Home أقلام إلّا “لعنة الكراسي ” الشائعة في العالم العربي تلاحق السياسيين في تونس

“لعنة الكراسي ” الشائعة في العالم العربي تلاحق السياسيين في تونس

by رئيس التحرير

      محمد القبّي / كاتب وصحافي – تونس

 

تعيش تونس هذه الأيام أحداثا تتمثّل في احتقانات واضطرابات في الولايات المهمّشة انطلاقا من القصرين وجندوبة وسيدي بوزيد وولايات الجنوب الغربي والشرقي في المناطق المحرومة والفقيرة بل المسحوقة، كنا ننتظر من كلمة رئيس الجمهورية الباجي القائد السبسي للشعب التونسي الكثير يوم الخميس 21 جانفي الحالي، لقد أفرغها من محتواها بإلقاء ثقل المسؤولية على بعض وسائل الإعلام التي لم يذكرها بالتحديد، وبعض أحزاب المعارضة المرخّص لها وغير المرخّص لها، كان عليه أن يتقدّم بحلول لتحقيق أهداف الثورة والإيفاء بوعوده سواء بخصوص الشباب العاطل والكشف عن قاتلي الشهيدين شكري بلعيد ومحمد الإبراهمي وغيرها من الوعود التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية أو على الأقلّ عن طريق حكومته حكومة الحبيب الصّيد التي لم تحرز أيّ تقدم منذ تنصيبها إلى اليوم بدل اتّخاذ قرارات عشوائية، ارتجالية يوم الغضب رفضها أهالي القصرين لأنّهم يدركون جيّدا أنّها اتّخذت لامتصاص غضب الشعب، واعتبروها غير ذي جدوى …

في خضمّ هذا الغضب المشروع لا يمكن تبرير الحرق والقتل وقانون الغاب والاعتداء على الأمنيين، وفي هذا الاحتقان وهذا الاحتجاج هناك من اعتبر ذلك بوادر ثورة ثانية قادمة، لذا حذار من الشعب إذا جاع، والشعب إذا هاج وثار على كلّ ما هو موجود، عندها يسقط النّظام وتبقى الدّولة ويبقى الوطن الذي يتموقع فوق الجميع، وهناك من اعتبر هذه الأحداث توهّجا للثّورة وامتدادا لها لتترسّخ بعد سنوات طويلة بل عقودا كاملة والأمثلة عديدة لدى شعوب سبقتنا إلى الثّورات على غرار فرنسا وروسيا ورومانيا وغيرها، والسّعيد من اتّعظ بغيره …

وعود كاذبة..

الحكومات السابقة والحكومة الحالية تعد ولا تفي بوعودها في محاولة منها لدغدغة المشاعر وسعيا منها لربح الوقت، بإيجاز شديد : هي تناور والشعب بقي صامدا…شعبنا الأبيّ لم تعد تخفى عليه الألاعيب والمناورات والوعود الزائفة للبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة … الحكومة الحالية تتوخّى أساليب بالية من العهد البائد كان يستعملها لتهدئة الخواطر…

وما الهدف من إجراء التحوير الوزاري الأخير ؟

لا أعتقد أنّ هناك تونسيا واحد قد فهم القصد من ذلك غير الترضية لهذا الطرف أو ذاك والتشبّث بالسلطة والتمادي في إذلال الطبقات الضعيفة والتمادي في الالتفاف على أبسط حقوق المستضعفين والمعدمين والمسحوقين … إنّ الرؤساء الثلاثة وأعضاء مجلس نواب الشعب وجميع الوزراء ومختلف كبار المسؤولين لم يشعروا يوما بمعاناة الضعفاء في بلدنا ولم يفكّروا فيهم البتّة، وحتّى إن زاروهم في مناطقهم فتلك لعبة سياسية يلعبونها، وما إن تطأ أقدامهم خطّ النهاية في حدود الولاية حتّى ينسوهم تماما ولا يعيروا لمطالبهم أهمّية، انظروا ما يجري حولكم من تحالفات ضدّ الشعب فتفهمون بقية الحكاية، ما زال الأغنياء في بلدنا يزدادون ثراء والفقراء يزدادون فقرا … فهم لا يفكّرون إلاّ في مصالحهم الشخصية وفي كراسي السلطة التي يحتلّونها خوفا عليها من الاهتزاز والتفكّك: إنّها لعبة الكراسي التي تتحوّل في النّهاية إلى لعنة تلاحقهم في كلّ وقت …

