Home لـوثـة إلّاأدب سناء البنّا “الغواية برسائل مولانا “

سناء البنّا “الغواية برسائل مولانا “

by رئيس التحرير

سناء البنّا / شاعرة لبنانية – جبل لبنان

تسبح “سناء البنّا ” كسمكة ذهبيّة شفّافة، عاكسةً وشافّةً وكاشفةً لقيمة ما وراء المكتوب والمسطور، إلى ما فوق المحسوس بكثير، وأدنى من المطلق بقليل، بحدود وهميّة… هو بحر سرمديّ لا يحدّها.. روح تصغي إلى روحها في حيوات سابقة ولاحقة، ترفض السّتاتيك وتنطلق لتحاكي النّقاء، وتحيك منه قمصاناً للحداثة الصّوفيّة، وتنغمس فيه لتعود من جوفه بمحار يلد لؤلؤاً من غير ألم.. الشعر معها يستحيل حالة روحيّة ثوريّة عتيقة دائمة الصّبا كمدن الشّرق، تعمد إلى تكريم الكلاسيكيّة، بالقول لها: إخلدي بسلام… الحوار مع سناء البنّا متعة اللغة في فلوات مفتوحة لا نهائيّا على التأويل والمناورة.
حاورها : رواد زكّور – استنبول
1- “آدم وتاء الغواية”، “رسائل إلى مولانا”.. لآدم الرّجل مساحة مهمّة في شعرِك لدرجة احتلاله العنوان أيضاً، وباسترجاع مُلِحّ لنماذج شعبيّة دينيّة موروثة صوفيّة للذَّكَر، هل هذا مقصود أم صدفة عن طريق المباشرة ؟.
بين آدم وتاء الغواية ورسائل لمولانا مساحة تخصيب وجداني أتاحت لي انهمارات وتجلّيّات غير مخطّط لها، لا شكّ أنّ في داخلي أنين وحيثيّات تشدّني الى المكاشفة، فالمساحة لتأويل الفرضيّات مفتوحة، هناك انغماس لمفاهيمي الخاصّة في الرّؤى المعوّل عليها والمتّبعة لدى العامّة، في مقاربة للموروث من طوفان الحداثة التي لا بدّ منه لمواكبة الفكر الإنساني المتجدّد، وخلق المدارس العصريّة في محاكاة الفكر الصّوفي، فالمسألة ليست استرجاع أو بكاء على طلل، القضيّة هي الشّروع في النّقاء الرّوحي لتكون الشّخصية الفرديّة في الخدمة المجتمعيّة، إنّها حالة تَطَهُّر تريدني وأريدها.
نتيجة بحث الصور عن سناء البنا

