Home لـوثـة إلّاأدب بعدَ قليلٍ من الآن..

بعدَ قليلٍ من الآن..

by رئيس التحرير

بلال شرارة / شاعر وكاتب لبناني، مستشار رئيس مجلس النواب – بيروت

بعد قليل من الان، سيكون قد انتصف النهار أو مايزيد، سيكون عندي متّسع من الوقت لكي أحبكِ٠

أما الآن فلا وقت عندي لمثل هذه (السوالف)، و في المساء سيكون انهكني النهار، فأرتمي كجسد ثقيل فوق الأوراق النحيلة، ثم ستلتصق عيني بهذه الصفحة المضاءة على (الآيباد)٠ 

بعد قليل من الآن، عندما يغادرني هذا البرد سأتجرأ على الخروج من محبسي، سأخاطر بالابتعاد  عن المدفأة قليلاً، سيكون لا زال هناك (لَحْسٓةُ) برد، ليس الأمر مهمّاً.. سأتحمّل و أخرج وأتجاوز على المسافة نحو الشمس، لن أجلس تحتها مباشرة، ولن أجعلها تلتمع أمام عيوني على زجاج النوافذ المقابلة، لأنّ الصداع النصفي سوف يتحرك مباشرة، و أشعر أنّ رأسي يكاد ينفجر و أنا لا أحتمل ذلك كلّه٠ 

بعد قليل من الآن سيكون لي أن أحبّك، سيكون التيار الكهربائي قد عاد إلى طبيعته، وقد انقضت ساعات التقنين الثلاثة.. الأربعة.. العشرة في حيّنا و أستطيع الصعود إلى المنزل بالمصعد، و أنا لا أتصبّب نزقاً على الدرج، سأبدّل ملابسي، وارتدي ثوب النوم، وأرمي بنفسي على السرير ،وأفكّر بك وأنا تحت الغطاء، سوف لا أغفو الآن ولا حتى بعد قليل.. أنا لا أنام أساساً بعد الظهر مثل أبناء العائلات (الذين خبزهم مخبوز وماءهم بالكوز)، ولكني  منذ أن أجريت آخر خمس أو ست عمليات جراحية، في معدتي وظهري تناقصت مناعتي تماماً، صرت إذا نظرت من الشباك و رأيت الدنيا ماطرة، أو أن الهواء يعصف بالصفصافة المقابله أشعر بالبرد.. أتهاوى وأسارع الخطى لألتصق تقريباً ب(الصوبة)..

مذّ ذاك صرت أشعر بعلاقة حميمية مع (الصوبة)، و أني بحاجة ماسّة للدفء والراحة، بل بحاجة للنوم مقابل كل ليل سهرته في زماني -كنت أقول – سوف أفكر بك، أحبس صورتك في عيني كي لا تهرب أو تتهرّب و أصير أحدّثك.. سأترك لأهل بيتي أن يعتقدوا أنني لم أعد سويّاً، و أنني أهلوس و أتحدّث إلى نفسي، ثمّ أني سأستثمر على هذا الاعتقاد و أحبك بشغف  وحرية وجنون..  

رعم اأك تقيمين الآن خلف البحار على مسافة بعيدة.. مسافة عمر مضى نحو خمسين سنة أو أكثر، تحديداً منذ أن غادرْتِني وأنا في عمر الولدنة التي يسمونها المراهقة، و أنا أخرج كلّ قليلٍ إلى تحت التوتة إذ ربّما تعودين.

أنا وإلى الآن أعتقد ورغم كهولتي، لا زلت صغيراً، طائشاً، عاطفيّاً بامتياز، لذلك أربط الدرب لخيالك الذي لا يزال مقيماً في الدار، لهمسك، لأنفاسك، لوجدانك، كيف وأنا منذ كبرت وانتبهت إلى أنني كنت، ولا زلت أحبّك وأنني أعيش دونك غصباً عني، وعلى أمل أننا سنعود، ونجتمع ذات يوم، لا أعلم كيف هو حالي اليوم، وقد عُدّتِ، وتلقيت إشارة صريحة منك على صفحتي في الفايسبوك.. طلب صداقة !

لم أصدّق، رحت أفرك عيني.. أهو وجهك أم وجه القمر ؟!

يا لهذا الطلب العزيز.. وبدون مقدّمات نحن صديقان، (من أيام القيمري)، منذ (سنة آنستُ ربي)، ربما تقصدين اختباري ؟ كيف حدث أنك تتجاوزين الآن مداميك العمر بعد كل ذاك الغياب؟

أتفتحين معي صفحة جديدة!

وهل بقي من العمر ما سيسمح لنا أن نلتقي..؟!

كي أتجاوز خجلي وأغمرك..؟! 

ثمّ أن هذا الوقت يركض ركضاً، وأنا لن أجد الوقت الكافي ليتسع لحبي الكثير  لك، لأعبّر لك عن هذا الحب الذي يسكنني، ثم أنه ياحبيبتي -و أنت تتابعين على الاخبار ما يحدث عندنا – سوف لا تصدّقين نه لم يزل عندنا بعد في الشرق متّسع للحب، كما أنّ الجميع هنا سيضحكون مني..

سيقلبون على أقفيتهم من الضحك، وهم يشاهدون بأمّ أعينهم حبّي الكثيف لك، فيما هم يقتتلون  لسبب أبسط من هذا بكثير، هم هاهنا لم يتركوا شيئاً من شرّهم، أحرقوا منازلهم، محاصيلهم، أحلامهم، مراكبهم، صارت مدنهم مأوى للخراب، صاروا يتفنّنون في وسائل الموت، ربّما أنا وحدي في هذا الظلّ الداكن من لا يزال يحتفظ بالحب في قلبه منذ زمن بعيد. 

لذلك، يا حبيبتي و قد وجدتِني فمن الأفضل أن تأخذيني من هنا، لأنّك لن تجدي غيري يقوم على خدمتك، وقد حطّت بك الدنيا، ولا زلتِ و أنت في عمرك هذا، تعملين سحابة يومك ثم تأتين إلى بيتك فتصنعين الأطعمة لعائلات أولادك، وهم قد أصبحوا كبارا -و أنت لم تعودي بنتاً صغيرةً إلا في عيني – ثم إنك ترتمين على السرير من التعب، و تنامين من صميم قلبك، وتحلمين نعم وتحلمين مثلي تماماً، بإننا هناك تحت التوتة تماماً، نلعب بكثير من الحماسة والحيوية (بيت بيوت).. 

آه كم كنتُ أحبّك؟!

آه كم لا زلت أحبّك.. 

 

خاصّ – إلّا –

 

You may also like