Home لـوثـة إلّاأدب العنوانُ تَرَفٌ لغويّ له تأثيره المُباشَر على المُتَلَقّي.

العنوانُ تَرَفٌ لغويّ له تأثيره المُباشَر على المُتَلَقّي.

by رئيس التحرير

أحمد محمد السحّ / مهندس وباحث سوري – دمشق

 

أين الغاية والمقصد.. !
تعود بي الذاكرة إلى عناوين الصحفي الراحل جورج ابراهيم الخوري، ومجلة الشبكة ومن بعده إلى فورة عناوين الهراء، التي يُتّهمُ أنه مؤسسها الأول مع أنه تخلى هو ذاته عن هذه ” النقلة النوعية” في العنوان المبتذل.
نتيجة بحث الصور عن جورج ابراهيم الخوري

الراحل جورج ابراهيم الخوري / صحافي وإعلامي معروف

لكن المستغرب أن تحدث هذه العودة بعد كل هذه العقود، حيث تتجدّد في أسلوب عنونة الفيديوهات وتجميعها يسير على نفس النهج، لا بل بات المقلّدون (ملكيين أكثر من الملك) وقفزوا عن مجلات الصحافة الباهتةِ الصُفْرَةِ ليضعوا عناوين غبيّة لمحتوى أكثر غباء يعتمد على هدف أساس هو زيادة عدد المشاهدات، فقد هدفت هذه العناوين إلى بيع المجلات بناء على عنوان فيه خبر أقل من عادي، الكل قرأ عنواناً مشابهاً لما يأتي: ( الفنانة الفلانية تعاني من السرطان ) ( الفنان س والفنانة ع يتزوجان ليلة واحدة) وسواها من هذا السرد السقيم، طبعاً ستعرف حين تتورّط بالقراءة : أن الفنانة تمثّل دوراً لمريضة سرطان وأن س و ع تزوجا في فيلم أو مسلسل، هذه العناوين التي تعتمد التحريض الغرائزي هو ما وجد طريقه في بداية انطلاقة العمل الصحفي الفني، أو ما فُرض لاحقاً على الصحافة وانتحل اسمها، وهذا يعود إلى عقود طويلة كان ممكناً أن يكون هكذا عنوان قابلاً للهضم والاستساغة، ولكن أن تجد أن الأسلوب في العنونة يعود عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً عبر اليوتيوب والإنستغرام، كونهما موقعان يهتمان بعملية زيادة المتابعين، لصفحة أو قناة، والملاحظ أن العناوين المفبركة أضافت إلى أبجديّتها المصطلحات الدينيّة والتحريضيّة حصراً، والتي تنصر مذهباً على مذهب، أو فكراً على فكر، مثلاً راعني عنوان (ملحدة تسأل سؤالاً جميلاً وبعد الإجابة من الشيخ الفلاني، تعلن إسلامها ) الأكيد أن هذه الحالة التعبوية في الفكر، ليست حالة العنوان فيها سوى انعكاس لمكنونات الداخل عميقة الانغلاق وشديدة التأثير، لا بل تعدّى الأمر ذلك، لنجد أن برامجاً ومسلسلات فعلت ذلك في عناوينها لتفعيل عامل الجذب، وهذا هو الأمر المباح وشديد القبول، ويعتبر المثل الشعبي ( المكتوب مبين من عنوانه ).
جدلياً العنوان اللافت له الكثير من الشواهد المؤيّدة ويقابلها الكثير من الشواهد المخالفة، المستهجن في العناوين هو حالة التحريض وليس الجذب، وحالة الاستغباء وهذا ما يكرّره المنتوج الفني العربي، بغضّ النظر عن مؤسسيته أو فرديّته، فهو يسعى إلى تحقيق هذه الحالة المعرفية عبر استغباء الآخر بالعنوان حتى العنوان التقليدي الذي لا تنفكّ إذاعاتنا الرسميّة عن استخدامها في عرض برامجها، كأن تُعَنْوِن برنامجاً عن الزراعة ( أرضنا الخضراء) أو برنامجاً ثقافياً بعنوان ( نوافذ ( حيث توجد ثلاث محطات فضائيّة عربيّة لديها برنامج يحمل ذات الاسم، ونسب مشاهداتها لا تتجاوز الضيف وأسرته، فهل الهدف من العناوين الباردة هو التنفير، بنفس الأسلوب من العناوين الساخنة هو التطفير، وهل هناك شروط للعنوان؟ الطبيعي أن الأكاديميين يعرفون الإجابة على هذا السؤال لوجود مادّة تخصصيّة في دراسة وتدريس العنونة.
نتيجة بحث الصور عن محمد الماغوط