لقد التفّوا على مستحقّات الشعب الكريم ونسوا أنّ أفراده قد شنّوا هذه الثورة على الطّغاة وعلى كلّ من دسّ رأسه في طعامهم وطفق يلتهمه بشراهة دون التفكير في العواقب إذ لم يدركوا حتّى الساعة أنّ من ثار على من سبقوهم من الجبّارين والطّغاة قادر على أن يثور عليهم في وقت لاحق عمّا قريب، لذا عليهم أن يتعلّموا الدرس ممّا سبق ويستوعبوه جيّدا ليتجنّبوا جرّ أنفسهم إلى الجحيم، جحيم أتّون ثورة جديدة تؤذن بالاندلاع بوسائل قد تكون مختلفة للقضاء على الجور والظّلم والجبروت، فالشعب التونسي لن يتسامح في النيل من عيش أبنائه وقوتهم ولن يتسامح في تهديدهم بالمصائب والويلات …

إنّ أفراد الشعب ما انفكّوا يصرخون: كفانا وعودا كاذبة، كفانا أحلاما وردية، كفانا الضّحك على الذّقون واستبلاه المستضعفين واستدراج المغفّلين، كفانا مديونية من الخارج، كفانا إهدارا للوقت، وكفانا … وكفانا … فلنشمّر على سواعدنا، فبلادنا في حاجة إلى كلّ قطرة عرق نهرقها في سبيل رقيّها وازدهارها ورفعتها وسؤددها، ولننكبّ على العمل ولا شيء غير العمل …

لابدّ من تطهير البلاد من الأدران بجميع أصنافها ومن كلّ الشوائب التي علقت بها، ولابدّ من تحقيق العدالة الانتقالية في البلاد باسترجاع الأموال المنهوبة من الداخل ومن الخارج، وفرض سياسة جبائية عادلة بين كافّة التونسيين، والقضاء على الفساد والتهريب بشتّى أنواعه، ومساعدة المعدمين والمسحوقين، وترسيخ منظومة قضائية مستقلة وعادلة ومنظومة أمنية خالية من كلّ تواز ومن كل من لا علاقة له بالمنظومة …

في هذه الفترة الحساسة، لابدّ من وضع عيون ساهرة ويقظة على أموال ومكتسبات الشعب حتّى لا تكون لقمة سائغة في أفواه الطامعين و”المستكرشين”، ولابدّ أن تكون مخطّطاتنا المستقبلية بعيدا كل البعد عن الحسابات الضيّقة والمصالح الشخصية والمحاصصة الحزبية، ولابدّ أن ننعم باستقلاليتنا غير تابعين لا للشرق ولا للغرب، نرفض الاحتواء والإملاءات الخارجية، لا نريد أيّ مقابل من أحد، ننعم بحرّيتنا وباتّخاذ القرار اللازم في الوقت المناسب دون وصاية من أحد … وقتها ستكون ثورتنا هي الأفضل والأسمى والأنجح في كافة أصقاع الدنيا …

هكذا نريد سنة 2016 أن تكون، نريدها سنة الإقلاع … فلنشمّر على سواعد الجدّ ولنشرع في العمل … لصوص الثّورة هؤلاء كثر، البعض انطلق في عمله القذر قبل الرابع عشر من جانفي 2011، النّوع الأول كان يسرق الأفكار والأحلام، والثاني ركب على الأحداث وامتطى صهوة “جواد” الثورة من وراء البحار من باريس ولندن ونيويورك وغيرها، وحاولوا سرقة “القيادة” لكنّهم لم يفلحوا، نوع آخر ظهر في شرفات المباني في العاصمة وصفاقس وسوسة ونابل وغيرها من المدن الكبرى التونسية أثناء التسخين للثورة والتصدّي للنّظام السّابق، كانوا يدّعون أنّهم كانوا ضمن الثوّار يقولون ذلك دون حياء أو خجل، ولكنّهم كانوا “ثوّارا” مزيّفين، فبئس “الثوار” هؤلاء …

