Home لـوثـة إلّاأدب الشاعر ربيع الأتات «الهايكو» نبضة منعشة عميقة تتذوّق اللحظة الآسرة

الشاعر ربيع الأتات «الهايكو» نبضة منعشة عميقة تتذوّق اللحظة الآسرة

by رئيس التحرير

من مقدّمة “جنازات الدمى ” بقلم الشاعر : اسكندر حبش

من التأثيرات الواضحة والجلية لقصيدة الهايكو في الشعر العربي الراهن والمعاصر، ديوان ربيع الأتات “جنازات الدمى” الذي بين أيدينا، إذ نجد أنه لا يميل إلى كتابة تأثر ما بهذه القصيدة، بل يحاول أن يكتبها، أي أن يجد لها معادلاً عربياً في ثقافتنا الشعرية الراهنة.

صحيح أن الشاعر لا يتبع حرفيا قصيدة الهايكو اليابانية التقليدية، بمعنى اشتغاله على الفصول المتعاقبة على مرّ السنة ـ وإن كان شعره لا يخلو من هذا الأمر ـ إلا أنه يقدم محاولة جدية لصوغ فضاءات هذه القصيدة بل أيضاً لصوغ “بيئة حاضنة” تملك خاصيته، وهو بهذا المعنى، يقترب ممّن كتب الهايكو في لغات أخرى غير اليابانية. بمعنى إذا ما كانت قصيدة الهايكو هي في الدرجة الأولى تعبير عن بيئة وفضاء وثقافة، فإننا نجدها في كتابة ربيع الأتات، تشير أيضاً إلى بيئة وثقافة وفضاء تنتمي إلى المحلي، لهذا هي ـ بهذا المعنى ـ لم تخرج عن مفهومها الأصلي، وإن كانت تحاول أو تطور في زاوية النظر التي ننظر من خلالها.

“جنازات الدمى”، ديوان يحتفي عبر اللغة العربية، بقصيدة يابانية. لن أتحدث عن “حوار حضارات” بالتأكيد. ربما لأن الحضارة الأهم التي أميل إليها هي حضارة الشعر. الكتابة هنا مليئة بالشعر. علينا أن نطل عليها من دون أحكام مسبقة، بل علينا أن نترك أنفسنا تنساب مع هذه التجربة التي أجدها مميزة، وهي تستحق الاهتمام بدون أدنى شك.

حوار زاهر قضماني

ما أكثر الدمى الجديرة بالدفن، في حياتنا. دفن بلا قبور وبلا مراسم، تعهّده شاعر طبيب روح، وطبيب بارع. خبير في الحياة وسر الحياة، وأيضاً خبير بقيمة الموت متى كانت الدمى كائنات المسرح الأشد تضخّماً وهيمنة.

مبضع الجسد الذي تحسّس نبض الأوردة، هو نفسه مبضع الكلام الأنيق الذي يلمع نبضة قصيدة، تلقي السؤال الوجود في عدم الخلود. فكائن موجود إن اعتنق العدم فبه يشهد للوجود بقيمة نبضه وألمه، بقيمة الوجع ومعنى الحضور في ثنائية الذات – الآخر.

يموسق نصَّه خطفاً. يقرع أبواب الروح ويصمت ليترك القارئ على مسرح القصيدة في تأمل وانخطاف.

ربيع الأتات، طبيب لبناني، شاعر «هايكو»، وقّع في معرض بيروت في دورته الأخيرة جنازات دماه بلا حداد..

حوار خصّ الأتات «البناء» به.. هنا نصه.

مأزق الثقافة من سطوة الأيديولجيا

بين عقم الثقافة وتفريغ المنطقة العربية أين يضع د. ربيع الأتات نطفة الشعر..؟

الشعر هو رحلة بحث في قلب هذا الوجود بما يحتويه من أسئلة وغموض وكثافة وجمالية، فهو بالتالي مشروع متكامل يُقيم عمودياً التجربة الإنسانية وعمقها متناولاً التراث بطريقة جدية للإطلال على الواقع بالتقاط تفاصيله وطرح التساؤلات الكبرى. وصول الثقافة إلى مأزق يرتبط بسطوة بعض الأيديولوجيات على الإبداع ومحاباة جزء من المنظومة الثقافية لهذا الواقع. نحن حتى الآن لم ننجح بطرح سؤال جدي جريء لانتقاد ماضينا وواقعنا .