الشاعر السوري الراحل / محمد الماغوط

يتذكر الشاعر الراحل محمد الماغوط أن الأستاذ الراحل أيضاً رياض الريس كان يحب العناوين الملفتة والفاقعة وهو الذي حرّضه على عنونة كتابهِ ( سأخون وطني) والذي قدّم لها القاص المتميز زكريا تامر، في عدّة صفحات ليبحث في هذا العنوان المثير للجدل، حيث بقي الكتاب ممنوعاً في سوريا زمناً طويلاً.
وكان جاذب العنوان والمحتوى كثير التعبير عن أهميّة اللغة المستخدمة في اختصار وتكثيف المحتوى في عملية قفل لغوي لمّاع يجذب القارئ للدخول في غمار المحتوى، متناسين عدم أهمية أن لا يكون العنوان فضفاضاً على المحتوى ويكون كل ما بداخل العمل لا يصيبه العنوان في شيء، كعنوان مسلسل عرض منذ عدة سنوات كان
” سقف العالم” للمخرج نجدت اسماعيل أنزور وكان المحتوى عن رحلة أحمد بن فضلان فلا وجد العالم ولا سقفه داخل العمل الذي حظي بمقاطعة الجمهور فحسب.
صورة ذات صلة

نجدت أنزور / المخرج السوري المعروف

وقد اختار عدد من أصحاب الحالات الإبداعية والفنيّة أن يهربوا من قفل العنوان، ليتركوا أعمالهم تحت مسمى ( بلا عنوان) فلقد شهدت معارض فنية ونوتات موسيقية ولوحات وكتب وروايات ودوواين شعر وقصائد هذا المسمى حتى بات هذا العنوان الذي بلا عنوان اتكائياً رثّاً، يوضّح أن القصد في عدم وضع عنوان محدّد ليس شمولية المحتوى واتّساعه حتى أن ضاقت به العناوين، لا بل هو من الفوضى والتعثّر والشتات حدّ عدم قدرة ” مبدعه ” أن يحتضن ما فعله في عنوان، لعدم وجود قصد أو غاية لديه.
فلقد أكثر الشاعر نزيه أبو عفش وقبله وبعده كثيرون من وجود نصوص شعرية ضمن دواوينهم كانت عناوينها نقط، وبغض النظر عن محتواها أستغرب كيف يمكن لقارئ أو ناقد أن يشير إلى نصّ ما، إذا أراد استعراضه أو طلب قراءته، هؤلاء الشعراء وجدوا مع المنظرين لهم أن العنوان قد يكون أحياناً ترفاً لغوياً لا أكثر إن لم يصب المحتوى ويكون متوازياً ومترافقا ً معه، ولكن بالمقابل فإن ترك المحتوى بهذا الشكل يشبه شَعْر امرأةٍ متروكاً دون رباط زينة فمع الزمن سيتعرّض هذا الشعر الجميل إلى التقصّف والتساقط، فالعنوان هو حالة إبداعية تضيف إلى أيّ عمل فني جمالي القوّة، وتساعد المتلقّي على معرفة القصد من هذا العمل ليتلمّس طريقه دون الدخول في دوّامة التساؤلات والغايات.
خاصّ – إلّا –

You may also like