Home إلّا سوريا .. ديمقراطية الدم

سوريا .. ديمقراطية الدم

by رئيس التحرير
غابي مقدسي

غابي مقدسي / ناشط ومحلل سياسي لبناني

جلس على ذاك الكرسي شامخ الرأس، بنظراتٍ مذهولة يحاول فهم سقوط الوطن، وهدر الكثير من دماء أبناء سورية الأبيّة، الدماء التي كللت وجهه باللون الأحمر ليس على سبيل الفن أو التشكيل، غبار الدمار افترش جسده، منهكاً حائراً خائراً لا يجد كتفاً يسند إليه وجعه وإرهاقه، تعبه وضياعه غير عدسات تستغلّ طفولته ومصوّر هنا ومصوّر هناك،  يملي عليه وقفته، ونظراته، ويستوقف دموعه وذهوله ليصادرها داخل صورة تضمن له تنويه عالمي على الشاشات والصحف والمجلات، لمَ لا وهو المشارك الفعلي في تعزيز الأزمة.
يشاهدهم جيداً ويتأمّلهم كيف يتنازع عليه الحاقدون كتنازعهم على سوريته.. عقله الصغير يحاول فهم ذاك الربيع العربي الذي حطّ رحاله في أرض وطنه واحتلّها وأمطر عليها الحزن والدم والدموع، مطلقاً هبوب رياحٍ عابثةٍ حاقدةٍ فتكت بنفوس شعب حسم أمره معلنا انتفاضة الحرية بصيحات التكبير التي تعهّدت أن تزفَ رؤوسٌ قطعت دون رحمة ودون أيّ وجه حقّ، لتبني دولتها المتطرّفة فوق أعراضٍ منتهكةٍ من قِبَلِ ثوارٍ يناشدون تسليحا أمريكيا وأوروبيا وعربيّاً أيضاً.
الدماء أصبحت رخيصة، والأرض باتت عطشى، وثمّة وطنيّون يتباهون بترسانةِ ذاك الدبّ الروسي، مباركين صواريخاً تتناهش البشر و الحجر.
فما بالك أيها الطفل عمران دقنيش !! جالس على كرسيك محطّم الخطوات ذاهل شارد صامت ومُسْتَغَلْ ..!!
انتفضْ على صمتكِ المدوي، انتفضْ في وجه تآمرهم على وطنك، هؤلاء الخونة ليسوا أبناء بلدك ليسوا أبناء سورية الحرّة الأبيّة العريقة بحضارتها وتاريخها وشعوبها المتعاقبة منذ آلاف السنين.
إنّهم مجرد أزلام لتجار الدين، و مجرد أدوات لمستثمري الدم، هم الذين شرعوا أبواب وطنك لتغزوها مؤامرات الشهوة و المصالح ،باعوا أرضك لغرب غزا العالم بنشر ديمقراطية الدم، رهنوا بلادهم لروسي مضطرب يسعى لبسط نفوذه في هذا الشرق، يسْتجدونَ حكوماتٍ عربيّةٍ و تناسوا أن من باع القدس لن يشتري دمشق، ومن باع الأمن في المنطقة لن يشتري لها الأمان، ومن باع الدين للتطرّف لن يشتري لها الاستقرار.
لقد جعلوا أرضك ساحة معارك تخوضها تلك الدول بدماء شعبك وبأرواحهم وكرامتهم وتشردهم وضياعهم وذهولكَ، محولين أشلاء وطنك الممزق لصندوق بريد يتحاور ويتناور حوله الطامعون بحفنة من الدولارات لا غير ذلك على الإطلاق.
قل لهم أنا عمران انظروا إلي!! أشبه وطني، لكني لن أبكِ .. ولم أمتْ، فهل يستطيع شرق أوسطكم الجديد الفتنوي التقاتل بدماء أبناء بلدي بعد، هل يستطيع اخضاعه للتدمير أكثر من هذا الدمار، لتحيا شهوة سلطتكم، وتعزز غرائز أطماعكم، وتتمتن عزائم نفذكم وصلاحياتكم.
لا بأس فليكن ما كان، لكن عليكم النظر جيدا إلى وجهي الغارق بالدم الذي لطخته نفوسكم الدنيىة، كيف سأغسله جيداً، وأزيل عنه أصباغ أرواحكم الشريرة، وقتها تستنتجون بحقّ أنّ سوريا مثلي تماماً لن تبكي بل ستغسل عاصمتها من الغبار وتنظف مدنها من الدم، وستنهض بعمرانها وثقافتها وشعبها وحضارتها من جديد وسترمي بمن خانها إلى مزبلة التاريخ خارج الوطن كقطع الشاش الملوثة بما اقترفته أيديهم، بحقّي وحقّ كلّ طفل بريء مثلي.
خاصّ – إلّا –

You may also like