Home لـوثـة إلّاأدب قصة علاقة نارية – الحلقة الرابعة

قصة علاقة نارية – الحلقة الرابعة

by رئيس التحرير
ألفي186

محمد حسن الألفي / كاتب وروائي مصري – القاهرة

لم أفهم، على الإطلاق، سرّ ثورتي وهياج أعصابي، حين قالت لي إنها خارجة لتزور صاحباتها أو لعلها قالت أصحابها، أو لعلّي أقطع بأنها ذاهبة للقاء صاحب لها، وسكنني شعور بأنها تخدعني، فتحايلت على غضبي، ودفنته، واصطنعت لها وجها حنونا، منكسرا :
– أنا جئت خاضعا ،  فاخضعي وارجعي  !
تجاوزتني إلى باب الأسانسير، ووقفت وهي تسألني :
– تنزل معي أم ستبقي واقفا أمام باب الشقة وحدك، فرجة للجيران؟
هززت رأسي مستنكرا، واتّجهت إليها، ودخلت هي بجوف العربة الهابطة وأنا واقف لم تبرح عيناي وجهها الآسر حتى إذا بلغنا الشارع، فباب سيارتها، دخلت، وقالت لي :
– عن أذنك ، نتكلم تومورو….!


وكأنها لا تعرفني، وانطلقت بسيارتها، فتضاعفت هواجسي وشكوكي، ورصدت اتّجاه حركتها، وكنت أطلقت بنزين سيارتي  خلفها، لكن مع الزحام، في شارع مراد، ثم الدقي، ثم البطل أحمد عبد العزيز، ومع تقاطر السيارات وتقاطعها، برهنت المرأة على مهارة في القيادة العدوانية، تفوق أي سائق ميكروباص.. !
حاولت أن أجاريها ، فكدت أخبط السيارة التي أمامي والتي خلفي، واللاتي على الأجناب، وتلقيت جملة من الشتائم والسباب، ورأيت أن من الحكمة أن ألتزم العقل، وأن أركّز في المطاردة التي أنا فيها، لكن أين أين هي.. ؟!


جميع السيارات صارت سيارتها، فأسرع خلفها، لكن الوجه لغيرها، رجلا أو إمرأة، ورغم أني أشعر بهيئتها وأشم رائحتها، حتى من بعيد، إلا أن هوسي بالعثور عليها جعلني أمضي شارداً وراء أيّة سيارة فضيّة كلون سيارتها، وفي عزّ الدوخة والتحرّي، رأيتني أتوقف على جانب من الطريق، وأحادث نفسي :
– أنت مجنون، ونهايتك حادثة الليلة .. اعقل يا رجل، وانتظر، حتى تعود، هي تحبك فلماذا تشكّ فيها ؟!
ثم أسبّ الشيطان :
– الله يخرب بيتك، ممسك بدماغي، وشغال زن، ارحمني وغور !


وهدأت أعصابي قليلا، وتوقّفتُ أمام محل فرغلي للعصائر، وجئ إليّ بكوب من عصير الرمان، وسكبته في جوفي، أعوض السكر الذي احترق وتعالى دخانه من كبدي !
يالله ! غير معقول ما أراه .. هاهي، رأيتها، صدفة غير مسبوقة، تتجه إلى مدخل العمارة القريبة، داخلة في ثقة وبهاء ودلال، فهل أمضي وراءها ؟
لا .. لا .. لا يجوز، تعقّل يا رجل ..

لكن لم يسبق قط أن علمت أنّ لها ها هنا صديقات . فكّرت أن اطلبها وأسألها، لكن إن فعلت، أفسدت مفاجأتها، فهل أنزل وأهرول وأضع نفسي أمامها . اقطع عرقا وسيح دما وأخلص .  مالذي سوف يحدث أكثر مما أنت فيه..؟!


وهكذا تركتُ باب السيارة لم أغلقه، وركضت لألحق بها، فلما بلغت المدخل ، انتصب أمامي جوف المصعد خاليا، والسيور صاعدة!
في أي طابق هي الآن ؟!
وفي أي شقة هي الآن ؟!
هل سأطرق كافة الشقق في الأحد عشر طابقا، أسألهم عن المرأة التي أعشق ؟!
تري كيف سيكون الرد..؟! ضحكات ساخرة أم ركلات مرتدة إلى ظهري ؟!
وقفت تائهاً في الطرقة بمدخل العمارة، وظهر البواب، وتفرّسني، ثم سألني بلا مواربة :
– نعم يا أستاذ ، أيّة خدمة ؟
كدتُ أسأله، فلم أعرف ماذا أقول وماذا لا أقول..
استدرت منصرفا، فلم يرضه انصرافي، فأسرع واعترضني : – سألتك ولا عبرتني ، لمن جئت ؟
زجرته في تعالٍ : إمش من قدامي الساعة  !


وخرجتُ، وهو يشيّعني بكفٍّ تضرب كفّاً، وبعض الألفاظ المضغومة، واحتقرت نفسي، وأقسمت أن ألكمها في وجهها حتى أدمي شفتيها الفرنسيتين، حين ألقاها .
تحسّست المحمول بجيبي، ولم أجده ، وفي السيارة، كان يرن ضوئيّاً، فالتقطته بيد محمومة، لأن  صورتها ملأت الشاشة، وسمعتها منفجرة في الضحك وهي تقول : –  تعيش وتأكل غيرها ..روح يا حبيبي روح ،أنا مع صاحبتي عفاف! طبعا تريد أن تسمع صوتها لكي تتأكد أنها امراة، لكني لن أريحك، لتتعلم أن تثق بي، ياللا باي !
طلبتها، كانت أغلقت الموبايل، فكرت في تلك اللحظة أن أقتلها ..

الاسبوع القادم نحكي .

 

خاصّ – إلا –

**عمل روائي جديد للأديب محمد حسن الألفي تفخر مجلّة – إلّا – بنشره على حلقات أسبوعية متتالية مع الشكر الجزيل لثقة الأديب الجليل.. 

You may also like