الشاعرة – سناء البنا – توقع كتابها ” آدم وتاء الغواية ” بيروت 2013

2- تمزجين في شعرِك ونثرِك بين الموسيقا والفلسفة والتّاريخ والتّراث والعلوم، كيف توائمين بينها خاصّّةًً في حالة التّناقض بين الحاضر والماضي، بين الكلاسيكيّة والحداثويّة ؟.
الحداثة هي امتداد وليست انقلاباً، هي إنقاذ فكري للكلاسيكيّة التي تعبت ولم تعد قادرة على استيعاب كلّ المفاهيم، فلا بدّ لنا أن نُعين هذه الكلاسيكيّة على الرّاحة بعدما وفّت قسطها للعُلا، والحداثة الشّعرية لها مرتكزات ربّما في بعضها أكثر تعقيداً من الموازين الكلاسيكيّة، فولادة الشّعر على يد إيقاعات نفسيّة وروحيّة هو أكثر صعوبة لإظهار التّجلّيات من ولادة الشّعر على يد الدّاية أيّ البحور الخليليّة، وهذا ليس انتقاصاً للشّعر العامودي، ولكن تجنُّباً للتّحنيط المتوارث في تناول القضايا، فالحداثة ارتقاء وليست حرباً بوجه الموروث.
3- “أموتُ حتّى المنتهى المُلقّب بالعدم”، هذه الفلسفيّة إلى حدّ العدميّة في الحبّ المتصوّف تعتبر تجديد فيه، نستطيع إسقاطه واقعيّاً، كيف ؟، أم هو فكر شعري مجرّد ؟؟.
العدميّة فقه فلسفي متواتر موروت من الفلسفة الإغريقيّة، بدءاً من أرسطو إلى يومنا هذا مع جان بول سارتر وغيرهم من الفلاسفة والمفكّرين، وهي مفاهيم تواكبها اختلالات في في تفسير كنهها ما بين قائل أنّ العدم غير موجود أصلاً، ولو كان موجوداً لكانت له جغرافيا حسّيّة وهنا تبطل عدميّته وبين من يقرنها بالموت والتّلاشي، فالإنسان موجود والموت هو حالة تحويليّة لكيميائه من لحم ودم الى عناصر جديدة تدخل في تراكيب كيميائيّة جديدة، إذاً كمادّة كلّ موجود هو متحوّل، والعدميّة في القرون السّابقة ظهرت كفلسفة بوجه الكنيسة ورجال الإكليروس في أوروبّا وكانت المغالاة فيها لنسف المعتقدات الدينيّة التي تنكر العدميّة وتبقي على الرّوح والدّخول في الملكوت، والحياة ما بعد الحياة على الأرض، ومن هنا جاء الفكر الدّيني المرغِّب حيناً والمرهِّب أحياناً بطروحاته النّاكرة للعدميّة. أنا شخصيّاً مؤمنة بالله ورافضة للطّقوسيّة الدّينيّة التي هي صناعة بشريّة قابلة للتّأويل والاجتهاد، من هنا أنظر للعدميّة بأنّها غير موجودة كونها لا تملك الماهيّة والجغرافيا وليست موجودة بعد الفناء؛ لأنّ الفناء متحوّل أيضاً ومتجزّء، فالموت حتّى المنتهى لا ينتهي بحدود صوفيّة أو مجتمعيّة رائجة.
نتيجة بحث الصور عن سناء البنا
4- هذا الاستحضار التّشخيصي هل هو محاولة للهروب إلى الخلف وجلْب ما يوحي بالأصل والجذر، وكأنّه يمثّل الصّفاء والبراءة قياساً بحاضر متوحّش ؟.
ليس استحضاراً تشخيصيّاً كما تفضّلت، إنّه انطلاقة تجديديّة مبنيّة على جذور ضاربة في تاريخنا وفكرنا، الصّوفيّة سلاح مواجهة وليست هروباً من واقع مرير، هي إصغاء روحي لكلّ ما يشعل النّفس بنورانيّة لا تجيز للظّلمة أن تدنو منها، هي الغوص بالموحي بكلّيّة تامّة وليس الْتفافاً عليه لطَرْح فكرة تبعدنا عن الواقع المأزوم، وفعلاً يمثّل الصّفاء ويقشّر النفس من أثوابها الرّثّة. العصور التي ازدهرت فيها المدارس الصّوفيّة والتّكايا وأئمّتها وروّادها، كان بالمقابل فلسفات إلحاديّة ومستغِلّة للفكر والفقه الدّيني كما هو حاصل اليوم، حتّى بتنا بحاجة لمَطْهر روحي وثقافي وتربوي حتّى نصيغ حياتنا وسلوكيّاتنا وتربيتنا صياغة روحية كالتي أرادها الله للبشر، لا التي يريدها الفتنويّون من كلّ الطوائف والمذاهب، والذين نصّبوا أنفسهم وكلاء الله على الأرض إنّه زمن التّوحّش العقائدي والتّوحُش المادّي ولا بدّ ممّن يدلّ الى طريق الفرح والرّجاء بالخلاص وهذه مفردة الشّاعر والكاتب الأولى في الحياة.
5- في شعرِك أيضاً نفحات سورياليّة واضحة، واختلاط الزّمكان، فهل تجدين أنّ قارئ العصر في حاجة إلى هذه الزوّادة الغنيّة وإعمال العقل في فكّ رموز الشِّعر، أم إلى البساطة أكثر ؟.
الشّعر ليس جديداً عليه أن يكون إبن بيئه، أو كما تفضّلت به بمصطلح الزّمكانيّة، الشّعر هو قضيّة متفاعلة بين الشّاعر والمتلقّي ،تتوهّج كلّما حاكت مشاعر النّاس. الشّاعر يرى في وميضه وجه الحقيقة المجرّدة، ينقلها على الورق على ذمّة رؤاه. وما يُقال أنّ هناك صعوبة في فهم الشّعر النّثري، هو بالواقع استخفاف بعقل المتلقّي، واتّهامه بأنّه قاصر عن مواكبة روح العصر في الحداثة والتّطوّر. إنساننا اليوم هائل في مجالات العلم والتّطوّر والتّكنولوجيا، فلماذا لا نعترف أنّه تطوّر ذوقه العام في ميادين الفنون؟، وخصوصاً الشّعر، وأصبحنا في حاجة ماسّة لخلق معادلة جديدة تتيح للمتلقّي أن يسمع ما يليق به، لا ما يُفرَض عليه. علماً أنّ الشّعر العامودي مُقَولَب ولا يتّسع روحيّة العصر الذي نحن فيه، لذا كانت الحداثة المخرج الطّبيعي والإلزامي لاستمرار حكاية الشّعر.
نتيجة بحث الصور عن سناء البنا

من أجواء ندوة توقيع إصدارها الثاني “رسائل إلى مولانا ” ويبدو في الصورة الكاتب الأديب غالب غانم من اليمين يجانبه الشاعر طراد حماده وآخرين، تتوسطهم الشاعرة البنّا