بعيداً عن التقليدية والتفعيلة وحتى النثر انتهجتَ كتابة «الهايكو».. هل الهدف البحث عن المغاير؟

الهايكو هو مقاربة مختلفة للبنية الشعرية نشأ في اليابان عبر باشو في القرن السابع عشر بفعل ظرف ثقافي واجتماعي.

هذا الشكل من أشكال التعبير لا يُقدّم نفسه بديلاً عن الأنماط الشعرية المتداولة. فالهايكو هو قصيدة قصيرة، منعشة وعميقة تتذوّق اللحظة وتتأمل في مشهدية متكاملة العناصر من اللون والصوت والرائحة لتفصيل مجهري يرى الكون من خلاله .

إذا كان «الهايكو» يصلح للتعريب بالشكل وأنت كما يُشاع من الرواد.. فلماذا لم يتم تعريب المصطلح «الهايكو»، بل تم الاحتفاظ بمصدره «الياباني» وإدراجه في الثقافة المحلية؟

الإبقاء على لفظ الهايكو ضروري لأسباب عدة، فهو نوع من الوفاء للمصدر الياباني كما أن اللفظ أحدث بسرعة الصدمة المطلوبة في الشارع الثقافي فأصبحت كلمة الهايكيست متداولة للدلالة إلى شعراء الهايكو. وكثر يستفسرون عن مدلول الكلمة. لو أن التعريف عُرِّب على أنه ضمن إطار القصيدة القصيرة جداً لاختلط الامر مع قصيدة النثر التي تخضع لضوابط مختلفة تماماً .

دمى واجبة الدفن

في إصدارك الأول «جنازات الدمى» 2015، ثورات عدة مبيتة، وكأنك تختزل مجموعة من القضايا في معظم مشهدياتك. ماذا يدور في خلدك الشعري؟

كما ذكرت ينبغي للشعر أن يكون عبارة عن مشروع يهدف إلى إيصال إيديولوجيا معينة تُحدِث فارقاً في المشهد الثقافي من خلال رؤية ومشهدية ورسالة مختلفة. أميل إلى العدمية في نظرتي للأمور وأحاول أن أعكس هذه القناعات في الهايكو.

لا أنافس شاعراً

ناشط إلى حدٍّ لافت على مواقع التواصل الاجتماعي الشائعة.. واللافت أكثر كان ظاهرة احتفائك بزملائك الشعراء هل بتقديرك وبصراحة اليوم الشخص تقدَّم على الشعر أم لا يزال التوازن والموازاة قائمة؟

لم أطرح نفسي منافساً لأي شاعر، والنرجسية تجاه الآخرين موضوع تهشيم يومي في شخصيتي، أحتفي بزملائي خاصة الذين يشاركوني عدداً من القناعات وأغتبط لنجاحاتهم .

التوازن ما زال قائماً مع معظمهم، قلة منهم كانت لهم ردة فعل، مازلت أحاول فهمها.

النقاد ندرة

الوسط الثقافي يعاني من أوبئة خطيرة وأمراض مزمنة وأعراض مقززة أبشعها الشللية والشرذمة والتعصب الأحمق.. كيف بوسعك أن تقترب من أجواء ملوّثة كهذه وأنت الطبيب المعروف والجرّاح الماهر؟

الوسط الثقافي هو جزء من مشهد التحلّل العام بما فيه من غياب للموضوعية وقلة النقاد الذين يملكون الحيثية الكافية لتقييم عمل ما بعيداً عن العلاقات الشخصية.