نوع آخر ظهر بعد الحراك، لقد سرق المنتسبون لهذا الصنف ثروات البلاد ونصّبوا أنفسهم قادة جددا للبلاد ومع هذا لم يقدموا شيئا للوطن بل جعلوه يخسر الكثير من الوقت … نوع جديد ظهر أثناء انتخابات 2011 وكذلك خلال انتخابات 2014، أصحابه وهم كثيرون سرقوا أصوات الشعب التونسي لاسيّما البسطاء والمغلوبين على أمرهم، والبعيدين عن التيارات السياسية وكذلك الانتهازيين الذين لا يملكون ذرّة واحدة من الوطنية … حمى الله تونس العزيزة شرّ هؤلاء جميعا، وبلاء المتربّصين بها …

سياسة التقشّف ضرورية..

بلادنا في حاجة إلى سياسة تقشّف بدءا بأعلى هرم السلطة رئيس الجمهورية إلى أبسط عامل والعمل على تطبيقها … التقشّف في كلّ القطاعات من قبل الخاصّة والعامّة، من الضّروري الضغط على المصاريف في كلّ الوزارات والإدارات العمومية التابعة لها لاسيّما في إنفاق الطّاقة بمختلف أصنافها، في اعتقادنا من المفيد التقليص من عدد السيارات الإدارية، وعلى الحكومة أن تسعى إلى التقليص من حجم الأجور المرتفعة لاسيما أجور الرؤساء المديرين العامين للبنوك خاصّة البنوك الخاصة قبل العمومية وذلك بتحديد سقف لهذه الرواتب التي شهدت ارتفاعا مهولا بلغ حدود الخيال، والحدّ من نزيف إخراج العملة الصعبة خاصّة عند انتداب لاعبي كرة القدم وغيرها من العمليات التجارية، فضلا عن ضرورة القيام بجرد لموظّفين “يعملون” في الوظيفة العمومية ويتقاضون أجورا دون أن يبذلوا أيّ جهد أو يقدموا أيّ إنتاج والبحث عن تعامل عادل معهم، فذلك يعتبر نهبا للمال العمومي …

هذا بالإضافة إلى ضرورة مراقبة الصّفقات العمومية مراقبة صارمة للقضاء على كل التّجاوزات وعلى أيّ تلاعب من شأنه أن يهدر المال العام … لابدّ من الضغط على المصاريف في كلّ دواليب الدّولة لمنع التبذير وبالتالي الحفاظ على أموال المجموعة الوطنية …

تحسيس الناشئة بذلك في المدارس والنوادي والعمل على تطبيق التقشّف بصفة فعلية من قبل الكبار حتّى يتأثّر بذلك الصغار ، فسياسة التقشّف ينبغي أن تطال كلّ الميادين فذلك سينعكس حتّما على تقليص حجم المديونية التي ما انفكّت ترتفع من سنة إلى أخرى، هذا التمشّي ستظهر نتائجه وانعكاساته الإيجابية بعد بضع سنوات على الاقتصاد الوطني، وبالتالي على حياتنا اليومية خاصّة إذا حاولنا تطبيق ذلك في بيوتنا ومختلف ممارساتنا في البيت والمدرسة والمؤسسة وغيرها من الفضاءات سواء كانت خاصّة أو عمومية … في قفص الاتّهام السّاسة والقضاة في المحاكم المدنية وحكام كرة القدم والإعلاميون والمربون ومراقبو الصفقات العمومية ونواب مجلس الشعب وأعضاء “الهايكا”والوزراء السابقون والحاليون وربّما اللاحقون جميعهم في قفص الاتّهام، فمن بقي بريئا في هذه البلاد ؟ ذلك هو السّؤال الحارق الذي ما انفكّ يفرض نفسه بإلحاح شديد …

