Home لـوثـة إلّاأدب أنسي الحاج رسائل المراهقة الأدبية ولو بعد حين.

أنسي الحاج رسائل المراهقة الأدبية ولو بعد حين.

by رئيس التحرير

 

عبد الباسط حمود العباسي/ كاتب وشاعر وناقد عراقي – بغداد

لم أكن أعرف أنسي الحاج تلك المعرفة الدقيقة، ولا أقصد هنا المعرفة الشخصية، بل الأدبية لإنني لسبب ما أو لأخر كنت لا أعدّه نجماً أدبياً لاسيّما و قد ترافق ظهوره وسط كوكبة كبيرة من الشعراء و الأدباء ذوو الرتب الرفيعة، كما أنني لم أكن و لازلت ممن يقرأ ل غادة السمان، و لا أجدني حتى اللحظة هذه ممن يميل ويشعر بالانجذاب لكتاباتها وحتى شخصيتها الغامضة على الرغم من الجرأة الكبيرة الملموسة في ثنايا كتبها، بناءً على أن الأرواح جنود مجنّدة ولذلك قلت لنفسي أن الجهل مهما كانت دوافعه، سبّة ومذمّة، فما الضير من الاطلاع على بعض شعر أنسي الحاج ولكن بعدما تصفّحت ديوانه وجدتُ أن ما يدعونه شعراً، لا يلتقي أبدا في أي نسب للشعر، و حتى لما قبل عصور النطق .. يمكن في أحسن أحواله أن نعدّ ما كتب، مجرّد خواطر إنشائيّة، لتلميذ كتب باكراً بشكل جيّد، تشم مراهقته الأدبية تفوح بكثافة، تشل كلّ ما حوله .. وهذا نصّ من نصوصه التي لها شهرة واسعة، بعنوان ( ماذا صنعت بالذهب … ماذا صنعت بالوردة)..

نتيجة بحث الصور عن أنسي الحاج

الشاعر اللبناني الراحل أنسي الحاج

وحُبّيَ الأرض.

مَن أُخبر فيلدني ناسياً إلى مَن أصرخ فيُعطيني المُحيط؟

صار جسدي كالخزف ونزلتُ أوديتي،

صارت لغتي كالشمع وأشعلتُ لغتي،

وكنتُ بالحبّ.

لامرأةٍ أنهَضتُ الأسوار فيخلو طريقي إليها.

جميلةٌ كمعصيةٍ

وجميلةٌ كجميلة عارية في مرآة،

وكأميرةٍ شاردة ومُخمَّرة في الكرْم”

طبعا سأدع للشعراء الحكم، لأني هنا في موضع القاريء المتذوّق والناقد العابر .. وأعتقد أن شهرة ( أنسي الحاج) لم تأتِ من نبوغه الفعلي في الشعر ولكنها أتتْ من واقع محيطه البيروتي الذي ليس فقط يمسك زمام تجسيد الابداع من خلال دور النشر ووفرة المنابر وتنوّع الوسائل، ولكن أيضا من خلال الهالة التي يصنعها الاعلام البيروتي لطبقة الأدباء و “المتأدبين ” وخلق هالة اسطورية حولهم، بل وحتى نسج الحكايات والأسرار العاطفية وغيرها، والتي تجد قبولا نَهِماً لدى طبقة الفتيان والفتيات والذين تشدّهم مثل تلك “الايهامات ” الوجدانية .. و لم تكن تلك الآلة الصحافية تمتلك نوايا بيضاء بالطبع ولكنها كانت أخطبوطاً يضرب بكل طرف هدفاً محدّداً، لايقتصر على الجانب النفعي المادي بل هناك أبعد منه وهو جانب ضرب الموروث الأخلاقي العربي، و تسفيف لعقول الناشئة وجعلهم مجرد كائنات لاهم لها سوى العيش في حالة وهمية ومستدامة في السفاسف و الخزعبلات .. كانت تلك أهم أهداف تلك الآلة التي لاندري بالضبط من يديرها ولحساب من تعمل .. وعندما أقول أنها مستدامة فأنا لا أجانب الحق، ويؤكد ذلك ما تخرجه إلينا بين حين وآخر (غادة السمان) من تلافيف تأريخها رسائل عشاقها ابتداء من ( كنفاني) وليس انتهاء ب( أنسي الحاج )، وهذه الطبقة الأدبيّة والتي كان صوتها مدوّياً على الساحة الأدبيّة العربية لا لأنها كانت غاية في الإبداع ولكن لأنها كانت بمستوى القاع تمهّد الأرضية الرخوة التي تصلح لانهياراتنا الراهنة بعدما فقدنا كلّ القيم والقواعد الحضارية التي أسسها الأجداد وأضاع الأبناء وحصد خرابها الأبناء في أيامنا هذه..

هذه الشلّة ساهمت في خلق جيل عربي بيروتي تتشابه نسائه مع رجاله بدرجة كبيرة، حتى أنّك تمشي في شارع الحمرا (مثلاً) فتكاد تجد نفسك أمام شعب معظمه يضع أحمر الشفاه، ويتغنّج في مشيته كأنه قدّ من ردف عشتروت .. !!

لا أريد هنا الخوض في التبعات السياسية ولا الأخلاقية، ولكن أقول أن الادب الحقيقي هو الذي يؤسس لمجتمعات تكتب أناشيدها الملحميّة، أناشيد النصر وليس هذيانات الهزائم والثرثرات الفارغة،..

نحتاج إلى بعض الوقت لنلتقط أنفاسنا ونلملم فُتات الأدب “اللامنتمي ” الذي أسست إليه مجلّة “شعر ” لثّلة من الشعراء المُحدثين، شوقي أبي شقرا، ويوسف الخال، وأنسي الحاج ، وأدونيس، وغيرهم.

ولو استطعنا أن ندرك تماماً ملامح سقوط تلك المرحلة أدبياً وإبداعياً واجتماعياً وأخلاقيّاً، يمكننا أن نفهم لماذا صدرت

“رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمّان ” في هذه المرحلة المتردّية من تاريخ المنطقة العربيّة، وتحديداً وطن السمّان، وبلد الراحل الذي لم يستطع أن يشهد ولادة الحكومة اللبنانية التي تأخّر مخاضها لسنوات، ولن يشهد ولادة رسائله التي يجهل هو نفسه ربّما متى كانت “مواقعته” فيها و “توقيعه ” عليها.

خاصّ – إلّا –

وجَبَ التنويه: جميع الآراء الواردة في المقال تمثل كاتبها، وينشرها على مسؤوليته الشخصية، ولا تتحمل – إلّا – مغبة أية أصداء محتملة.

You may also like

1 comment

عبد الباسط حمود العباسي 17/12/2016 - 4:30 مساءً

شكرا لكاتبتنا الكبيرة الاستاذة ..غادا محمود فؤاد السمان ولكادر التحرير

Comments are closed.