أرى إعلاميين وإعلاميات في برامج ثقافية وصحف يقومون باستضافة بعضهم بعضاً في الأسبوع ذاته وكل منهم يمدح الآخر في مقال صحافي .

أظن أننا في هذا المجال قد مسسنا القاع .

ربيع

الأنا متباينة

هل لمست تصادم الـ»أنا» مع الآخر أم أنك ستحرص على تجنبها أم تأجيلها لإصدارات قادمة؟

الأنا تُجسّد نوعاً من العداء للسيطرة على الآخر، تجلياتها في النص تختلف من شاعر لآخر، فبينما نراها مباشرة عند البعض، حتى لكأن الديوان الشعري هو السيرة الذاتية للشاعر وعائلته، نرى آخرين يطلون عبر الـ أنا من وراء الستارة، باحثين عن القيم الإنسانية المشتركة في منطقة وسطية مع الآخر .

مباطأة النضج

المسيرة الشعرية الصادقة والهادفة تحتاج إلى أكبر مساحة من التأمل والمعاناة. هل تأهبت نفسياً لهذه الجبهات؟ وكيف تجد الوقت لذلك؟

التخبط والتناقض والتساؤل هي مداميك الإبداع، أرجو من خلال تجربتي أن لا أصل بسرعة إلى مرحلة النضج لكي أستمر أكثر .

معضلة الوقت تستند إلى القدرة على تقسيم الشخصية اليومية إلى أدوار عدة فأكون مخلصاً لكل واحد منها .

إسهال شعري

اليوم ثمّة استسهال وخلط وتطفل على الكتابة، بعدما توفر لكل مواطن منبر، كيف تحتفظ بمساحتك ورؤاك وخصوصيتك وتفرّدك وتجربتك في خضم هذا الازدحام وهذا التزاحم؟

لا أتحسس كثيراً من موضوع الإسهال الشعري، لكل الحق في الكتابة والإدلاء بدلوه. المعيار والهدف من وراء الكتابة يختلف، فمنهم من يبحث عن اعتراف اجتماعي ونوع من الوجاهة كتعويض عن عقد معينة وهناك من يحاول تحريك المياه الراكدة وتناول قضايا كبرى. عدد قليل من الكتاب يستعملون القلم كنوع من المداواة للاستمرارية من دون غاية محددة أو استدرار عطف المجموعات .

قصائد هايكو من ديوانه «جنازات الدمى»

أمرُّ بالنهرِ الذي جفّ

فأتعثّرُ

بأحجارِ طفولتي

النوافذ كلّها

عاشتْ و ماتتْ

مساحة عناكب

أقفلُ النافذة

أغلقُ عينيّ

كلّ الرياح لا تزال في رأسي

كدّتُ أقتلُ نملة

غير أنّ الأرض لا تحتمل

جثة أخرى

جثّةُ غرابٍ واحدةٍ

تُبيِّض

كل الثلوج

في لعب الأطفال

الجنود بلا زوجات

وبلا أطفال

الحبّ المهجور

ينسى الطريق إليك

إنّه كان طريقاً إليك

يفصلني عنك

جدارٌ

بنيناه معاً

يؤخّر اعتذاري

نبيذٌ

وجبنُ الذاكرة

في يدي

يدٌ أخرى

تتبدّل

 

المصدر : جريدة – البناء – اللبنانيّة

http://www.al-binaa.com/?article=100194

You may also like

1 comment

rafat 29/04/2016 - 3:14 مساءً

أمرُّ بالنهرِ الذي جفّ
فأتعثّرُ
بأحجارِ طفولتي

الحبّ المهجور
ينسى الطريق إليك
إنّه كان طريقاً إليك

يفصلني عنك
جدارٌ
بنيناه معاً

يؤخّر اعتذاري
نبيذٌ
وجبنُ الذاكرة

هذه القصائد الـ 4 اعلاه من بين الـ 10 المنشورة بالمقالة, ليست هايكو حقيقي.
وأعتقد ان الاستاذ/ ربيع الاتات سيعرف ما اعني.

Comments are closed.