التّهم الموجّهة لهؤلاء جميعا عديدة ومختلفة ومتنوّعة منها ضياع وثائق هامّة من الأرشيف إبّان الثّورة، وضياع حقوق الضعفاء في طيات الملفّات المهملة، وضياع حقّ الشعب في عيش كريم، وغياب العدالة الاجتماعية بمفهومها الدقيق، والتباطؤ في التقاضي لاسيّما بخصوص المتّهيمن بالاستحواذ على ثروات البلاد وبخصوص الإرهاب، لاسيما بخصوص قضيّتي اغتيال شكري بلعيد ومحمد الإبراهمي، وغيرها من القضايا الأخرى، وقضايا كرة القدم في ملاعبنا والانحياز الواضح لهذا الطّرف أو ذاك وتكريس الجهويات، ممّا وضع أغلبية حكام كرة القدم في قفص الاتّهام …

هذا إلى جانب ما سمّي بالأجندات الإعلامية التي تظهر بوضوح في القنوات التلفزية وانحيازها الواضح إلى هذه الجهة أو تلك، وقضايا التربية وتجاوزات البعض التي أصبحت تخيفنا … بعد كل هذا أصبح الجميع يشكّون في نزاهة الصفقات العمومية ويطالبون بالتدقيق في الحسابات وبيان ذلك للرأي العام على الملإ، ولا ينبغي لنا أن نخفي شيئا بل علينا أن نكشف عن كلّ التفاصيل باعتبار أنّ التلاعب بأموال الشعب جريمة يعاقب عليها القانون …

التّهم الموجّهة إلى جهات إعلامية لا ينبغي لها أن تكون بمكيالين بل يجب معاملة جميع المؤسّسات الإعلامية على قدم المساواة … وفيما يخصّ غيابات نواب مجلس نواب الشعب المتكرّرة مسألة على غاية من الخطورة، لابدّ من معالجتها في أسرع الأوقات باعتبارها سرقة لثروة من ثروات الشعب، فغياب البعض منهم يؤثّر سلبا على التصويت على القوانين …

بقي السؤال الأصعب: كيف يمكن تحديد الأبرياء …؟

لا للتّوريث في الحكم..

بدأ الشروع في الاستعداد لمرحلة ما بعد السبسي والرجل لم يكمل بعد عامه الأوّل وما زالت تفصلنا عن هذه المرحلة أربع سنوات بأكملها … الجميع يتدبّرون الأمر في السرّ والعلن وفي الزوايا وفي الفضاءات السياسية ومختلف الندوات والمجالس الخاصّة والعامّة، بدءا بحزبه المتصدّع ووصولا إلى خصومه التقليديين ومرورا بمعارضيه … الكثيرون اتّفقوا على أنّه لا مجال للتّوريث في الحكم، فنجل الرئيس حافظ القائد السبسي يسعى إلى ذلك بأحلامه وكذلك بأسنانه دون أن يفصح عن ذلك في العلن، ووالده لم يعلن عن مساندته له ولا عن معارضته صراحة وهذا يعني كأنّه يسانده باعتباره قد عاتب المنشقين، وحتّى القائمة التي قدّمها كانت من أقرب المقرّبين له، إن كان هو فعلا قد اقترحها، أمّا محسن مرزوق فهو وإن لم يكشف عن ذلك يستعدّ لتأسيس حزب جديد يستمدّ قوّته وربّما شرعيّته من حركة نداء تونس، والبقية الباقية من الحركات والتيارات والأحزاب السياسية تترصّد وتتحيّن الفرصة الذهبية للانقضاض عليها بغية الفوز بالغنيمة …

هذا المشهد يتعارض مع أهداف الثورة ومبادئ الحرية والكرامة والدّيمقراطية … يبدو أنّ شعبنا المناضل قد استوعب بعض الدروس من خمس سنوات ثورة، لعلّه سيستفيد منها وسيتدارك هفوات الماضي وأخطاءه المرتكبة في انتخابات المجلس التأسيسي، ثم في انتخابات مجلس نواب الشعب و أخيرا في الانتخابات الرئاسية، قد يستفيد من هذه الدروس في الانتخابات البلدية القادمة، ولعلّ الاستفادة الكبرى ستكون في انتخابات 2019 : التشريعية والرئاسية …

الشعب يريد حكما مدنيا، لا إخوانيا، ولا متطرّفا إلى جهة معينة، ولا حكما يأتمر بوصايا وتوجيهات من الغرب أو من الشرق لتبقى تونس حرّة مستقلّة، ترفض الاحتواء والانحناء لأيّ كان …

 

خاصّ – إلّا –

You may also like