خلال سنتين مما أبهر الشعب الألماني، وجعلهم ينساقون وراءه إلى أن وصل إلى الهاوية، ونحن للأسف نستخدم “الدين ” لهذا الغرض للوصول إلى أهداف سياسيّة مدمّرة، بدلاً من استخدام الدين من أجل مصلحة الشعوب وليس تدميرها.

الجوامع مليئه عندنا بالمصلين، ولكن للأسف لا أحد يعمل بالدين، لأنّ الإنسان للأسف لم تتم تربيته التربية السليمة التي تجعله يطبّق ما يسمع، ويلتزم تعاليم ديننا الحنيف، فنحن نملك الدين الذي حبانا إياه الله، ولكن لا نطيعه ولا نطبّقه وهم لا يملكون الدين بل يطبّقونه فهل سأل حكامنا لماذا ؟ ..

نحن نملك التاريخ ووضعنا اسس الحضارة، ولكن هم من استفادوا منها وسخروها لمصالحهم، ونحن ألقينا بها في التراب للأسف الشديد.

عندما كنت أدرس علوم الكمبيوتر في ألمانيا اكتشفتُ أنّ الأفكار العلمية، لعلم الكمبيوتر وضعها الفراعنة، وأن لولا الصفر، الذي أضافه العبقري الرياضي، ابن الهيثم إلى الأرقام ابتداءاً من الواحد إلى رقم تسعة، لما تمّ وضع الأسس لعمل الكمبيوتر.

إنّ الألمان يشيرون إلى الأرقام على أنّها أرقام عربية، وهي التي وضع أساسها الفراعنة، ونحن نطلق عليها أرقام انكليزية، يا للهول حتى تاريخنا لا نفهمه، وذلك نتيجة، لتعليمٍ سيّء، وثقافه ضحلة، كنتيجةٍ طبيعيةٍ لحالةِ التدمير الفكري الذي وصلنا اليه.

أعيش في ألمانيا كل هذه الفترة الطويلة كما ذكرت أعلاه، ولا يوجد إلا مسلسل واحد وفي كل حلقه يتم عرض قضيه منفصلة عن الاخرى، لا ترتبط بالحلقه السابقه لماذا وشاشاتنا التلفزونية، مليئه بالمسلسلات لماذا ؟

وتتعدّد الأسئلة والقهر واحد، فهل من مستمع، أو من مجيب، وهل من يعرف لماذا؟…

 

خاصّ – إلّا – 

 


 

 

You may also like