6- كيف تجدين مكانة الشِّعر والشّاعر حاليَّاً في ظلّ ما يدور حولنا من أحداث دراماتيكيّة ؟ وكيف على الشّاعر استيعاب هذا الدّفق منها ؟.
الشّاعر برأيي هو معبد اعلامي تُتْلا به كلّ الهواجس والأمنيات وكلّ مشاعر التّجدّد الفكري والنّوعي في شتّى الميادين، وهو المستشعر الأوّل بما كان وما سيكون، وهو من يوجِد كلمة السّرّ في إعلان الثّورات، كونه المتحسّس الأكثر دقّة ومعرفة بما يدور حوله، فالشّاعر يقول كلمته قبل عشرات السّنين من وقوع الحدث، فهو المحرّك الذي بفضله يتحرّك سائر الباقي، فالدّعوات للتّمرُّد والثّورة ولدت من اجيال ماضية ولكن للأسف استدركها الفكر الإستعماري واستبدلها بفكر تكفيري لإحلال سياسة تدميريّة تتيح له استنزاف الثّروات والموارد والعودة بعالمنا الى جاهليّة متجددة معزوفةً على أوتار الطّائفيّة والمذهبيّة، وهنا مسؤوليّة الشاعر والمفكّر بإعادة الوعي الى المجتمع وتخليصه من الإنجرار الغرائزي خلف المعتقدات المخادعة التي يُتَّهم بها الله ورسله، وتلصق زوراً بالرّسالات السّماويّة.
7- أودّ معرفة رأيك بمقولة تصنيفيّة وهي “الأدب النَّسَويّ”، هل تعتقدين بها أم بالأدب بمعناه المطلق الخالي من التّجنيس ؟. الأدب بتجليّاته والشّعر على الأخصّ، هو إنغماس وجداني طاهرٌ بامتياز بكلّ ما يدور حولنا، والسّؤال هل المرأة ترى الجمال والرجل لا يراه؟، أو العكس؟.
لا شكّ أنّ هناك خصوصيّات فيزيولوجيّة وبسيكولوجيّة مختلفة لكلّ من الرجل والمرأة، فالمرأة أدرى من الرّجل في وصف مشاعر الأمومة، كونها ملك خاص بها. والرجل لديه بنية جسديّة قويّة تؤهّله للوقوف على جبهة القتال بكفاءة أعلى من المرأة، فهو هنا أقدر على وصف مشاعره بساحة الحرب، ولكن الرّجل والمرأة لديهما إحساس واحد في الإنتماء للوطن، ولديهما عاطفة متشابهة في الحبّ والذّوق وكلّ أمور الحياة، فمن هنا يبدأ التّناغم لإتمام سيمفونيّة التّكامل بين الرّجل والمرأة وتصبح المقاربة أمراً واقعاً في وحدة القصيدة وتقاربتها، فالشّعر حالة خاصّة يستسيغها العوامّ وتصبح المرأة والرّجل في مركبٍ واحد يديرون الدّفّة بمهارة وكفاءة متساوية في الإلمام والجودة.
صورة ذات صلة
8- لدينا أمثلة جلّى، ولكن هل تعتقدين أنّ أيّ شاعر فُصحى باستطاعته نَظم قصيد محكي غنائي شعبي برغم الفروقات ؟ أمّ أن الملَكة تختار مسارها المحدّد وتذوب فيه صوفيَّاً أيضاً ؟ وهل لديكِ تجارب في هذا الصّدد ؟.
لا شكّ أنّ الشّعر المحكي هو قيمة أدبيّة كبيرة وتراث قيّم، له مكانته الهامّة في وجدان الشّعوب، وهو الشّعر الغنائي بدون منازع، وهو الشّعر الذي يُحاكي المتلقّي بكلّ ما يدور حوله في الحياة من هموم وأمور عاطفيّة يتفاعل معها، إنّه ثقافة الشّعب، وفي عالمنا العربي شعراء لغتنا المحكيّة قاربوا الفصحى وتفوّقوا عليها في بعض الأماكن مثل ميشال طراد وسعيد عقل والأخوين رحباني وطلال حيدر وغيرهم، أمّا على الصّعيد الشّخصي، فأنا متمرّدة على (القَوْلبة)، ولا أحبّ أن أسكن في سجون التّفعيلات والقوافي على ما أنا محلّقة به، ولا يمكنني أن أرتمي بحضن لا أشعر بدفئه يحيط بشِعري، وأُجانِب كلّ ما يعيقني عن التّحليق في الفضاءات المأهولة بالتّجدُّد والتي ترويني باطمئنان روحي في الكتابة الشّعريّة.
9- ما رأيكِ بالتّجارب الشّبابية الجديدة إن كانت ورقيّة أم منبريّة أم افتراضيّة ؟ وما هي نظرتكِ للأخيرة ؟ وما أسلوب تعاملكِ مع الافتراضي ؟.
الواقع مرير رغم وجود بعض الأقلام اللافتة إنّما الفوضى لم تكن يوماً خلاّقة، وهيستيريا النّشر العشوائي أغرق الحركة الثّقافيّة بهدر إصدارات لا تصلح لموقع في ذاكرة التّاريخ . أمّا الافتراض فهو واقع يأخذ مكانه باتّساع ربّما أساء للثّقافة وأعطى مكاناً لغير مستحقّيه.
خاصّ – إلّا –

You may also like

1 comment

روحي المشرقي 14/03/2017 - 7:27 مساءً

حوار رائع وعميق
أسئلتك رودي كتير جادة وفيها خبث مبطن ☺️

Comments are closed.